نحنحات الانتصار

فرمان صالح بونجق

لم أشأ أن أرفع صوتي كما فعل
الكثيرون من بني جلدتي ، إبّان تجاوز عقبة 10% في الانتخابات التركية ، وأشدد هنا
على مصطلح ” الانتخابات التركية ” ، فقد اعتادت الغالبية العظمى من الكورد على
اجترار ثقافة الخطاب العاطفي ، ولم تعتد تبني ثقافة الخطاب العقلاني ، بمعنىً آخر
ثقافة التحليل المنطقي ، المبني على متواليات معقولة في الحد الأدنى ، وارتفعت
الأصوات مهللة لهذا الانتصار التاريخي ، وكان جزءٌ من هذه الأصوات ، يمثل النخبتين
السياسية والثقافية أيضاً ، بينما بقيَ قليلون وأنا من بينهم ، نقرأ الحدث بهدوء ،
منتظرين أن تنقشع الغمامة ، وها هي قد انقشعت .
نقطتان هامتان تنبغي الإشارة إليهما ، فأمّا الأولى ، فتتعلق بالمشهد السياسي
التركي قبيل الانتخابات البرلمانية ، والتي تحالفت في جزءٍ منها قوى اليسار التركي
، بما فيها ذوو التوجه الماركسي ، مع حزب الشعوب الديمقراطي ، توازياً مع تحالفات
مذهبية طائفية ، ليست بخافيةٍ على المتتبع ، كان من شأنها تجاوز عقبة الـ 10% ، وتم
تصوير ذلك من قبل البسطاء على أنه انتصار للقوى القومية الكوردية ، بل سادت قناعات
على مستوى الشارع الكوردستاني ، يبشّر بنهوض العملاق الكوردي في تركيا ، والذي
يرتكز أساساً على القنبلة البشرية ، 25 مليون كوردي !!.
وأما النقطة الثانية ،
والتي تحتل المكانة الأكثر أهمية ، من حيث نتائج الانتخابات البرلمانية تلك ، ألا
وهي ما يبرز إلى السطح ، كنتيجة حتمية لتلك التحالفات السياسية والمذهبية ، والتي
لا يمكن إخفاؤها طويلاً ، ومنها على سبيل المثال ، لا الحصر ، مقابلات وتصريحات
عديدة للمرشحين عن حزب الشعوب الديمقراطي ، والذين وصلوا إلى البرلمان التركي ، وهي
كثيرة للغاية في هذه الأيام ، وفي مقدمتها ، وعل رأسها تصريح السيد دميرتاش لقناة
المنار اللبنانية مؤخراً ، والذي كشف فيه دميرتاش عن الحقيقة كاملة ، وأعادنا إلى
مطلع الثمانينات من القرن الماضي ، حيث كانت مفاهيم المقاومة والممانعة سائدةً
آنذاك وبقوة . وباعتقادي بأن المشروع الذي تم تأسيس حزب العمال الكوردستاني من أجله
، بل من أجل أن يكون حلقةً فاعلةً ورئيسية في ملكوته ، لايزال مستمراً ، وهذه
الكمشة من الأحزاب هنا وهناك ، لا تزال تمثل ذاك التوجه ، وتعمل من أجله ، وهي لا
تزال تدفع أثماناً باهظة من دماء ومعاناة الكورد لتحقيقه ، وليس حزب الشعوب
الديمقراطي سوى جزء من هذه الكمشة .
وفي هذا المنحى أيضاً ، وما يثير قلقي ،
تصريح مقتضب للسيد دميرتاش ، أعربَ فيه أن عبد الله أوجلان هو الوحيد القادر على
التحكم بمسيرة السلام ، وهذا التصريح لا يشي بل يشير وبوضوح على ارتهان حزبه لإرادة
قنديل ، ومجلس الحرب هناك ، وبالتالي فإن من الضرورة بمكان أن شهر العسل بين
الأحزاب المتحالفة لتجاوز عقبة 10% ، سيكون قصيراً جداً ، وبالتالي قد تحدث
اصطفافات جديدة ، وهي مرهونة بعامل الوقت ، لأننا لازلنا في مرحلة نحنحات الانتصار
.
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…