الأكراد بين كمال أتاتورك ورجب طيب أردوغان… من 1920 إلى 2015

هوشنك أوسي 

المفاجأة الكبرى في الانتخابات
الاشتراعيّة التركيّة يوم 7/6/2015، لم تكن في الانتكاسة التي مني بها حزب «العدالة
والتنمية» الإسلامي الحاكم، ولا في مراوحة المعارضة القوميّة والأتاتوركيّة مكانها
تقريباً، بل في صعود نجم حزب «الشعوب الديمقراطي» (HDP)، بوصفه الواجهة السياسيّة
لحزب «العمال الكردستاني» بزعامة عبدالله أوجلان. ذلك أن حزب (HDP) لم يكتفِ بتجاوز
حاجز العشرة في المئة لدخول البرلمان، بل حصل على 13 نقطة، متجاوزاً استطلاعات كانت
تشير إلى احتمال حصوله على 10 إلى 11 نقطة. حتى قيادات «الكردستاني» لم يكونوا
يتوقّعون تحقيق هذه النسبة، ومما لا شكّ فيه، أن الكثير من التحليلات ستتناول
الحدث، وتقلّب الأمر على أوجهه، وتقرأه من زوايا عدّة، بينما يبق السؤال: ما هي
حكاية الأكراد والبرلمان التركي؟.
البداية
بعد هجرة الموجات التركيّة الأولى من آسيا الوسطى،
واستقرارها في الأناضول، لعب الكرد دوراً مهمّاً واستراتيجيّاً في نجاح الأتراك
السلاجقة وانتصارهم على البيزنطيين، بخاصة في معركة «ملاذكرد» عام 1071، وفي انتصار
العثمانيين على الصفويين في معركة «تشالدران» عام 1514. كما كان لهم الدور البارز
في دعم مساعي مصطفى كمال أتاتورك في صراعه مع حكومة إسطنبول بقيادة السلطان محمد
السادس (1861-1926)، وشاركوا في حرب الاستقلال وتأسيس الجمهوريّة، عبر تأسيس أوّل
برلمان لها. فصحيح أن الحياة البرلمانية في تركيا تعود إلى عام 1877، حين تم
الإعلان عنها في قصر «دولما باخشه» باسطنبول يوم 19 آذار (مارس) من العام نفسه،
إلاّ أن البرلمان التركي الحالي، تأسس في أنقرة، يوم 23/4/1920، حين كانت تعصف
بتركيا أزمات كبرى وعميقة، ليس أقلّها شأناً:
1 – وجود البلد تحت احتلال دول
الحلفاء، ومقاومة الأتراك لهذا الاحتلال، بقيادة مصطفى كمال.
2 – حالة الشقاق
والصراع والتخوين المتبادل بين حكومة أنقرة، بقيادة مصطفى كمال، وحكومة إسطنبول
بقيادة السلطان محمد السادس والصدر الأعظم، كما أسلفنا.
3 – مخاطر التقسيم
الثاني الذي يتهدد تركيا، بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالميّة الأولى. ذلك أنه
لم تكد تمضي أربعة أشهر على تأسيس البرلمان، حتّى وقّعت حكومة إسطنبول على اتفاقية
«سيفر» التي تجيز منح الكرد والأرمن حق الانفصال عن السلطنة، بعد مرحلة انتقالية
وجيزة. من دون نسيان أن اتفاقيّة «سايكس – بيكو» عام 1916 كانت التقسيم الأول الذي
تعرّضت له السلطنة العثمانيّة.
بالمحصّلة، انتخب برلمان أنقرة مصطفى كمال
أتاتورك رئيساً له في 24/4/1920، وبقي في هذا المنصب لحين استلامه رئاسة الجمهوريّة
