وما نفعُ بكائكم علينا يا سفراء مجلس الأمن؟!

نارين عمر

قبل
أيّام تناقلت معظم وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والخطيّة ووسائل التّواصل
الاجتماعيّ خبراً اعتبرته مؤثّراً ومثيراً للغاية, يقول بأنّ عيون “سفراء مجلس
الأمن” وغيرهم من المسؤولين قد اغرورقت بالدّموع وهم يشاهدون فيلماً وثائقيّاً حول
تعرّض بعض الأطفال السّوريّين إلى “الكيماويّ”, وتأثّرهم العميق بأقوال وشهادات بعض
الأطبّاء والنّاجين من هذا الكيماويّ.
نعم اغرورقت عيونهم دمعاً وهم يشاهدون هذه
المشاهد المؤثّرة, ما جعل الكثير من أبناء الشّعب السّوريّ يتساءل, ويسأل:
يبدو وكأنّ هؤلاء المؤثّرين والمشفقين عليهم يرون مثل هذه المشاهد للمرّة الأولى,
أو كأنّهم لم يكونوا مطلعين على أوضاع شعبهم ووطنهم منذ خمسة أعوام وحتّى الآن, أو
أنّهم كانوا يستسلمون للغفوة أو الرّقاد حينما تُعرَض مثل هذه المشاهد بل والأروع
والأسوأ والأكثر بشاعة منها في كلّ وسائل الإعلام؟!
يا حضرات السّفراء
والمسؤولين الأكارم!
يا كلّ مسؤولي العالم وقادتهم وأباطرتهم وملوكهم
وحكمائهم!
نودّ أن نعلمكم أّنّنا في سوريّا وكمواطنين سوريّين لم تعد هذه
المشاهد تذرف الدّموع من عينينا لأنّ مجرى الدّمع عندنا قد جفّ ونشف منذ العام
الأوّل من الكوارث والمآسي التيّ حلّت بنا. نريد أن نعلمكم أنّ مشاعرنا لم تعد
تُدَغدَغ وتتأثّر بمثل هذه المشاهد وغيرها لأنّ هذه المشاعر بل وعواطفنا قد دخلت
عهد الجمود والتّحنيط منذ مرور العام الأوّل على مصائبنا, ولم تعد دموعكم تفيدنا في
شيء,  ولا مشاعركم  الجيّاشة قادرة على التّأثير فينا, ولا خطاباتكم الرّنّانة,
البرّاقة كبروق ورعود ربيع وطننا. ونقول لكم “سعيكم مشكور” ووفّروا دموعكم لمشاهد
أخرى ستحصل وتحدث في أماكن أخرى ومواطن أخرى. لا نريد منكم أن تتأثّروا بموتانا, أو
تضيّعوا وقتكم في البحث عن أرقام إضافيّة لهم في سجّلات الموتى والرّاحلين. لا نريد
منكم أن تبحثوا عن دلائل إضافيّة تدين المتهمين أو المجرمين.  
إذا كنتم تريدون
حقّاً مساعدتنا, فسارعوا إلى مشاهدة آلاف والملايين من شعبنا من المهجّرين
والمشرّدين في مختلف أنحاء المعمورة.
اذهبوا إلى ملاجئ ومخيّمات ومستنقعات
وخنادق اللاجئين السّوريّين في كلّ أماكن تواجدهم وانتشارهم. اذهبوا إلى شبّاننا
وشاباتنا ورجالنا ونسائنا من أصحاب الشّهادات الجامعيّة والعليا الذين صاروا الآن
عمّال تنظيفات لمجاري الدّول والمواطن التي هاجروا إليها! صاروا عمّال المطاعم
والفنادق والمغاسل ومحطّات الوقود وبيّاع الخضار والفواكه والّلحوم المعلّبة في تلك
الدّول والبلدان! صاروا عرضة للإهانات والتّوبيخات والمذلّة من هؤلاء
وأولئك.
صوّروا هؤلاء جميعاً, واعرضوا صورهم للعالم أجمع, ووجّهوا نداء صريحاً
وإنسانيّاً إلى كلّ المنظّمات والحكومات والجهات الرّسميّة والحكوميّة والمدنيّة
بوجوب إصدار قرار حازم وحاسم ينصّ على “وقفٍ فوريّ” للحرب الدّائرة في وطننا
سوريّا, ووضع حدّ نهائيّ لمأساة الشّعب السّوريّ بكلّ أطيافه وشرائحه ومذاهبه,
وإجبار كلّ جهةٍ تتكاسل عن حلّ النّزاع بالتّهديد والوعيد.
نعم, هذا ما يريده
شعبنا منكم, وبكلّ تأكيد أنتم قادرون على تنفيذه في غضون أيّام قليلة إن لم نقل
خلال ساعات, لأنّ أوامر النّهي والقبول كامنة في يديكم, فأنتم الأقوى ونحن نتطلّع
إلى قوّتكم وإلى قوّة قراركم الذي سيكون من أكثر القرارات تأثيراً فينا, والذي
سيعيد الرّوح إلى عواطفنا المجمّدة, ويعيد الحياة إلى مآقينا التي ما عادت تفيض
بالدّموع. ولا تنسوا أنّ مشاعرنا سوف تهتزّ طرباً وفرحاً, ودموعنا سوف تذرف
ابتهاجاً وغبطة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…