آلدار خليل: شيء من الإعجاب وشيء من الإضراب

ابراهيم محمود

تابعتُ آلدار خليل ” القيادي في حزب pyd “،
البارحة مساءً على قناة ” العربية ” قبيل منتصف الليل، ضمن ” آخر ساعة ” في حديث
حواري معه، عن مجريات أحداث ” جغرافيّة “Girê sipî :تل أبيض ” على صعيد المعارك
المفتوحة، وتلك الانتصارات الكردية اللافتة  هناك، لا يمكن تجاهل فصاحة لغته
العربية ” بجلاء وهو كردي ” إلى مقدم البرنامج ” الداهية ” في قناة يتابعها
الملايين من العرب طبعاً، دون تلكؤ، دون تأتاة، دون أي انعطاف على ” لسان عوج “،
وهي الميزة غير المشرّفة لأغلبية ساسة الأحزاب الكردية في روجآفا، وأعتقد أن ظهور
كردي بالطريقة هذه، ويراه كما يسمعه ملايين الناطقين بالضاد، كما أسلفت “، يشدد على
حيوية الكردي وسرعة بداهته بالتوازي مع المحقّق على الأرض: فالنصر الجغرافي موازى
باللغوي.
المذيع العربي كان يتابعه، وهو يختصر في أجوبته، وبملامح تتناسب والوضع، وتلك سيماء
أخرى تجمع بين فاعلية اللغة وانسيابيتها والذخيرة اللغوية وما يُنتقى منها
وتلفُّظها. إنها شارة تستدعي التركيز عليها: في الإيجاز والمجاز والإيعاز، ولا بد
أن كرداً لنا، وما أكثرهم، كانوا يتابعونه، لا بد أن ساسة كرداً كانوا يتابعونه ”
وأضطر إلى استخدام مفردة ” الساسة ” من باب التعريف لا التوصيف، كون السياسة ترتبط
بالمقدرة على تمثيلها اللغوي بالمقابل “،لا بد أنهم كانوا يتحسسون، وبأكثر من معنى،
ألسنتهم، وداء التأتأة والتلكؤ، والتعثر اللغوي، والفأفأة والحأحأة والنأنأة…الخ،
لعجزهم المزمن عن تحسين أدائهم اللغوي اليومي وغيره، لأنهم من حيث النشأة ”
السياسية ” لم يعدّوا أنفسهم كما هي متطلبات السياسة، وتحديداً حين يكون الكردي في
محفل مرئي ومتلفز، وفي وسط متابع بالعربية وغيرها، وكل حركة، كل نأمة، كل مفردة
متهجاة تقيَّم، وهذا له اعتباره التربوي والاجتماعي والحزبي والكردي عموماً. وأن
إبدي إعجابي بالسيد آلدار خليل، فليس لأنه ” پيَداوي “، ويكون لإعجابي مرتَكز
إيديولوجي مدائحي، إنما لأن التمكن اللغوي يندرج في نطاق الإخلاص المهني والوظيفي،
فما بالك إذا كان ذلك مرتبطاً بسجل أمَّة، شعب، قضية، وما يترتب عليها من تعزيز
للتفاعل والتواصل، وحتى إعلام الآخر: من بني الضاد، بما وبمن يقابله، وهو يناظره
بلغته وهيبة الموقف، وكنت سأكتب بالصيغة هذه عن أي كان خلافه .
سوى أن هذا
الإعجاب الذي يترجم بؤساً، حالةَ ندرة في إتقان لغة الآخر كردياً، يقابل بتحفظ، وما
أثرته عنوانياً بـ” الإضراب ” تجاه الجاري، إذ إن استخدام مفردات، أو جمل من نوع ”
ديمواقراطية للشعب السوري ” أو ” وحدة سوريا “، أو ” قضية سوريا ” رغم ما فيها من
مثالية تستدعي التأمل لبعض الوقت، تثير حفيظة لغوية وما بعد لغوية، جرّاء هذا
الانتشار/ الانسياح الكردي، وتجنب مفردة” الكردي، الكردية ” ما أمكن ” في وضع غير
آمن جغرافياً، وتجاهل الكردي من قبل مجاوره ومعايِشه لعقود زمنية طويلة، لأن تقديم
كشف حساب لمن يرى نفسه سيداً” على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة “، والكردي لم ”
يعتَق ” بعد، استمراراً لعقدة السيد ووهم السيطرة وتمثيل ” المستعبَد “، لا يكون
مغرياً، أو محقّقاً لذلك النصاب القانوني الذي يحفّز الآخر على الجلوس والتحاور
ندياً، وكل الخشية أن يستمر هذا ” الماء ” الكردي والمتدفق في الجهات الروجآفية
الثلاث ” وهو دم قان وحيوي “، في صحراء ملغمة، سديمية المناخ، يأبى من يعتبرون
أنفسهم أهليها ” حتى الذين يسمّون أنفسهم ثواراً من حيث الدقة “، التروي وتقدير
النتائج الكارثية إزاء هذا الاستمرار في القتل وترويع الآخرين وتجريد المكان من
أهليه، وتنمية الخلافات…الخ “، ولن يكفي هذا الماء الكردي حتى بجموعه المليونية
لتهدئة عطش هذه الصحراء ” المعربة “، أو الجغرافيا الملتهبة، وفي عمل انتحاري
ونهاية مأسوية لا تبقي للماء أثراً.
نعم، أنا مع آلدار خليل، وكل من يتحدث
بطريقته، حتى في المرجعية العلية حزبياً، أن بعض المثاليات لها وجاهتها ونباهتها،
وتستحق التشديد عليها، في أعمال بطولية لافتة ” والكرد في جهاتهم الكردستانية
المختلفة اجترحوا معجزات مقارنة بالجوار وفي ضوء المتاح، لكن مثاليات على هذه
الشاكلة، وفي وضعها الراهن، لا تخفي متاهة التحرك، وهول المختَتم، وعدم وجود
الناعي، إذ لا يعود للكردي من وجود شخصي كردي حينها. نعم، أنا لا أعدِم المنشَط
السياسي والحزبي بالنسبة لآلدار خليل وحزبه، وأنا معني به مهما ادعيت استقلالية،
كما الكتابة هنا، أو جدواه، إنما أشدّد على مخاوف أراها مشروعة تستحق التسمية
والمراعاة، احتكاماً إلى تاريخ يعلّم وجغرافيا تنبّه إلى المتردد هنا وهناك، وحتى
لا تصبح البطولات الكردية المعتبَرة رصيداً للذين يتابعونها لأهداف تبقي ” السيد ”
سيداً، و” المستعبَد ” مستعبداً ..!
دهوك 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   لطالما كان الكرد جزءًا لا يتجزأ من النسيج السوري، حيث ساهموا بفعالية في مختلف مفاصل الدولة منذ تأسيسها، فقد تقلد العديد منهم مناصب رفيعة، بما في ذلك الرئاسة، ورئاسة الحكومة، الوزارات، رئاسة الأركان التي كان أول من تولاها كردي، حتى صعود التيارات القوموية العروبوية الناصرية والبعثية، التي سعت إلى تهميش الكرد وتذويب هويتهم. ورغم ظروف القمع، لم…

