17 نيسان 1946 … يوم الجلاء والاجماع الوطني السوري

افتتاحية الوحـدة *
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، امبراطورية نهب مقدرات الشعوب
وإذلالها، ورحيل سلطات الجهالة والاستبداد وأعواد المشانق، جاءت الدول الغربية تحت
مسمى الانتداب وفرضت سلطاتها على شعوب المنطقة وقسمت مناطق النفوذ فيما بينها وفق
خطوط على الورق أمست فيما بعد حدوداً دولية، دون أي اعتبار لخصوصيات الشعوب وطموحات
ومصالح أبنائها، وبدأت مرحلة جديدة من سلب الإرادة ونهب المقدرات…. فوجـد
السوريون أنفسهم ضمن حدود مرسومة ما لبثت أن تحولت الى واقع على الأرض وتبلورت بحكم
هذا الواقع معالم دولة ضمن حدودها الجغرافية الحالية، معترف بها من قبل دول العالم
ومؤسساتها الرسمية منذ ما يقارب المائة عام.
 الواقع الجديد والمصير المشترك للمكونات السورية من جهة، واستئثار سلطات الانتداب
بالقرار ومصادرة إرادة السوريين والظلم بهم من جهة اخرى، أفرزت حالة وطنية تبلورت
في اندلاع ثورات ضد سلطات الانتداب التي تحولت بممارساتها إلى احتلال واستعمار،
فاستشعر السوريون خطورة المرحلة الجديدة وأبعادها، وثارت فيهم الروح الوطنية ،
ليبدأوا بمقارعة (الانتداب الفرنسي) ويرفعوا راية الانتماء إلى الوطن والدفاع عنه
دون هوادة، ولعل البطل يوسف العظمة هو من دشن بجرأته واستشهاده أولى ملاحم الوطنية،
وسار في دربه الزعماء سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي … الخ،
تحت شعار: الدين لله والوطن للجميع.
كان هناك شعور وطني عام
وإحساس بالمسؤولية التاريخية، حيث أُطلق نداء تحرير الوطن، من دمشق إلى السويداء
ودرعا جنوباً، إلى حمص وحماه وجبال الساحل غرباُ، إلى حلب والمناطق الكردية شمالاً،
إلى الحسكة والجزيرة شرقاً، وأصبحت قضية استقلال سوريا والوحـدة الوطنية موضع اجماع
السوريين وغايتهم، على أمل بناء وطنٍ لجميع أبنائه، يضمن لهم حريتهم ويصون كرامتهم
ويسوده العدل والمساواة، وقد تحقق هدفهم في جلاء آخـر جندي فرنسي في الـ 17 من
نيسان عام 1946، ولكن خاب أملهم في نيل حقوقهم الطبيعية والإنسانية، إثر نشوء
نزاعات داخلية وصراعات فئوية بتدخلات خارجية، إلى أن استولى حزب البعث على الحكم
بإنقلاب عسكري في 8 آذار 1963، في ظل استمرار صراعات إيديولوجية وشعارات أدخلت
البلاد تحت رحمة نظام حكمٍ قمعي استبدادي، لتصبح سوريا دولةً أمنية بامتياز، وتتعدد
أوجه الأزمات المجتمعية.
ومع هبوب رياح التغيير اندلعت ثورة الحرية والكرامة في
منتصف آذار 2011 بطرق سلمية، شارك فيها معظم مكونات الشعب السوري، لتعبر عن نبض
الشارع الوطني، إلا أن آلة القمع والقتل السلطوية كانت لها بالمرصاد ودفعتها نحو
العسكرة والتسلّح بتجاوبٍ مباشر من الإسلام السياسي وتشجيعٍ من دول إقليمية، فأوقعت
البلاد في كارثةٍ قلّ نظيرها من حيث الدمار والقتل والتهجير وارتكاب جرائم ضد
الإنسانية، يتحمل نظام الحكم مسؤوليتها بالدرجة الأولى، ولم تستطع الفصائل المسلحة
حماية قيم وأهداف الثورة في مناطق سيطرتها، بل هي الأخرى مارست انتهاكات جمة
ومفضوحة بحق الإنسان، فتنامت التنظيمات التكفيرية الإرهابية – لأسباب عديدة – وبسطت
نفوذها على معظم ما يسمى بالمناطق المحررة، ليجد الشعب السوري نفسه في مواجهة خطرٍ
آخر ربما ستدوم تأثيراته لأعوام كثيرة.
 رغم أن النكبة شملت مختلف المكونات
السورية، ورغم الواقع المرير والمصير المجهول الذي يحدق بكل السوريين، فإن الحالة
الوطنية قد هَزُلت، وبات التمسك بالهوية الوطنية في حالة شبه نسيان، وتطفو على
السطح أفكار التطرف والطائفية ونزعات الفئوية والمصالح الضيقة وممارسات الثأر
والانتقام ومحاولات إلغاء الآخر وطمسه.
نحن السوريون عموماً، وبغض النظر عن
مستويات مسؤولية هذه الجهة أو تلك، تعرضنا لامتحان تاريخي كبير ولا نزال… إلا أنه
لم نكن وحتى هذه اللحظة على قدرٍ من الحكمة والعقل والمسؤولية لحماية بلدنا ومنعه
من التدحرج نحو الكارثة. ثمة خطوات تمهيدية نحو جنيف3 وأمامنا فرصة أخرى وفسحة من
الأمل في بلورة خارطة طريق، علينا، نحن معظم أطراف المعارضة لملمة صفوفنا وتوحيدها
وتعزيزها، وعلى النظام من جهة أخرى، الكف عن انتهاج لغة الحديد والنار وإيقاف
ممارساته الرعناء وقبول لغة المنطق في التفاوض والحوار على طريق إيجاد حلٍ سياسي
يرضي الجميع، عسى أن نستعيد معاً تلك الروح والمسؤولية التي ضحى من أجلها أبناء
شعبنا بالغالي والنفيس على مدار قرنٍ من الزمن.

 

نعود ونقول بكل ثقة
وأمل

 

رغم المآسي، ومع مرور / 69 / عاما على نيل
سوريا لاستقلالها، يطيب لنا في حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا، بهذه
المناسبة الغالية، أن نحيي شعبنا السوري بكرده وعربه، بمسلميه ومسيحيه، متمنين
تلاقي السوريين وتكاتفهم لوقف نزيف الدم والدمار، والعمل معاً من أجل السلم والحرية
والمساواة.
* جريدة الوحـدة – العدد /261/ – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة
الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
لقراءة مواد العدد انقر هنا  yekiti_261

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…