عقدة كردستان

د. محمود عباس

  قرابة سنة
وأكثر، تبحث أمريكا والدول الأوروبية عن قوة عسكرية معتدلة في منطقة الشرق الأوسط،
لتؤدي خدمات نيابة عن جيوشها، وتحملها مهمات، أهمها، محاربة المنظمات الإرهابية
الإسلامية، فلا يجدون غير الكرد، وهم متأكدون من ذلك. ورغم خطة تشكيل معسكرات تدريب
المعارضة السورية المعتدلة، والمضخمة إعلاميا، والمؤدية إلى صرف أموال طائلة على
مدى سنوات قادمة، تغيب القناعة بها، وبقدراتها المستقبلية، وفيما إذا كانت
المجموعات ستبقى معتدلة أم أنها ستنحاز إلى جبهة إسلامية  ليبرالية أو مقاربة لها،
عند دخولها ساحات المعارك إلى جانب القوى الإسلامية المسلحة الأخرى، فالجيش الحر
الذي لم يبقى منه سوى مجموعات متناثرة، يعتبر المثال  البين لهم، فمنذ سنتين
تقريبا، نادرا ما يرى علم سوريا الحرة في جبهات القتال، ومعظمهم توزعوا بين الفصائل
الإسلامية، وكان نصيب جبهة النصرة منهم كثيراً، ليس لقناعة دينية بقدر ما كان
الصراع المذهبي محرضاً، وعليه لا تبقى في المنطقة غير القوة الكردية الجامعة  لكل
الصفات المطلوبة، من حيث البعدين الديني والسياسي. 
   لكن وبسبب هيمنة دبلوماسية الدول المعادية للكرد، على الأروقة السياسية
الأمريكية والأوروبية، تتحذر هاتين القوتين من دعم الكرد عسكريا وعلى المستويات
المطلوبة لمجابهة قوة بسوية داعش أو المنظمات الإسلامية المتطرفة الأخرى، أو سوية
إحدى دول المنطقة. وهنا تتشكل العقدة: الكرد يخسرون الدعم، والمنظمات الإرهابية
تزداد قوة على حساب تردد دول الحلفاء، وبالتالي الدعم العسكري والمادي، المباشر
وغير المباشر من الدول الإقليمية في المنطقة ومن ضمنها المستعمرة لكردستان للمنظمات
الإسلامية الإرهابية العروبية، لا تقف تحت غطاء الضرورات القومية-المذهبية لدول
المنطقة، بل تتوسع لغايات متنوعة وبحجج، منها:
1.  منظمات تحصل على الدعم تحت
حجة المعارضة السورية المسلحة كالنصرة وجيش الإسلام وغيرهما.
2.  بعضها الآخر
تحصل على الدعم، لأنها تمرر الأجندات الخاصة لتلك الدول، كالضغط على الكرد لتلتهي
بالدفاع وتبقى في حذر دائم من الدول الإقليمية وتتخلى عن المطلب
الكردستاني.
3.  ومنها تحصل على الدعم على خلفية الصراع المذهبي الشيعي –السني. 
4. ومنظمات تدعم لغايات قومية، يجدون أن القومية العربية ستكون من خلال سيطرة
الإسلام السياسي العروبي المتشكل من جبهتي البعث والإسلام العروبي، المشابه لعملية
تلاحم الاشتراكي العربي مع البعث في بداية الخمسينات، ليتكون البعث العربي
الاشتراكي.
5.  ولا يعزل تلك التي تستمد استمراريتها من صراع الاستراتيجيتين
الأمريكية –الروسية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وعلى هذه التناقضات،
والصراعات يعزلون الكرد من الساحة الدولية، ويستعملونهم كأدوات عند الضرورة، يرفعون
مكانتهم ويهملونهم حسب الحاجة، مثلما فعلتها أمريكا وعلى مدى السنوات الماضية
والأخيرة عند بدء حربها على داعش، وتفعلها السلطات الشمولية في المنطقة مع أطراف من
الحركة الكردستانية. وهي من ضمن الأخطاء التي وضعت الحركة ذاتها فيه، بسبب
تناقضاتها الداخلية، وخلافاتها الفكرية، أو المسمى بالإيديولوجية، والركض وراء
استراتيجيات الأخرين، والمؤدية إلى تعميق الخلافات، وبالتالي ضعفهم، وتقزيم دور كل
الأطراف في الأروقة الدبلوماسية العالمية وتهميش القضية الكردستانية في الحوارات
السياسية العالمية، وجعلها من القضايا الثانوية في المحافل الإقليمية والدولية. 
العقدة ستبقى، مادامت الدول المستعمرة لكردستان، قوية بلوبيها في العالم، ووجود
هيمنتها الاقتصادية، فتركيا تحتضن الناتو، وحصلت على أثرها قبل سنوات على دعم مادي
ضخم، تجاوزت حدود 75% من دخلها القومي من الشركات الرأسمالية، والدول العربية تشتري
بالمليارات الدولارات الأسلحة من أمريكا وأوروبا، وأخرها صفقة مؤتمر (كامب ديفيد)
والبالغة 64 مليار دولار، وإيران ترسل كميات هائلة من الغاز بشكل غير مباشر إلى
أوروبا، وتدفع المليارات إلى روسيا تحت سقف العلاقات الاقتصادية والمشاريع
المتنوعة. فماذا لدى الكرد؟ غير الخلافات والصراع على الإيديولوجيات الهشة!
والاستراتيجيات الوهمية! وقادة لا يدركون ألف باء العلاقات الدبلوماسية الدولية،
إلى جانب الفقر شبه المدقع على سوية أفراد ومنظمات وحركة، رغم غنى كردستان وأرضها
المنهوبة. وتبقى الحلقة الأخيرة التي يستطيع الكرد استخدامها، للظهور إلى الساحات
الدولية، في الظروف المواتية لهم، كأحد أندر الظروف على مدى قرن وأكثر، وهي التخلي
المؤقت عن الخلافات، وتشكيل قوة عسكرية موحدة، تحت اسم كردستاني، لمواجهة العدو
والظهور أمام الدول الكبرى على أنهم القوة الأكثر أمانا، ويمكن الاعتماد عليهم،
لمستقبل مصالحهم في المنطقة، والحد من تمدد المنظمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة.
بدونها العقدة ملتحمة ولا حل للكرد غيرها، والتصريحات الهامشية الضحلة لبعض الإخوة
من الذين يمثلون قيادات لا تؤدي سوى إلى سقوط الكرد في الهوة التي توسعها وتعمقها
لهم أعدائهم.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة
الأمريكية

mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…