رسالة إلى حزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)

خالص مسور
قدم حزب الوحدة في سوريا(يكيتي) مؤخراً مشروعاً وحدوياً ضافياً بالحلول والاقتراحات لسد الأبواب أمام المزيد من تشظي السياسة الكردية في مثل هذا الوقت الاستثنائي والحرج للغاية. لكن من المفيد القول، إنه لأمرمستحسن في الشأن الكردي، أن نطرح مشاريع هدفها لم الشمل والسير نحو تحقيق آفاق وحدوية تفضي إلى تحقيق المآرب والقضاء على الفرقة والتشتت الكردي المستدام، وأن نعقد ندوات للاستفادة من مشورة النخبة المثقفة واستطلاع آرائهم حول الأمور المستجدة على الساحة السياسية في روج آفا، ولكني أعتقد وبدون مواربة بأن الوقت ليس هو وقت طرح المشاريع التي استنفدت بالنسبة لنا ككرد واستهلكت، ولا وقت لعقد الندوات لمعرفة الآراء، لأن مشاريع السياسة الحزبية الكردية الوحدوية معروفة النتائج سلفاً وكما قيل فالحلال بين والحرام بين، ولا شك أن الأساب الموجبة للمشروع جاءت على أجندات نيات حسنة، وقد أتى خاصة بعد الهجمة الداعشية الأكثر من شرسة على المناطق الكردية، والغاية من الهجمة كما هو معروف مزدوج، وهي إبادة الكرد وتهجيرهم من أوطانهم بدون رحمة أو شفقة، مع العلم أننا ككرد لانطلب شفقة من أمثال هؤلاء الأجلاف والذين لايملكون منها ذرة أصلاً.
فالكل يعلم أن قاطعي الرؤوس الدواعش على الأبواب وهم يتلمظون أفواههم، وتسال لعابهم، آملين في التهام فريستهم مدفوعين من قبل جماعات أخرى مثيلتها، فظهور تنظيم داعش بهذه القوة في المنطقة كان موجهاً بالفعل لإبادة الكرد وارتكاب المجازر الجماعية بحقهم، وتهجيرهم وخنق تطلعاتهم القومية بعدما عجزت الدول الشوفينية أصحاب التكات ذات الرنة الموسيقية عن ذلك. وكلنا يعلم كيف تم تسليم مدينة الرقة إلى التنظيم ليتوجه بعدها نحو مناطق كرد روج آفا، وبمؤامرة من المالكي نحوالمناطق الكردية  الجنوبية لتحقيق ما عجز عنه الصداميون من تحقيقه من قتل وتهجير وتشريد. ويستنتج من هذا ودون تردد، بأننا ككرد نعيش اليوم في مفترق طرق مصيرية، ويتحتم علينا معها المقاومة والنضال ولا غيرهما وبكل ما أوتينا من قوة وجلد، بينما القوة والجلد لا يأتيان إلا بالوحدة والتضامن الكردي، بغض النظر عن حسابات المكاسب الشخصية أو الحزبية التي سيحصل أحدنا عليها، والوحدة والتكاتف تتطلبهما مصلحة شعبنا بالفعل فليس هناك وقت للانتظار أكثر مما انتظرنا. 
وما لفت نظري بخصوص المشروع الذي قدمه حزب(يكيتي) منذ أيام، هذا الحزب الذي أكن له كل التقدير والاحترام نظراً لتاريخه النضالي المعروف في سبيل الحقوق الكردية، وهو أن المشروع بدا بالنسبة لي متوازناً إلى حد ما، وفيه من الايجابي أكثر ما فيه من سلبي، ورغم إيجابية المشروع على الأكثر وأنه قصد به لملمة الشتات الكردي، إلا إنه وبالتأكيد ومن الناحية الاجرائية جاء مضيعة للوقت وفرصة أخرى للعدو ليوغل في جراحاتنا ويهدر دمنا وأوطاننا ليس إلا، وحسناً أن نحلم بمشاريعنا الوحدوية الأثيرة، وقد تمنيناها وحلمنا بها كثيراً، لكن ذهبت أحلامنا أداج الرياح ولم يكن ما تمنيناه سوى حلم في الكرى أو خلسة المختلس، وخاصة أن المشروع في بنده الأول الخاص بالكرد يقول: (يجب دعوة جميع القيادات الحزبية الكردية إلى الداخل وإطلاق الحوار البيني المكثف دون تلكؤ). 
