علي جزيري
كان القمع- في سوريا ما قبل الثورة- ينتظر كل
مَنْ يتفوّه ببنت شفة، قد تندرّج في سياق نقد الطقس السياسي، فالمواطن كائناً من
كان، يُقْذَف بتُهَم ما أنزل الله بها من سلطان ما لم يثبت براءته؛ والبراءة هذه
كانت عرضة للسقوط في أية لحظة، ما لم تُجَدّد باستمرار من خلال إعلان الولاء الدائم
للنظام. وهاهي المنافي اليوم تعجُّ بالسُّوريين النازحين فرادى وجماعات، مكرهين أو
على مضض، هرباً من الطغيان الذي أحال البلد إلى جحيم، ناهيك عن القوى التكفيرية
التي تؤجّجُ النّار بالوكالة كي تحرق الأخضر واليابس.
مَنْ يتفوّه ببنت شفة، قد تندرّج في سياق نقد الطقس السياسي، فالمواطن كائناً من
كان، يُقْذَف بتُهَم ما أنزل الله بها من سلطان ما لم يثبت براءته؛ والبراءة هذه
كانت عرضة للسقوط في أية لحظة، ما لم تُجَدّد باستمرار من خلال إعلان الولاء الدائم
للنظام. وهاهي المنافي اليوم تعجُّ بالسُّوريين النازحين فرادى وجماعات، مكرهين أو
على مضض، هرباً من الطغيان الذي أحال البلد إلى جحيم، ناهيك عن القوى التكفيرية
التي تؤجّجُ النّار بالوكالة كي تحرق الأخضر واليابس.
هذا هو السبب الرئيس في النزيف الذي تشهده سوريا، أما السبب الآخر، فيكمن في النهج
الاقتصادي الذي اتّبعه النظام منذ عقود، أعني السياسة الاقتصادية المجحفة التي تقوم
على تفقير الناس واملاقهم اقتصادياً، عبر حرمانهم من فُرَص العمل والاستغلال الفاحش
والفساد المستشري وفرض الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهلهم، على شاكلة أهالي قرية
(برازوف) الذين اشتكوا ذات يوم من الأتاوات التي أرهقتهم إلى الحد الذي لم يبقَ
لديهم ما يأكلونه، فجمعهم آمرها (دراكيولا) في الكنيسة، ثم أشعل فيها النار مقتدياً
بنيرون الذي أحرق روما، وحين أكلتهم النيران، قال: هذا أفضل حل لمشكلة الفقر..!….
فذكّرنا بقول أحدهم:
الاقتصادي الذي اتّبعه النظام منذ عقود، أعني السياسة الاقتصادية المجحفة التي تقوم
على تفقير الناس واملاقهم اقتصادياً، عبر حرمانهم من فُرَص العمل والاستغلال الفاحش
والفساد المستشري وفرض الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهلهم، على شاكلة أهالي قرية
(برازوف) الذين اشتكوا ذات يوم من الأتاوات التي أرهقتهم إلى الحد الذي لم يبقَ
لديهم ما يأكلونه، فجمعهم آمرها (دراكيولا) في الكنيسة، ثم أشعل فيها النار مقتدياً
بنيرون الذي أحرق روما، وحين أكلتهم النيران، قال: هذا أفضل حل لمشكلة الفقر..!….
فذكّرنا بقول أحدهم:
سأحرمكم حتى يذلَّ صعابكم وأبلغ شيء في صلاحكم
الفقر
الفقر
وغدا المُهَجَّرون السوريون عامة، بمن فيهم الكُورد، كمَنْ
يتّقي الرمضاء بالنار، لأن الدولة المضيفة تنظر إليهم كرهائن، وتلجأ إلى ترويضهم في
إصلاحيات، تشبه تلك التي أقامها “مكارنكو” ذات يوم في الاتحاد السوفييتي؛ وتزداد
قساوة المنفى، حين يتوجب على المُهَجَّر تعلم لغة أهل المِهْجَر في سنٍّ متأخّرة من
أجل التواصل مع الآخرين أو للتعبير عن أحاسيسه وخوالجه التي تقتضي الضرورة توليفها
وفقاً لواقعهم الجديد. ومن المفيد قوله إن الانسان لا يختار المنفى إلا بعد أن تضيق
به السبل في بلد يُخيم عليه الجنون والانسداد السياسي، وفي ظل نظام شمولي يُحصي
عليه الأوكسجين الذي يستهلكه، بيد أن المعاناة تبدأ فور ترهين المهاجر نفسه للمافيا
التي تقوم بابتزازه في دول العبور، مثلهم في ذلك كمثل الفلسطينيين الذين صورهم غسان
كنفاني في رائعته “رجال تحت الشمس”، حيث يُحْشَرون في الصهاريج التي تُسَدُّ
فوهاتها بإحكام في النقاط الحدودية، في ظل حرارة الصيف اللاهبة في الصحراء، وحين
تطول إجراءات البوليس الروتينية، يختنقون لانتفاء الأوكسجين.
