يا لعار العالم ممّا يحدث

نارين عمر

ألا
تكفينا هذه الأنواع المنوّعة والعديدة من الحصار النّفسيّ والجسديّ والاجتماعيّ
والاقتصاديّ والفكريّ لكي نظلّ محاصرين في كوابيس التّفجيرات والحرائق والقلق الذي
لا مثيل له في تاريخ العالم القديم أو الحديث؟!
هل نحن بحاجةٍ حقّاً إلى مصائب
أكبر وكوارث أكثر تلهب همومنا االملتهبة أصلاً؟! هل كُتِبَ لنا أن نعيش هكذا ما دام
الكون والبقاء؟ هل قدّرَ لنا أن ندفع المزيد من الأضحية والقرابين لنستمرّ في
الحياة, ونساير ركب البشريّة؟!
حتّى في أيّام أعيادنا ومناسباتنا التي نراها سعيدة يخذلنا القدر, ويغدرُ بنا
الدّهر, فيذيقاننا طعماً أمرّ من المرّ والعلقم, بل مذاقاً لم يتذوّقه البشرُ من
قبل!
حريق “مستوصف قامشلو, حيّ جرنك” لماذا تمّ؟ وكيف؟ هل حدث بفعل فاعل أو
فاعلين, أم أنّ القضاء والقدر شاءا فكان لهما ذلك؟
أمّهاتنا كنّ يتسابقن لتلقيح
أطفالهنّ, ومعالجتهم من الأمراض والهلاك, وما كن يدرين أنّهنّ متوّجهاتٍ إلى قاع
الموت والهلاك! إلى متى سنظلّ نقدّم مسلسلاتٍ حقيقيّة حول الموت والأشباح والقتل
والقرابين والدّمار؟ إلى متى سيظلّ أطفالنا يصنعون دماهم وألعابهم  من الأسلحة
الفتّاكة ليلعبوا بها؟ إلى متى ستظلّ نساؤنا يكتسين بالسّواد, وينظمّن أشعار
الرّثاء على أولادهنّ وأزواجهنّ؟! إلى متى ستظلّ بناتنا يذرفن دموع الحسرة على
أحبابهنّ الذين كانوا سيكونون خير شركاء لحياتهم, وخر رفاق لعمرهنّ؟! إلى متى سيظلّ
الآباء ينزفون ألماً وحرقة على أطفالهم الذين رحلوا في سبيل لا شيء؟! وإلى متى
سنظلّ نحيك مناديل لا تكفي لتجفيف دموعنا التي تأبى أن تجفّ؟! إلى متى ستظلّ روحنا
رخيصة عند العالم كلّه؟ متى سيخجل العالم من نفسهم ويدركون أنّ هناك شعبٌ يعيشُ
معهم وبينهم, شعب تجاوز تعداده الخمسين مليون نسمة, ويقرّون بحقوقه وأحقيّته في
الوجود؟! إلى متى سيدرك العالم أنّه وعلى الرّغم من كلّ هذا وذاك ظلّ شعبنا وسيظلّ
عاشقاً للحياة, ومتمسّكاً بالبقاء والاستمراريّة, إلى أن ينتزع حقوقه المسلوبة
انتزاعاً.
كأنّ القدرَ يدركُ جيّداً أنّه كلّما زادنا مصائبَ وكوارث, نزداد
قوّةً وأملاً وأحلاماً, وتتسع دائرة أحلامنا أكثر فأكثر, وإن لم يكن قد أدرك ذلك
حتّى الآن فلا بدّ أن يقرّ بذلك في يوم قادم, آت. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…