وهنا تراود المرء خواطر بأن المشروع يدل على عدم استفادة الكرد من تجاربهم وتراكم خبراتهم السياسية الطويلة، وأن كل شيء عند الكرد يولد من جديد، فما الفائدة من الحوارات أيها السادة الأكارم بينما حبر حوارات دهوك وتبعاتها لم ينشف بعد؟ وكنت أتمنى أن نعلم أن الوقت ليس وقت المشاريع والمبادرات وتقاسم ما لا يقتسم، وقد أهدرنا الكثير من الوقت من أجلها، وما يلزمنا في هذا الوضع الاستثنائي هو حرق المراحل، نعم حرق المراحل ولا شيء غيرها، فهب أن داعشاً – لا سمح الله – قد اقتحم المناطق الكردية فأين ستفضي بنا حينها مشاريعنا ومبادراتنا؟ بل كان يجب أن نعلم مسبقاً وقبل أن نطرح أي مشروع، بأن لا أحد من القيادات الكردية في الخارج سيستجيب للمشروع بكل تأكيد، وهم أدرى بشؤون مصالحهم الشخصية والحزبية. فلو رأوهما في الداخل لدخلوا وتصالحوا مع تفدم وحينها سينتهي كل شيء.
ولكن ما أود قوله وأحسم موقفي كمراقب كردي وأقول: لقد مللنا المشاريع وطرحها دونما جدوى، وهي تهدر الكثير من الوقت والجهد، بل علينا بالمقابل أن ندخل باب الوحدة والتكاتف دون استئذان قبل أن يدخله داعش بالمجازر والذبح، واللجوء إلى اختصار الطريق ضمن  حلول اسعافية ورشيدة في آن، وهو أن يقوم حزب الوحدة كبادرة تاريخية منه بالإنضمام الفوري إلى الإدارة الذاتية الديموقراطية، على أن يكون له شخصيته المستقلة وحقوقه الكاملة في المشاركة في الإدارة، لكن دون المساس بوحدات الحماية حالياً وكما هو وارد في المشروع أيضاً، وقد يتفق على ترتيبات حولها لاحقاً. ولا أعتقد وفي حالة الانضمام ألا تستجاب لحقوق الحزب وأمثاله في حال الانضمام والمشاركة في الإدارة الذاتية، وبما هو مناسب لمصلحة هذا الشعب الذي ذاق الويلات من الدول الديكتاتورية أولاً ومن الخلافات البينية المزمنة ثانياً، ويقيناً بانضمام يكيتي وغيره سينشرح صدور قوم طالما عانى عذاب الذل، والقهر، والفرقة، والهوان. 
ومرة أخرى نذكر والذكرى تنفع الكرد، بأن العدو على الأبواب ولن تسعفنا الالتهاء بالمشاريع المعروفة النتائج مسبقاً، وهل نتوقع بسذاحة أن يهملنا العدو حتى صدور نتائج المشاورات والاتفاقيات التي نبرمها اليوم ونحلها غداً؟ إذ لنا تجارب مريرة مرارة العلقم مع مثل هذه المشاورات والمراهنات، والحق أقول، فقد أعجبني الكلام المعبر لمدير الندوة التي عقدها يكيتي مؤخراً في قامشلو حينما قال:( نعلم أن الوقت ليس في صالحنا ولكن سنعمل كل ما بوسعنا، مصلحة شعبنا هي بوصلتنا وهدفنا وليست الحزبايتي الضيقة). نعم مصلحة شعبنا ولا شيء آخر، ولكن أين محل هذا الكلام الجميل من التطبيق على أرض الواقع ياترى؟ فالوقت والظروف يمكن تجييرهما لصالحنا إن أحسنا استغلالهما، فلم يفت الأوان بعد، ولهذا فمصلحة الشعب الآن تتطلب نوعاً من الوحدة والتكاتف الفوري للجم وترحيل العدو المتربص بالأهل والديار، وما قلناه قد يشبه ما قاله عامل بني أمية على خراسان (نصر بن سيار) الذي أرسل إلى الخليفة الأموي يحذره من جموع أبي مسلم الخراساني مع تغيير بعض الكلمات:
فقلت من التعجب ليت شعري           أأيقاظ الكرد أم نيام 
فإن يقظوا فذاك بقاء ملك               فإن رقدوا فإني لا ألام
فإن يك أصبحوا وثووا نياماً         فقل قوموا فقد حان القيام
ففري عن رحالك ثم قولي           على الأوطان والكرد السلام
………………………………………………..
10/6/2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

النقل عن الفرنسية إبراهيم محمود باريس – أكد البروفيسور حميد بوزأرسلان على ضرورة تحقيق الكُرد للاندماج الداخلي، وشدد على أن المسألة الكردية، بسبب الاستعمار فوق الوطني لكردستان، لا تقتصر على دولة واحدة بل هي شأن إقليمي. وتحدثت وكالة الأنباء ANF عن المسألة الكردية مع حميد بوزأرسلان، مؤرخ وعالم سياسي متخصص في الشرق الأوسط وتركيا والمسألة الكردية، يقوم بالتدريس في كلية…

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…