قراءة مختلفة لنتائج انتخابات تركيا

 صلاح بدرالدين

 ربما يتساءل أي
متابع لشؤون تركيا ألم يكن نجاح ( حزب الشعوب الديموقراطية – h d p  ) في
الانتخابات الأخيرة بولايات كردستان تركيا ومدينة استانبول ذات التواجد الكردي
الواسع  وتخطيه نسبة العشرة بالمئة والتفاف شعب كردستان تركيا حوله دعما غير مباشر
لمشروع الرئيس التركي  وخطوة نحو مد اتفاقية السلام بين ” أوجلان – هاكان ” المزيد
من الدفع ؟ لقد راهن – أردوغان – منذ وقت طويل على الورقة الكردية – التركية لتثبيت
أركان حكمه وتحقيق سبق ملامسة الحل السلمي عبر حزبه الاسلامي الى درجة أن خصومه من
العسكر والمعارضة المدينة اتهموه مرارا بتجاوز الخطوط الحمر والتفريط بوحدة تركيا
والاساءة لمبادىء باني تركيا القومية – كمال أتاتورك – 
 ولاشك أن جزءا من اندفاعته كان انطلاقا من مصالح حزبه ومن يمثل من فئات اجتماعية
خاصة من طبقة الرأسماليين ذات النفوذ الواسع والمؤثر في الحياة المدنية والادارة
والاقتصاد والسلك الدبلوماسي ومن مصلحتها استتاب الأمن والاستقرار في البلاد وتنشيط
الدورة الاقتصادية في المناطق الكردية الغنية بالموارد والأيدي العاملة لتعبيد
الطريق الأسرع نحو عملية البناء والاستثمار في الاقليم الكردستاني العراقي المجاور
الغني بالنفط والغاز والأحوج مايكون الى خبرات تركيا في مجال الاعمار واعادة البناء
لمنطقة تعرضت الى الدمار خلال عقود خلت .
 أن نجاح أي طرف تركي سياسي في سدة
الحكم وعلى رأس الحكومة اسلاميا كان أم علمانيا في وقف النزيف وايجاد حل سلمي
للقضية الكردية  سيحظى بتقبل الرأي العام على المدى القريب والبعيد وسيسجل له نصرا
تاريخيا بعد قرون من الحروب والمواجهات تحت ظل الامبراطورية العثمانية سابقا والقمع
والاضطهاد وسياسات التتريك والتهجير طيلة عقود في ظل النظام الجمهوري لاحقا كما
سيكون ذلك بمثابة حسن سلوك لتخطي عتبة الباب الأوروبي المغلق أمام تركيا لسببي
القضية الكردية بدرجة أولى وملف حقوق الانسان وفي هذا المجال فقد جاهر الرئيس –
أردوغان – بموقف متقدم ( وليس كما هو مطلوب طبعا ) نسبة الى السياسات التركية
التقليدية المتبعة تجاه الكردانطلاقا من الحل العسكري منذ عهود سلاطين الامبراطورية
العثمانية  ومرورا بنظام كمال أتاتورك وحكومات الجنرالات وحتى المواقف الشوفينية
المتشددة لكل من حزبي المعارضة : الحركة القومية – m h p – والشعب الجمهوري – c h p
 – وسبق ذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والانفتاح مع اقليم كردستان
العراق وبناء عليه وفي حساب الربح والخسارة بالمدى المنظور والأبعد فان حزب الرئيس
انتصر ونال أسبقية  حمل مفتاح حل القضية الكردية رغم أنه خسر بعض الأصوات الكردية
ونال امتعاض الأوساط العسكرية .
  من السمات البارزة لأنظمة الحكم المتعاقبة في
تركيا ازدواجية ظاهرة بين من يحكم مدنيا نتيجة صناديق الاقتراع ومن يتحكم فعليا من
جنرالات من وراء الستار في بلد الدولة فيه تبقى علمانية بدستورها وشكلها العام حتى
لو جاء حزب اسلامي عبر الانتخابات ليحكم لعدة سنوات ولمدد قصيرة أو طويلة كما هو
حاصل الآن وبما أن تركيا تعتبر من الدول – العميقة – أيضا فهي عرضة لتنافس وصراعات
مراكز قوى متعددة الأصول والميول مرئية وغير واضحة المعالم فقد تحكمت منظمة –
أرغنكون – السرية على سبيل المثال ولسنوات عديدة بمصادر القرار العسكري والأمني
وبادارة الصراع الداخلي على الطريقة المافيوزية وتصفية الناشطين من الكرد
والديموقراطيين واليسار وضرب القوى ببعضها عبر منظمات وهمية تركية وكردية باسم
الاسلام والقومية وكان لجناح من حزب – أوجلان – دور في تلك المنظمة كما دلت عليها
الوثائق المعلنة لذلك من غير المستبعد وجود قوى موازية فاعلة داخل هذه الدولة
العميقة تعمل بدون علم قيادة الحزب الحاكم أو بالتنسيق مع أجنحة منه باتجاه تغيير
خارطة الصراع التقليدي من رؤية أنه حان وقت ايجاد حل ما للمسألة الكردية بصيغة
توافقية يرضي السكان ويحافظ على وحدة البلاد قبل فوات الأوان وتجد في زعيم حزب
العمال الكردستاني – أوجلان – ضالتها لتحقيق ماتصبو اليه وما نتائج الانتخابات الا
جزء من استراتيجيتها المرسومة تعقبها خطوات أخرى على الطريق . 
مايحدث على
الحدود الجنوبية لتركيا داخل الأراضي السورية وتحديدا في المناطق الكردية والمختلطة
من انتشار التنظيمات الكردية السورية التابعة لحزب – أوجلان –  عامل آخر له علاقة
وثيقة بمايجري داخل تركيا وكما يظهر ( ولنترك جانبا التصريحات الاعلامية والمزايدات
من هنا وهناك ) فان توسع انتشار تلك الجماعات لم يواجه بردود أفعال مناقضة من جانب
الدولة التركية التي كان بمقدورها ( سياسيا وعسكريا وعمليا ) الحد منها على الأقل
أو عرقلتها ان لم يكن وقفها مع الأخذ بعين الاعتبار توفر عوامل أخرى ولاعبين آخرين
مثل النظام السوري وايران وروسيا وفصائل المعارضة السورية وقوى الثورة حيث نتائج
الصراع لم تحسم بعد بانتظار ماسيؤول اليه الوضع على ضوء ماستتمخض عنه المفاوضات بين
الغرب وايران والصفقات الاقليمية الجانبية المرتقبة خصوصا بين تركيا من جهة وايران
والعراق من الجهة الثانية والحالة في اليمن ومآلات القضية السورية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…