دور الحركة الثقافية الكردستانية – الجزء الثاني

د. محمود عباس

   حلت اللحظة التي يجب أن تتقاطع المصالح
بينهما، تركيا تدعي بأنها ستحد من داعش وستحاربها مع دول الحلفاء، مقابل السماح لها
باجتياح أو السيطرة على شمال سوريا حيث المنطقة الكردية، تحت حجج متنوعة. فسمحت
باستخدام قاعدة الناتو (إنجرليك) لضرب داعش مقابل استخدامها من قبل تركيا بضرب
قنديل والمواقع الأخرى لحزب العمال الكردستاني، ومعها خلق الفوضى السياسية بين
أعضاء حزب السلام الديمقراطي بعد نجاحه الأخير في الانتخابات، وهي عمليات في العمق
الداخلي لتركيا تمهيد لانتخابات مبكرة محتملة في حال عدم تشكيل الحكومة بالشكل
المرغوب فيه من قبل حكومة أردوغان. وما قامت به تركيا من ضرب قواعد داعش الوهمية،
لم تكن سوى دعاية إعلامية، ربما ضربت بعض المجموعات غير المرغوبة فيهم، ويقال بأنها
في الواقع ضربت قرى كردية مؤيدة لحزب أل ب ي د، وأكثر من 90% من القصف الجوي كانت
على مواقع العمال الكردستاني، وعلى داعش لم تكن سوى لترطيب أعين الأمريكيين
والأوربيين.
 وكثيرا ما فعلتها سلطة بشار الأسد مع مجموعات رفضت أوامر قيادات داعش والسلطة
السورية، وأظهرها بشار الأسد في الإعلام على أنه يحارب داعش. فإلقاء الحكومة
التركية القبض على1000 شخص، من الدواعش عدد ما خلال يوم واحد بينهم قياديين، دلالة
على أن حكومة أردوغان تدير شبكة العلاقات الدولية للمنظمة، أو لها إطلاع تام عليه،
وهي مطلعة على حركة المرور بكل تفاصيلها من خلال مطاراته وأراضيه، وأمريكا تعلم
تماما بالجاري وتغض الطرف. وفي الواقع العملي، الاعتقالات معظمها موجهة لأعضاء حزب
الشعوب الديمقراطية، كمحاولة لإثارتها ودفعها للقيام بأعمال منافية في الشارع
التركي، لحظره قانونيا.  وبالتالي فتركيا تتحكم بأطراف داعش، ولن تستغني عنها بهذه
السهولة، مثلما تتحكم بها دول إقليمية أخرى، وما حصل في شنكال والإيزيديين من
الجرائم ومنطقة إقليم كردستان، وكوباني وغيرها من مدن غربي كردستان، مخطط مسبق رسمه
أصحاب المؤامرة الإقليمية على كردستان ونفذته داعش. 
 لا عتب على الأعداء فهم
يعملون لدولهم وحكوماتهم، ويحق لهم استخدام كل الطرق الشيطانية والإنسانية الشريرة،
بل العتب على الدول الداعية بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحريات الشعوب، وتلك التي
كتبت مرسوم حريات الشعوب يوما ما، والعتب الأكبر على الحركة الكردستانية، الثقافية
منها أولا والسياسية بأحزابها ثانيا، حتى ولو كانت الأخيرة متعودة أن تبقى أداة
مطيعة بيد المربعات الأمنية، وكأنها مضطرة أن تستمر هزيلة، لا حول لها ولا قوة في
كثيره، رغم أن المطلوب منها هنا بعض الإرادة وإعادة اعتبار للذات، والعمل على
التحرر من قيود الماضي الثقافي والفكري، والانتقال من مفهوم خدمة الحزب لرفع سوية
الوطن إلى العمل على تسخير الذات والحزب لأجل الوطن. 
 ويبقى الدور للحركة
الثقافية، وهي الأهم، لكنها متضاربة وتائهة على منصة الحركة السياسية الكردية،
وتبقى هزيلة بالنسبة للشعب الكردي وأمام واجب تجميع القوى الكردستانية، رغم أنها
أثبتت قوتها في العديد من المجالات الأخرى، ولها القدرة على إيصال كلمتها وأراءها
