الإنتخابات التركية – ونزول الكوردي من الجبل الى البرلمان!

عنايت ديكو 

– على الرغم من أنني لا أتفق كثيراً مع
السياسات التي ينتهجها حزب ال ” HDP ” خاصة على الصعيد الكوردستاني ، إلا أنني
وغيري الملايين من أبناء الشعب الكوردي ومن موقع سعادتنا وفرحنا من رفع شأن كلمة ”
الكورد وكوردستان ” على وجه البسيطة أينما كانت، نقول: مبروك لحزب ” HDP ” الذي
إستطاع تجاوز حدود السقوط الى القاع وحسم مسألة الحد الأدنى للدخول الى البرلمان
التركي . فالقضية الكوردية مثل كرة الثلج التي كلما تدحرجت وتحركت سلباً أمْ
إيجاباً كبرت وتضخمت وأخذَتْ أبعاداً إقليمية ودولية جديدة ، ناهيك عن دخول الكورد
البرلمان وإكتساب صفة قانونية لوجودهم.  فمبروك مرّة ثانية للمنطق والفكر
الديمقراطي في عموم تركيا. وتأتي هذه المباركة منا من منطلق ومبدأ إذا كانت لنا
جارة ديمقراطية ومنفتحة خيرٌ من أن تكون هناك جارة ديكتاتورية وحكمدارية فاشية
وظالمة مثل النظام السوري أو الإيراني أو التركي الطوراني. 
لكن بعد هذه المقدمة، لا بد لنا أن نوضح المخاوف التي تراودنا والقلق الذي بدأ
يتسلق على صفحات الإنترنيت وكأن هذا الفوز لحزب ال ” HDP ” هو حلقة من حلقات الثأر
القادم من وراء الجبال ويريد أن يبتلع كل واحد يقوم بإنتقاد السياسات الآبوجية .
فما يقلقنا فعلاً وما نخشى منه حقيقةً على الساحة الكوردية السورية هو أن  يُستثمرْ
ويُستغل هذا الفوز حزبياً وبالتحديد في كوردستان سوريا من قبل “حزب الإتحاد
الديمقراطي” وأن تزداد موجة الإعتقالات والقتل والخطف وسياسة كم الأفواه والإقصاء
وبناء السجون بدلاً من الإنفتاح على الآخر المختلف وإتهام الطرف الكوردي الآخر
المعارض بالخيانة والعداوة والعمالة. 
– هنا أريد فقط توضيح بعض النقاط التي قد
تغيب عن بال المشاهد والمتابع لهذه للأحداث المتسارعة. 
أولاً : على الجميع أن
يعترف بأن حزب العدالة والتنمية وطوال كل هذه السنين من حكمه، هو الحزب التركي
الوحيد الذي ساهم بتنقية الأجواء بشكلٍ جدّي وهو الوحيد أيضاً الذي أوصل التفاعل
السياسي والإقتصادي والمجتمعي على الساحة التركية الى هذا الحد من النضوج وإطلاق
الحرّيات العامة والفكرية والسياسية طوال عمر الدولة التركية ، وهو الذي أيقن
واستقرأ قبل غيره آفاق السياسة وتحركاتها في الشرق الأوسط الجديد وبالتعاون طبعاً
مع “الدولة السرّية والمستترة” التي ترسم مستقبل الدولة التركية لمئات السنين
القادمة والتي تمتلك مفاتيح كل الأحزاب والحركات والفعاليات في تركيا، مدركة بأن
قدر الدولة التركية في القرن الحالي يجب أن يكون بعيداً عن العسكر والإنقلابات
والتطرف والإقصاء وإحتواء المسألة الكوردية وتطويعها وتسخيرها في خدمة الأمة
التركية ومستقبلها لا العكس . أي بالمختصر المفيد ، فلولا السياسة الإنفتاحية
المرنة لحزب العدالة والتنمية وبرئاسة أردوغان في تركيا … لما كان لحزب ” HDP ”
الفوز بهذه المقاعد البرلمانية ، وإن نزول الكوردي من الجبل الى المدينة هو بحذ
ذاته هدفٌ تركي أردوغاني بإمتياز!؟
ثانياً : فحزب العدالة والتنمية بقيادة
أردوغان لم يخسر مطلقاً بل العكس تماماً. فاليوم بإستطاعة هذا الحزب أن يذهب الى
البرلمان الاوروبي والنقاش على مبادئ ” كوبنهاغن ” والتكلم بصوتٍ عالٍ ، حاملاً معه
الكثير والكثير من الأوراق وملفات الضغط التي كانت مستعصية عن الحل في السابق مثل
(( حرية الأكراد وحقوقهم وحرية الصحافة والاعلام وحرية التظاهر وحرية المعتقد وحقوق