في 29/10/1923.
وبخصوص محاولات أتاتورك والسلطان العثماني استمالة الأكراد، يشير
د. إبراهيم الداقوقي في كتابه «أكراد تركيا» (دار المدى للثقافة والنشر – 2003) إلى
أن حكومة إسطنبول أمرت بتشكيل هيئة وزاريّة لدراسة القضيّة الكرديّة، مؤلّفة من شيخ
الإسلام حيدري زاده إبراهيم افندي، عيوق باشا وزير الأشغال، عوني باشا وزير
البحريّة، الأمير علي بدرخان عضو جمعيّة تعالي كردستان، من أعضاء مجلس الأعيان
(البرلمان). واتفقت الهيئة على:
1 ـ منح كردستان الاستقلال الذاتي، شريطة قبول
الكرد البقاء في الدولة العثمانيّة.
2 ـ اتخاذ التدابير الفعالة لإعلان هذا
الاستقلال والشروع في تنفيذ مقتضاه حالاً.
و»استطاع مصطفى كمال إبعاد الأكراد عن
دعم حكومة إسطنبول وقطع لهم الوعود الكثيرة بإعطائهم الاستقلال، إن هم ساعدوه في
التخلّص من الأعداء. وبيّن للأكراد لزوم «إرجاء القضيّة الكرديّة إلى أن يطهّر
البلاد من الأعداء… قاطعاً لهم الوعود الصريحة باعتراف تركيا للأكراد بالاستقلال،
بمساحة أوسع من التي وردت في معاهدة سيفر. ووثق الكثير من زعماء الأكراد بمصطفى
كمال، لأنه كان يتكلم باسم الدين والوحدة الوطنية» بحسب الداقوقي.
انقسم الكرد
إلى فريقين. الأول: يؤيد التعاون مع مصطفى كمال، وإرجاء مسألة الحقوق القوميّة
الكرديّة. والثاني: رفض التعاون معه ودعا للاتصال بالحلفاء للحصول على الحقوق
القوميّة. وعلى رأسهم جمعيّة تعالي كردستان وعائلة بدرخان باشا. شارك الفريق الأول
في مؤتمر «سيواس» المنعقد في 4 إلى 12/09/1919 الذي دعا إليه مصطفى كمال مع وفد
لممثلين عن (جمعية الدفاع عن حقوق الولايات الشرقيّة) الكرديّة، هم؛ مصطفى كمال،
رؤوف بيك، العالم الديني رائف أفندي الكردي، الشيخ فوزي افندي الكردي، الشيخ سامي
بيك.
انتخب مصطفى كمال بمساعدة ومساندة المندوبين الكرد رئيساً، مع معارضة
آخرين!. وانتخب المؤتمر تسعة أعضاء جدد للهيئة التأسيسيّة، هم الذين وضعوا مبادئ
الميثاق الوطني وايديولوجيّة الدولة الجديدة واتجاهاتها السياسيّة والاجتماعيّة. مع
اتخاذ العديد من القرارات منها إرجاء القضيّة الكرديّة إلى ما بعد التحرير. وتغيير
اسم (جمعيّة الدفاع عن حقوق الولايات الشرقيّة) الكرديّة إلى (جمعية الدفاع عن حقوق
الأناضول وبلاد الروم). ومعارضة كافة أشكال الدويلات التي تحاول دول الائتلاف
إقامتها.
وينقل الداقوقي عن الباحث الكردي محمد أمين زكي قوله: «عندما انعقد
المجلس الوطني التركي في انقرة 1920، كان فيه 72 نائباً يمثلون كردستان، هم الذين
تعاونوا مع مصطفى كمال، وأبرقوا إلى الحلفاء بانهم لا يرغبون في الانفصال عن
الأتراك».
 

