الكراهية السوداء

صبري رسول

الثّقافة التّدميرية القادمة من العمق الزّمني
الأسود، تقوم على رفض الآخر، قومياً ودينياً، وهي مصنع لإنتاج الإرهابيين، ومدرسة
لنشر شرها  بين الفئات الشبابية.
نكره مَنْ لا يتفق معنا، أو من لا يؤمن بديننا،
أو يتكلم بلغة أخرى، وينتمي لثقافة غير ثقافتنا؟ هذه العقلية أنتجتها أنظمة تعليمية
في مدارسنا، وتربية معتمدة في منازلنا، وسلوك مُتبَعٌ في مقاهينا ومنتدياتنا، بل هي
نتاج معرفي اجتماعي ينتقل من جيلٍ إلى جيل.
 فكمٍ حرب حصدت أرواحاً وهدّمت بيوتاً ودمّرت حضاراتٍ قبلها! وكم غزوة وقعتْ على
رؤوس أممٍ وشعوبٍ تعرّضت لنهبٍ وسلبٍ! كم بريء أُريقَ دمه، واُنتُهِك عرضه،
وشُرِّدَ أولاده! كم وكم جريمة ارتُكِبَت باسم الدّين، وتحت مسمياته، ومن أجله! هذه
الثقافة التدميرية هي نتاج عقودٍ وقرون، وهي مليئة بمفاهيم عنفية، لكن العنف لا
يخرج من قمقمه حتى يجد متنفّساً له، وهذه العقلية القائمة على إلغاء الآخر، وعدم
قبوله، ورفض العيش المشترك معه، أنتجت أجيالاً تؤمن بالحقد والكراهية.
لِمَ لمْ
يعدْ المجتمع قادراً على تحويل التحديات الكبرى، كمواجهة الإرهاب والتطرف الفكري
إلى فرص خلاقة لتوحيد الجهود أمام زحف التطرف وخطورته الكارثية، والإرهاب الفكري
سرعان ما يتحوّل إلى سلوك جماعي يهدد النسيج الاجتماعي.
عندما يقوم داعية
إسلامية بنشر الفكر الدّيني، ويدّعي بأنّه دينٌ سمحٌ ودين سلام، ويحلّل دم الآخر
المختلف معه في العقيدة الدينية، بل حتى في المذهب الدّيني، إنّما يضع بين يدي
شبابه سبباً مُقنعاً، وتفسيراً دينياً، للقيام بقتل الآخر، فليس هناك في المفهوم
الديني المتطرف حدودٌ للحرب والسلم، فحدود الحرب تتسع على سعة شهية سفك الدّم في
نفس القاتل، وحدود السّلم تضيق ضِيق أفقه ومنظوره في بناء الحياة، وبين المسافتين
يستغلّ الانتهازيون والقتلة دينهم ويركبون جواده ويسفكون ما شاء لهم من
الدّماء.
الإرهابي يحجّر عقله، ويعتقل شعوره الإنساني، ويُميت روحه، ليبقى جسداً
جليداً ينسف ويقتل، عقلُه مُبرمجٌ على القتل، وإن ناله أثناء مهامه فالسّجاد الأحمر
مفروش له في جنات عدنٍ تجري من تحته الأنهار. 
هكذا استحال قتل الأبرياء مهمة
مُقدّسة، أما نساؤهم وأموالهم فمغانم غزواتٍ للمسلمين.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…