الإنسان في تركيا وغيرها من بنود ” كوبنهاغن “.
ثالثاً : فحزبُ الشعوب
الديمقراطية والذي غيّر إسمه ” 24 ” مرة وأيضاً ربيبه العمال الكوردستاني والذي
غيّرَ إسمه هو أيضاً عشرات المرّات لم يتمكنا من النزول الى الشارع في تركيا
وممارسة السياسة بهذه الإنفتاحية والحرّية والعلانية إلا بعدما خَلَعَ هذا الحزب
معطفه الكوردستاني ورماه بعيداً ولبس اللباس الوطني التركي والإفتخار به وبالهوية
الوطنية التركية والتنازل عن هدفِ تحرير وتوحيد كوردستان نهائياً ، أي أن هذا الحزب
أصبح حزباً وطنياً تركياْ بإمتياز. وهذا ما صرّح به وأكده السيد “صلاح ديمرتاش”
أمام مناصريه في إستانبول قبل الإنتخابات. 
رابعاً : أشار الكثير من المحللين
المختصين بالشؤون التركية وبعض مواقع الإنترنت قائلين: بأن نجاح حزب ال ” HDP ” هو
ليس نجاحاً كوردياً لوحدهم كما يحلوا للبعض أن يسمّيه .!! بل هو نجاحِ للتيار
الوطني اليساري التركي أيضاً . فليس كل الذين نجحوا من ال ” HDP ” هم من الكورد ،
فاليسار التركي المتطرف صوّتَ ودَعَمَ وأعطى أصواته أيضا لهذا لحزب ، ليس حباً به
بل كرهاً وغَضَباً بحزب العدالة والتنمية حول الأولويات والمشاريع السياسية. أي أن
حزب ال ” HDP ” لا يستطيع تقرير مصيره بمفرده والدخول في الإئتلافات مع ال “AKP” أو
مع أيٍ كان إلا بعد إن يرضي الداعمين له من اليسار واليمين التركيين المتطرفين .
وطبعاً هذا يدخل في صلب لعبة التوازنات الدقيقة والحساسة وحدود الأمن القومي التركي
الذي هو خطٌ أحمر للجميع وفوق أي إعتبار آخر بالنسبة للدولة المستترة المتحكمة
بمفاصل ودقائق الحياة في كل تركيا . 
– خامساً : فوز حزب ال ” HDP ” في
الإنتخابات يدفع ” تركيا ” بإقتصادها المتنامي الى الحضن الأوروبي الواسع أكثر
فأكثر ويؤهلها الى المشاركة الجدّية في بناء جدران الشرق الإوسط الجديد وخاصة
السيناريوهات المتعلقة بالكورد في تركيا وسوريا وخير مثال على ذلك ((الكورد الذين
شاركوا “كمال آتاتورك “في البرلمان وذهابهم الى لوزان))، وإظهار تركيا بأنها دولة
مدنية وعصرية ومنفتحة وإقتصادية وجامعة ومحتضنة لكل الشعوب في تركيا ومثالٌ يحتذى
بها إقليمياً ودولياً. 
– سادساً: دخول  ” HDP ” إلى البرلمان التركي سيعطي
مفاتيح التسليم والإستلام والحل والربط في القضية السورية والكوردية السورية على
وجه الخصوص للأتراك قاطعاً الطريق أمام المخابرات السورية والإيرانية في وقوفها
وراء الشرخ التركي الكوردي المزمن وستصبح المنطقة الكوردية من سوريا عبارة عن
“حديقة خلفية” للأتراك.
– سابعاً : أردوغان وعلى رأس حزبه وهو في أوج إنتصاراته
السلطانية يريد أن يخلق بديلاً لعبد الله أوجلان ومن نفس الطينة الشعبية والفكرية
والحزبية، ليكون هناك محاوراً شرعياً وقانونياً وتحت الطلب للتكلم معه بإسم الكورد
في قاعة البرلمان التركي .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

النقل عن الفرنسية إبراهيم محمود باريس – أكد البروفيسور حميد بوزأرسلان على ضرورة تحقيق الكُرد للاندماج الداخلي، وشدد على أن المسألة الكردية، بسبب الاستعمار فوق الوطني لكردستان، لا تقتصر على دولة واحدة بل هي شأن إقليمي. وتحدثت وكالة الأنباء ANF عن المسألة الكردية مع حميد بوزأرسلان، مؤرخ وعالم سياسي متخصص في الشرق الأوسط وتركيا والمسألة الكردية، يقوم بالتدريس في كلية…

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…