معاهدة سيفر

بعد هزيمة العثمانيين في الحرب
العالميّة الأولى، وفي إطار الحفاظ على السلطة وقطع الطريق على حكومة مصطفى كمال في
أنقرة، وبالتوازي مع مساعي استمالة الأقليّات القوميّة في السلطنة بخاصّة الكرد
والأرمن، وكنوع من تبرئة الذمّة من مذابح الأرمن، وقّعت حكومة إسطنبول برئاسة علي
رضا باشا يوم 10/08/1920 على معاهدة «سيفر» والتي نصّت على الاعتراف بأرمينيا،
والعراق وسورية تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني.
كما نصّت البنود 62، 63، 64 من
الفقرة الثالثة على منح المناطق الكرديّة الحكم الذاتي، واحتمال حصول كردستان على
الاستقلال، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان، طبقاً للبند 62. ونصّ
البند 64 من الاتفاقيّة على التالي: «في غضون سنة واحدة من هذا التاريخ، إذا ظهر
الشعب الكردي القاطن ضمن المناطق المحددة في المادة 62، أن اغلبيّة سكان تلك
المناطق ترغب في الاستقلال عن تركيا، واذا رأى المجلس (مجلس عصبة الأمم) أن هؤلاء
جديرون بهذا الاستقلال، وإذا أوصى بأن تمنح لهم، فعلى تركيا أن توافق على تنفيذ مثل
هذه التوصية، وان تتنازل عن كل حقوقها وامتيازاتها في تلك المناطق».
رفضت حكومة
أنقرة هذه المعاهدة، واعتبرتها إذلالاً للسلطنة وظلماً بحقّها، وتخاذلاً من حكومة
إسطنبول والسلطان، وان الفريق الحاكم في إسطنبول قد خان الوطن. ففي 30/10/1922 قدّم
مصطفى كمال مشروع قرار إلى البرلمان يطالب فيه بإلغاء السلطنة ويتهم السلطان
بالخيانة العظمى. ووافق البرلمان على ذلك في 01/11/1922 بفصل السلطنة عن الخلافة
وإلغاء الأولى!.
نجحت حكومة أنقرة في إقناع الأكراد بإرجاء مطالبهم القوميّة،
عبر قطع الوعود لهم، فأرسل مصطفى كمال وفداً إلى مؤتمر لوزان، برئاسة صديقه عصمت
إينونو (1884 – 1973). وأثناء تواجد الوفد هناك، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد
في البرلمان (72 برلماني)، الرد على الاستفسار، الذي وصله من إينونو (كردي الأصل)،
في مؤتمر لوزان، حول رغبة الأكراد في البقاء ضمن الدولة التركيّة الجديدة. فردّ
النائب الكردي عن محافظة «أرضروم» جنوب شرقي تركيا، حسين عوني بيك، قائلاً: «إن هذه
البلاد هي للأكراد والأتراك. وإن حقّ التحدّث من هذه المنصّة (البرلمان)، هو
للأُمتَين، الكرديّة والتركيّة». وأيده النواب الكرد في البرلمان. وبموجبه، أعلن
إينونو في مؤتمر لوزان، أن «تركيا هي للشعبَين، التركي والكردي، المتساويَين أمام
الدولة، ويتمتعان بحقوق قوميّة متساوية».
وحين وجد المشاركون، أن الأكراد، لا
يريدون الانفصال عن تركيا، وأن الأخيرة وعدت بتلبية مطالبهم القوميّة، وافقوا على
غض النظر عن أي فكرة لاستقلال كردستان، وحذفوا ذكر الأكراد من وثائق المؤتمر. وتمّ
التوقيع على معاهدة لوزان بين الحلفاء وحكومة أنقرة في 24/07/1923.
وبعد إعلان
مصطفى كمال – أتاتورك ولادة الجمهوريّة التركيّة في 29/10/1923، وضمانه دعم الغرب
والقوى العظمى، وتغاضيها عن مذابح الأرمن وحقوق الأكراد، بدأ أتاتورك التنصّل مما
جاء في معاهدة لوزان أيضاً، ووعوده للكرد. وبدأت مرحلة مريرة ومظلمة في حياة أكراد
تركيا. وكردّ فعل على «خيانة» أتاتورك لوعوده التي قطعها للكرد، اندلعت انتفاضة
الشيخ سعيد بيران، عام 1925، وساندها الأرمن والشركس والعرب والأشوريين في مناطق
جنوب شرقي تركيا. وانتهت هذه الانتفاضة بالسحق واعتقال الشيخ سعيد وإعدامه مع رفاقه
في 30/05/1925. ثم اندلعت انتفاضة جبل آغري، بقيادة الجنرال في الجيش العثماني،
إحسان نوري باشا (1893 – 1976) عام 1926 واستمرّت لغاية 1930. وأيضاً تمّ
سحقها.
ثمّ أتت انتفاضة الكرد العلويين في محافظة ديرسم، بقيادة سيد رضا، عام
1937 – 1938. وتمّ سحقها عبر استخدام الطيران. وكانت ابنة أتاتورك بالتبنّي، صبيحة
غوكتشن (أوّل أمرأة تقود طائرة حربيّة في تركيا والعالم. ويقال إنها من أصول
أرمنيّة، بحسب الكاتب التركي الأرمني الراحل هرانت دينك) هي التي تقصف مدينة ديرسم
بالقنابل. وراح في المجازر التي ارتكبت في سحق الانتفاضات الكرديّة عشرات الألوف من
الكرد، ومئات الألوف من المشرّدين والمهجّرين قسراً.
 

