السياسة المزدوجة التي يمارسها ال «ب. ي. د» تقوم على مخاطبة الكرد بلسان، والعرب بلسان آخر مخالف نقيض تماماً

عبدالباسط سيدا

ما تشهده أجواء العلاقات العربية- الكردية راهناً من توترات
وتشنجات وحملة اتهامات متبادلة أمر يثير القلق الكبير، والمخاوف الكثيرة من مآلات
تصعيد المواقف، بناء على الوقائع الميدانية.
وقد بلغ الحد بهذه التوترات الى
قيام بعض ممن يحسبون على المعارضة بقيادة حملات كيدية، تكفيرية، على الكرد، حملات
تنم عن جهل وتجاهل وحقد أعمى غير مسوّغ.
وفي الوقت ذاته هناك حملات من جانب بعض
من يزعمون انهم يدافعون عن الحق الكردي بالتهجم على العرب عموماً، وحتى الاسلام،
وهذا ما نرفضه وندينه من دون اي تردد، لأنه يسيء الى الكرد قبل العرب، ويسيء الى
معتقدات الناس ومنهم الكرد.
هذه الحملات بدأت بعد هجوم داعش الإرهابي على منطقة شنكال، وإقدامه علئ قتل رجال
الإيزديين، وسبي نسائهم، واغتصابهن وسط صمت لافت من جانب النخبة العربية، وقيادات
بارزة في المعارضة، كان من المفروض ان تتصدى للموضوع بكل صلابة ومبدئية. وما سمعنا
من انتقادات خجولة هنا وهناك، لم يخرج عن نطاق رفع العتب، وإراحة الضمير
نسبياً.
كما عمق الهجوم الداعشي على كوباني ومنطقتها الجرح، وعزز الإحباط ، وهو
الهجوم الذي تسبب في اخراج اكثر من 200 الف من ديارهم في ظرف أسبوع، ومع ذلك لم
نسمع بأية مواقف لمسؤول لرجال من المفروض انهم سيكونون رجالات دولة
مستقبلاً.
كما ساهمت معارك ال ب. ي. د في كل من تل حميس وتل براك وتل أبيض في
توتير الأجواء العربية- الكردية، وهو ما استغله القوميون المتطرفون من الجانبين في
تسويق حملات لا تخدم سوى النظام. 
اما المذابح الاخيرة المستمرة في كوباني، فقد
أوصلت التشنج الى أقصى درجاته ، الامر الذي ينذر بمخاطر كارثية ما لم تعالج المسائل
قبل فوات الأوان .
داعش تنظيم إرهابي لا بد ان تحدد كل الأطراف موقفها بوضوح،
وصلابة، لتؤكد مصداقيتها فيما تدعو اليه بخصوص احترام الحقوق من دون اي تمييز ،
والمطالبة بالمشروع الوطني الديمقراطي .
كما ان السياسة المزدوجة التي يمارسها
ال ب. ي. د. لا تطمئن، بل تضر كثيراً، وتسمم اجواء العلاقات بين المكونين العربي
والكردي، ليس سوريا فحسب، بل على مستوى المنطقة بأسرها .
فهذه السياسة تقوم على
مخاطبة الكرد بلسان، والعرب بلسان آخر مخالف نقيض تماماً.
فكردياً يقول هذا
الحزب بانه يدافع عن الكرد وحقوقهم، في حين انه اتصالاته مع المعارضة، وخاصة
الائتلاف، يبين بانه لا يدعو الى المشروع القومي الذي فات زمانه، ويتهم القوى
الكردية خارج إطاره بالنزعة الانفصالية، ويقدم ذاته على انه يعمل من اجل وحدة سورية
، وهذا ما ذهب اليه في العديد من المؤتمرات التي كانت في الآونة الاخيرة.
في حين
ان الجميع يعلم، والكرد قبل غيرهم بان هذا الحزب قد اتخذ من كرد سورية رهينة
لحساباته وتحالفاته الإقليمية .
ما تشهده كوباني من مآسي ، وما شهدته منطقة
الجزيرة – تشهده – من نزوح وهجرة جماعية من قبل الكرد والمسيحيين السريان، هي نتيجة
تفاعل الارهاب الداعشي مع السياسات المغامرة لهذا الحزب.
معالجة الموقف الحرج
جداً تستوجب جرأة وحكمة وبعد نظر من قبل مختلف الأطراف. لان التطورات المتسارعة
تنذر – في حال عدم المعالجة، بكوارث شبه مكتملة الأركان.
والخطوة الاكثر جدية في
نطاق هذه المعالجة تتمثل بالعمل السريع الإحسان لوقف المذابح في كوباني، وإخراج
التنظيم الإرهابي منها.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…