يتّقي الرمضاء بالنار، لأن الدولة المضيفة تنظر إليهم كرهائن، وتلجأ إلى ترويضهم في
إصلاحيات، تشبه تلك التي أقامها “مكارنكو” ذات يوم في الاتحاد السوفييتي؛ وتزداد
قساوة المنفى، حين يتوجب على المُهَجَّر تعلم لغة أهل المِهْجَر في سنٍّ متأخّرة من
أجل التواصل مع الآخرين أو للتعبير عن أحاسيسه وخوالجه التي تقتضي الضرورة توليفها
وفقاً لواقعهم الجديد. ومن المفيد قوله إن الانسان لا يختار المنفى إلا بعد أن تضيق
به السبل في بلد يُخيم عليه الجنون والانسداد السياسي، وفي ظل نظام شمولي يُحصي
عليه الأوكسجين الذي يستهلكه، بيد أن المعاناة تبدأ فور ترهين المهاجر نفسه للمافيا
التي تقوم بابتزازه في دول العبور، مثلهم في ذلك كمثل الفلسطينيين الذين صورهم غسان
كنفاني في رائعته “رجال تحت الشمس”، حيث يُحْشَرون في الصهاريج التي تُسَدُّ
فوهاتها بإحكام في النقاط الحدودية، في ظل حرارة الصيف اللاهبة في الصحراء، وحين
تطول إجراءات البوليس الروتينية، يختنقون لانتفاء الأوكسجين.
أجل، هذه هي
مأساة السوريين، فالموت لهم بالمرصاد، فإما أن يموتوا برصاصة جندي تركي، أو يفارقوا
الحياة في قرّ الشتاء وزمهريره، هناك في أحراج بلغاريا (عبد الله حسين/ابن ضيعتي)،
أو يغرقون في بحر إيجة (بسام حسن/صديق ابني، وشقيقه الذي رافقه كي يُعالجه هناك في
أوروبا من السرطان الذي ألمّ به)، أو تسحق جمجمته لبنة اسمنتية هوت من علٍ(آراس
أحمد/ لجأ إلى آمد ليعالج زوجته المصابة بالسرطان، والذي تربطني به صلة قرابة من
جهة الأب)…الخ. هذا غيض من فيض، ومَنْ يحالفه الحظ ويبتسم له، يتمكن من الوصول
إلى بر(الأمان) أخيراً، بعد رحلة عناء، يكون قد أنفق فيها ما جمعه طيلة حياته.
مأساة السوريين، فالموت لهم بالمرصاد، فإما أن يموتوا برصاصة جندي تركي، أو يفارقوا
الحياة في قرّ الشتاء وزمهريره، هناك في أحراج بلغاريا (عبد الله حسين/ابن ضيعتي)،
أو يغرقون في بحر إيجة (بسام حسن/صديق ابني، وشقيقه الذي رافقه كي يُعالجه هناك في
أوروبا من السرطان الذي ألمّ به)، أو تسحق جمجمته لبنة اسمنتية هوت من علٍ(آراس
أحمد/ لجأ إلى آمد ليعالج زوجته المصابة بالسرطان، والذي تربطني به صلة قرابة من
جهة الأب)…الخ. هذا غيض من فيض، ومَنْ يحالفه الحظ ويبتسم له، يتمكن من الوصول
إلى بر(الأمان) أخيراً، بعد رحلة عناء، يكون قد أنفق فيها ما جمعه طيلة حياته.
أما الباقون من أمثالنا الغَلابة – على حدِّ قول المصريين – في بلاد
“قمعستان”، فقد سبق أن أعلن (نزار قباني) من أجلهم العصيان، بعد أن رآهم يذبحون
كالقطعان، أو تقتلع حناجرهم(على غرار حنجرة ابراهيم قاشوش/منشد الثورة السورية)
ويُسْحَقون كالديدان. فهل تعرفون الآن من أنا؟… أستميحكم العذر إن استعرت من
نزار:(مواطنٌ يسكنُ في دولة قمعستان، مواطنٌ يحلمُ في يوم من الأيام، أن يصير في
مرتبة الحيوان…!).
“قمعستان”، فقد سبق أن أعلن (نزار قباني) من أجلهم العصيان، بعد أن رآهم يذبحون
كالقطعان، أو تقتلع حناجرهم(على غرار حنجرة ابراهيم قاشوش/منشد الثورة السورية)
ويُسْحَقون كالديدان. فهل تعرفون الآن من أنا؟… أستميحكم العذر إن استعرت من
نزار:(مواطنٌ يسكنُ في دولة قمعستان، مواطنٌ يحلمُ في يوم من الأيام، أن يصير في
مرتبة الحيوان…!).
* جريدة كوردستان