الأحزاب
الكردية

وحتى الآن، ترفض السلطات التركيّة الكشف عن وثيقة دستور عام
1921، التي شارك فيها 72 برلمانياً كردياً وقتذاك. حيث أجبر هؤلاء البرلمان على
الاعتراف بالكرد، كشريك في الوطن، ومنح المناطق الكرديّة الحكم الذاتي، وإقرار ذلك
ضمن الدستور. ذلك أن الكشف عن هذه الوثيقة، ستكون دليل إدانة للدولة وكل الحكومات
المتعاقبة، على سياسات الإنكار والصهر والتطهير العرقي التي مارستها بحق الكرد، تحت
شعار حماية وحدة الدولة، بينما مؤسس الجمهوريّة مصطفى كمال أتاتورك، اعترف بالكرد
ومنحهم الحكم الذاتي، لقاء دورهم في حرب التحرير والاستقلال!.
بعد مرور أربعة
أعوام على الانطلاقة المسلحّة لحزب «العمال الكردستاني» في 15/8/1984، تنبّه
الأخير، إلى أهميّة وجود عمل سياسي، موازٍ للبندقيّة الكرديّة. فتأسس حزب «العمل
الشعبي» (HEP) في 7/6/1990. وبحسب أدبيات «الكردستاني» وقتذاك، أن الدولة التركيّة،
هي من أسست هذا الحزب، ليكون بديلاً عن «الكردستاني»، ما دفع الأخير إلى إرسال
الموالين له إلى داخل (HEP) حتى سيطروا عليه تماماً، وأخرجوه من تحت وصاية الدولة.
دخل الحزب الوليد في تحالف مع حزب الاشتراكي الديمقراطي (SHP) برئاسة أردال إينونو
(1926-2007)، لخوض الانتخابات التشريعيّة سنة 1991، ونجح في حجز 17 مقعداً في
البرلمان التركي. وما زال العالم يذكر حادثة أداء البرلمانية الكرديّة ليلى زانا
القسم تحت قبّة البرلمان باللغة الكرديّة، وهي تضع على رأسها ألوان العلم الكردي،
وردود الأفعال العنصريّة التركيّة عليها، داخل وخارج البرلمان. انسحب البرلمانيون
الكرد من هذا الحزب، وشكّلوا حزباً جديداً باسم «الحزب الديمقراطي» (DEP) في
11/4/1993، قبل أن تقوم المحكمة الدستوريّة العليا بحلّ هذا «العمل الشعبي» (HEP)
في تموز 1993، بتهمة العلاقة مع «الكردستاني». ذلك أنه لو بقي البرلمانيون الكرد
ضمن (HEP)، لتم زجّهم في السجن، وحرموا من ممارسة العمل السياسي لمدّة 5 سنوات، بعد
إتمامهم المحكوميّة. وفي 3/3/1994، حظرت المحكمة الدستوريّة حزب (DEP) أيضاً، وفي
17/3/1994، اعتقلت السلطات التركيّة، أربع برلمانيين كرد هم؛ ليلى زانا، خطيب دجلة،
أورهان دوغان، سادات يورتاش، وحكمت عليهم بالسجن 10 سنوات. فيما لاذ بقيّة
البرلمانين الكرد بالفرار إلى خارج تركيا. ويعيش بعضهم في العاصمة البلجيكيّة
بروكسيل.
وفي 11/4/1994، شكّل «الكردستاني» حزباً جديداً باسم حزب «الشعب
الديمقراطي» (HADEP)، دخل الانتخابات البرلمانيّة التي أجريت صيف 1995، محققاً 4،16
نقطة، ولم يتجاوز عتبة العشرة في المئة، كي يدخل إلى البرلمان. وفي دورة عام 1999،
حقق 4،75، أيضاً لم يتجاوز الحاجز الانتخابي. بينما حصل في الانتخابات البلديّة
التي أجريت في العام نفسه على 37 بلدية، في المناطق الكردية، جنوب شرقي تركيا، وفي
مقدّمتها بلدية دياربكر (آمد) التي يعتبرها «الكردستاني» قلعته. وفي 13/3/2003،
حظرت المحكمة الدستورية هذا الحزب أيضاً، ومنعت زعيمه مراد بوزلاك، و46 شخصاً من
قياداته، من ممارسة العمل السياسي لخمس سنوات.
وعام 1997، تأسس حزب «الديمقراطي
الشعبي» (DEHAP)، كحزب رديف (احتياط) لـ(HADEP)، كما جرت العادة. لأنه حال منع
المحكمة الدستوريّة هذا الحزب، يقوم «الكردستاني» بتنشيط وتفعيل الحزب السياسي
(الاحتياط)، لئلا يتبدد التنظيم الجماهيري الموالي لـ»الكردستاني». وبالتالي، دخل
حزب (DEHAP) انتخابات 2002، وحقق 6،21 نقطة، ولم يتجاوز العتبة الانتخابيّة. وتم
حظر هذا الحزب، بقرار من المحكمة الدستوريّة عام 2005.
في 9/11/2005، تأسس حزب
«المجتمع الديمقراطي» (DTP)، واتخذ لنفسه نظام الرئاسة المشتركة بين رجل وامرأة،
تنفيذاً لأوامر عبدالله أوجلان، زعيم «الكردستاني» المعتقل في سجن إيمرالي منذ
1999. وعليه، ترأس الحزب كل من البرلمانيين أحمد تورك (كردي سني) وآيسال طوغلوك