إلى معظم الأروقة السياسية والمراكز الإعلامية الإقليمية والدولية، لتمكنها من جميع
اللغات التي يتحدث بها العدو وبكامل أدواتهم، كما وبدأت تدخل المحافل الدولية عن
طريقين، نشاطاتها المستمرة في هذا المجال، إلى جانب حاجة القوى الدولية والإقليمية
لها حاليا، بسبب الظروف الجارية في المنطقة، وهذه  تجرفها إلى المشاركة في سلبيات
الواقع السياسي الداخلي، وتصبح محركة للصراعات الكردية الكردية، وتأزيم الوضع،
وتوسيع هوة الخلافات بين الأطراف الحزبية، تحت الحجج المذكورة آنفا. دون الانتباه
إلى أنه لا مطلق في الحقيقة، والصائب والمخطئ، حالة نسبية، والأفضل، والتي توافق
عليه الأغلبية، هو تشكيل قوة مشتركة سياسية وعسكرية. القضايا المستعرة لا يمكن حلها
بالتهجم أو الانتقادات المنفرة للأخر، فلا بد من دعم الشريحة العاملة على ردم هوة
الخلافات بين أطراف الحركة الكردستانية، والحاثة على التخفيف أو إنهاء لغة التهجم،
والتخوين، وتصغير الأخر وتشويه السمعة، وغيرها من الأساليب المؤدية على تفعيل
الصراع الكردي الكردي. وللأسف ما يظهر هو العكس تماماً، شريحة واسعة من المثقفين
والأقلام تنجرف يوماً بعد آخر إلى خدع العدو، وخير مثال عليه ما يظهر في هذه
الأيام، في إعلام  حزب العمال الكردستاني، أو المناهض لهم، ومواقع التواصل
الاجتماعي لأعضائهم أو مؤيديهم، من التهجم والتخوين لقادة الكرد، كالسيد مسعود
برزاني رئيس إقليم كردستان الفيدرالي، والمؤدية إلى توسيع هوة الصراع بين القوى
الكردستانية، أو المتشفين بالهجمات التركية على القنديل، ولا شك ورائها قيادات
سياسية كردستانية، تأثرت بشكل أو آخر بخبث دعاية الأعداء، وهم بهذا ينسون العدو
الحقيقي ويخلقون عدوا من بين شعبهم ومن أطراف سياسية كردستانية لا تقل عنهم قوة،
والمؤدية إلى ضعف الطرفين أمام العدو، والصراع الجاري لن يؤدي إلى المقولة الخاطئة
والخادعة التي خلقتها الأحزاب الشمولية والاشتراكية يوما ما، للسيادة الفردية على
الشعب والأمة، والتي لم تؤدي سوى إلى هزائم مزلة. والمقولة هي: (يجب تصفية الداخل
قبل محاربة العدو) هذه المقولة مرفوضة في المجتمعات الديمقراطية، فالأخر المتناقض
مع الفرد أو الحزب يبين عن رؤية مخالفة قد تكون أصوب للمجتمع من سياسة المسيطر،
وهذا هو مبدأ قبول الأخر والذي يجب أن تعمل عليه الحركة الثقافية الكردستانية وتؤمن
بها لتتمكن من تطبيقها على الحركة السياسية، وتقنعها بالمنطق والنقد الواعي لخلق
نوع من التقارب وردم هوة الخلافات، ويبقى السؤال المحير: هل أن الحركة الثقافية على
سوية إيصال الحركة السياسية والشعب الكردستاني إلى سوية القدرة على احتضان قضايا
الوطن، وتجاوز المصالح والانتماء الحزبي، وتكوين الدولة؟ وهل تقوم بدورها كحركة
قادرة على تثقيف المجتمع الكردستاني بمنطق ثقافة الوطن الكردستاني.

د.
محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

26/7/2015

نشرت
في العدد 39 من جريدة (بينوسا نو) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في
سوريا.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…