كفاح محمود   ربما كانت الإذاعة الألمانية في عهد زعيم ألمانيا النازية، أدولف هتلر، هي النموذج الأول للضجيج الإعلامي وصناعة الأوهام، من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح الرأي العام، حيث تبلورت تلك الصناعة في مقولة وزير الدعاية النازية، جوزيف غوبلز: «اكذب حتى تصدق نفسك.» ومنذ ذلك الحين، تكاثرت «إذاعة برلين» في عواصم الشرق الأوسط، إذ وجدت بيضها مفرّخًا في شتى…

يُجدّد تيار مستقبل كردستان سوريا تهنئته لأبناء شعبنا الكردي في سوريا والعالم ، وشعوب المنطقة كافةً، بمناسبة حلول عيد نوروز المجيد، رمز التجدّد والحرية والانبعاث . لقد شهد نوروز هذا العام (٢٠٢٥ /٢٧٢٥ ك) زخماً احتفالياً استثنائياً، تجلّى في مشاركة واسعة شملت مدناً سورية عديدةً ، من دمشق وحلب واللاذقية والسويداء وحماة، إلى المدن الكردية مثل عفرين وكوباني وديريك، في…

ابراهيم محمود* تعتمد هذه الشعوب وجماعاتها المختلفة إثنيات وعقائدَ وعوالم جغرافية، على نقطة إسناد، هي في مقام نخاعها الشوكي، في كيل المديح لها، ورفْعها بأكثر من معنى في مقام “التقديس”، أو ما يكون فطرياً لديها. التاريخ صنيعٌ إنساني، وصانُعه بالمقابل. أن يكون صنيعَه، ذلك يُدخِله في حكْم البداهة. أما أن يكون صانَعه، فهنا “حطَّ الجمال”، إذ يبدأ الاختلاف والتنوع وحتى…