(كردية علويّة). وشارك في الانتخابات البرلمانيّة التي أجريت صيف 2007، ليس كحزب،
بل داعماً لقائمة من المستقلّين، هم في الأصل، موالون له. وحصد 21 مقعداً في
البرلمان. سرعان ما انضم هؤلاء إلى حزب «المجتمع الديمقراطي»، لتشكيل كتلة
برلمانيّة. ذلك أن النظام الداخلي للبرلمان يجيز لأي حزب سياسي، يملك 20 معقداً،
تشكيل كتلة برلمانيّة. ما يفتح المجال أمام هذه الكتلة المشاركة في اللجان
البرلمانيّة، وحصول الحزب على الدعم من خزينة الدولة.
وصحيح أن دخول
«الكردستاني» الانتخابات كمستقلين، ثم تشكيله كتلة برلمانيّة، هو التفاف على حاجز
العشرة في المئة، إلاّ أن ذلك اعتبر نجاحاً ومكسباً سياسيّاً مهمّاً يُحسب
لـ»الكردستاني». لكن نشوة النصر، دفعت قيادة الحزب في جبال قنديل، إلى ارتكاب خطأ
فادح، حين قررت التخلّي عن إدارة (DTP) من وراء الكواليس، والتوجّه إلى الإدارة
المباشرة، وتنصب أحد كوادره الذي خرج من السجن؛ نور الدين دميرطاش المولود عام 1972
(شقيق صلاح الدين دميرطاش، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي حالياً) على رئاسة الحزب،
وتنحية البرلماني والسياسي الكردي المعتدل والمحنّك، احمد تورك عن الرئاسة. وذلك في
مؤتمر حزب (DTP) المنعقد في 9/11/2007، ما أثار غضب السلطات التركيّة على هذا
الحزب، وزعيمه الجديد الشاب، دميرطاش. فراجعت المخابرات التركيّة ملفه، لتجد ارتكاب
مخالفة قانونيّة، هي التهرّب من الخدمة الإلزامية، عبر تقديم تقرير طبي مزوّر.
واعتقلت نورالدين دميرطاش في 17/12/2007، واقتادته إلى السجن، حيث قضى سنة، ثم نقل
إلى الجيش لأداء الخدمة الالزاميّة. وبعد انتهائه منها، اختفى عن الأنظار، لترشح
أنباء عن وجوده في جبال قنديل.
نتيجة دعوات اوجلان المتكررة إلى توسيع نطاق حزب
(BDP) عبر التقليل من هويّته القوميّة الكرديّة، كي يستوعب ويحتضن مطالب باقي
مكوّنات الشعب التركي، من عرب، أرمن، سريان، لاز، مسلمين، مسيحيين، إيزديين، وكان
يصف هذا النموذج بـ»الحزب الشامل» أو «حزب المظلّة» أو «حزب السقف الوطني»، نتيجة
ذلك، تأسس حزب «الشعوب الديمقراطي» (Halklarn Demokratik Partisi – HDP) وذلك في
15/10/2012. ثم أنضمّ إليه حزب «السلام والديمقراطية» (BDP). بحيث أصبح أنموذج
الحزب الوطني المعبّر عن الهويّات القوميّة والاثنيّة، والتيارات اليساريّة
المعارضة لسياسات حزب «العدالة والتنمية» من جهة، ولأحزاب المعارضة التقليديّة
التركيّة، من قوميين وأتاتوركيين، من جهة ثانية.
المرحلة الشديدة التعقيد التي
أفرزتها نتائج هذه الانتخابات، والانتكاسة التي مني بها «العدالة والتنمية»، وحجم
التباينات العميقة بين الأخير وحزبي المعارضة «الحركة القومية» و»الشعب الجمهوري»،
تعزز فرص تشكيل حكومة ائتلافيّة تجمع «العدالة والتنمية» و»الشعوب الديمقراطي» ومن
خلفه «الكردستاني. فهل سينجح أردوغان، شأنه شأن أتاتورك، في ضمّ الكرد إلى جانبه،
بغية إحداث تغيير نوعي في البنية السياسيّة – الإداريةّ لتركيا؟. ذلك أن تحقيق
اردوغان حلمه في النظام الرئاسي، هو نفسه حلم أتاتورك في نسف اتفاق «سيفر» الذي دفع
ثمنه في إقرار دستور 1921. والسؤال الآخر: أتاتورك، و»أكراده»، الكتلة البرلمانية
الكردية الموالية له في البرلمان التركي وقتذاك، نجحوا في إقرار منح المناطق
الكردية الحكم الذاتي ضمن دستور 1921. فهل تمتلك الكتلة الكردية الموالية
لـ»الكردستاني» (80 معقداً في البرلمان التركي)، مشروعاً قومياً، يوازي ما نجح في
فرضه النوّاب الكرد عام 1921؟.
ختام القول: الأتراك مدينون للأكراد في تحقيق
انتصاراتهم وإنجازاتهم التاريخيّة الاستراتيجيّة، فهل آن أوان رد الدين؟. بمعنى
آخر، كما كان للسلطان سليم ياووز «أكراده»، ولأتاتورك «أكراده»، فهل يكون لأردوغان
«أكراده»، الذين سيحققون له حلم النظام الرئاسي (السلطاني)، بحيث يكون الثمن، أطلاق
سراح أوجلان، وإيجاد تسوية مقبولة للقضيّة الكردية، يحفظ ماء الوجه
للطرفين؟
 
* كاتب كردي – سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

رياض علي* نظرا للظروف التاريخية التي تمر بها سوريا في الوقت الحالي، وانتهاء حالة الظلم والاستبداد والقهر التي عاشها السوريون طوال العقود الماضية، وبهدف الحد من الانتهاكات التي ارتكبت باسم القانون وبأقلام بعض المحاكم، وبهدف وضع نهاية لتلك الانتهاكات، يتوجب على الإدارة التي ستتصدر المشهد وبغض النظر عن التسمية، أن تتخذ العديد من الإجراءات المستعجلة، اليوم وليس غداً، خاصة وان…

ادريس عمر كما هو معروف أن الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات بين الدول أو الأطراف المختلفة من خلال الحوار والتفاوض لتحقيق المصالح المشتركة وحل النزاعات بشكل سلمي. المطلوب من الكورد دبلوماسيا في سوريا الجديدة بعد سقوط طاغية دمشق بشار الأسد هو العمل على تأمين حقوقهم القومية بذكاء سياسي واستراتيجية دبلوماسية مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التوازنات…

نشرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المراسلين ، معلومات مغلوطة، بشأن موقف المجلس الوطني الكردي حول الحوار الكردي الكردي ، فإننا نؤكد الآتي : ١- ما ورد في المناشير المذكورة لا يمت للواقع بأي صلة ولا يعكس موقف المجلس الوطني الكردي . ٢- المجلس الوطني الكردي يعتبر بناء موقف كردي موحد خياراً استراتيجياً، ويعمل المجلس على تحقيق ذلك بما ينسجم…

إبراهيم اليوسف ليس خافياً أن سوريا ظلت تعيش، بسبب سياسات النظام، على صفيح ساخن من الاحتقان، ما ظل يهدد بانفجار اجتماعي واسع. هذا الاحتقان لم يولد مصادفة؛ بل كان نتيجة تراكمات طويلة من الظلم، القمع، وتهميش شرائح واسعة من المجتمع، إلى أن اشتعل أوار الثورة السورية التي عُوِّل عليها في إعادة سوريا إلى مسار التأسيس ما قبل جريمة الاستحواذ العنصري،…