مهاباد الحلم المتجدد

قهرمان مرعان آغا

 
العام 1946، في مهاباد وفي ساحة چار چرا (القناديل الأربعة) القاضي العادل ، پيشه وا محمد (الرئيس) ، يصعد المنصة ويعلن أمام العالم تأسيس جمهورية كوردستان الديمقراطية، وهو محاط بالقادة و الوزراء والوجهاء والضيوف ، بينما ارتال الخيالة والجنود يمشون في نسق على صوت النشيد الوطني الكوردستاني (اي رقيب) وهو يؤدي التحية ، فيما ترفرف الراية الملونة ( آلا رنكين) عالياً في السماء، هكذا تخبرنا الذاكرة وتحتضنه الصور والوقائع .
السوفييت يتعهدون للقاضي بمزيد من المساعدة والدعم ، ويحثونه على تمتين العلاقة مع الجارة الوليدة جمهورية ازربيجان الديمقراطية في ايران ، محصول التبغ الكوردستاني يأخذ طريقه في المبادلة ،الى حيث غليون ستالين ، والطلبة يلملمون حاجياتهم للدراسة في المعاهد والجامعات ، بينما الجنود من البيشمرگة على اهبة الاستعداد للإنخراط في دورات التدريب ، النقابات تضم منتسبيها بتؤدد ، ونساء كوردستان يجتمعن في روابطهن واتحاداتهن بعفّة  ، المجتمع الكوردستاني في طريقه للحياة الجديدة .
جبهات القتال هادئة ، باستثناء بعض المناوشات مع الجانب الايراني المدعوم بريطانياً، وصحف كوردستان تَنقل الاوضاع الداخلية والاحداث العالمية ، بمهنية وليدة ومسؤولية وطنية صادقة . والجسم السياسي ، الحزب الديمقراطي الكوردستاني – ايران ، في أوج ولائه وتنظيمه .(*)
روزفلت وتشرشل وستالين، زعماء الحرب ضد النازية ، يجتمعون في طهران ،نوفمبر1943 ويتفقون على ترتيب العالم بعد نهاية الحرب ، ايران تحت سيطرة السوفييت والبريطانيين لغاية 1947، فيما مصالح الدول الكبرى وامتيازاتها تطغى على وعودهم وإلتزاماتهم ، وينسحب جيش ستالين من كوردستان وآزربيجان ، وفقاً لترتيبات تبادل المنافع بين الشرق والغرب وبروز امريكا كأكبر قوة عسكرية مهيمنة ، وهكذا استدل الستار على حق الشعوب في تقرير المصير ، ووأدت تطلعات الشعب الكوردي بإسقاط كيانه الوليد وبإعدام القادة والرئيس الشهيد .
بينما القائد ملا مصطفى البارزاني يستلم الراية وهو في طريقه لعبور نهر ( آراس ) مع قواته ،لاجئاً الى الاتحاد السوفيتي .
تجدد الأمل بسقوط الشاه محمد رضا بهلوي ، شرطي امريكا في المنطقة والخليج ، ونزول الإمام الخميني من الطائرة قادماً من فرنسا ، حيث حوزته في الحي الباريسي ( نوفل لو شاتو ) ، في شباط 1979، وكوردستان الشرقية محررة بالكامل ، ولم يمر على ثورة الشعوب الايرانية سحابة صيف ، اذ بالشيخ عزالدين الحسيني والدكتور عبد الرحمن قاسملوا زعيم حزب الديمقراطي الكوردستاني – ايران ، يصابون بالصدمة و الحيرة من مواقف الحكام الجدد ويعودون ادراجهم من طهران ، إلى كوردستان، وفتاوي المرشد الأعلى الخميني المعظّم  وولي الفقيه وجوقة الجيش والحرس ، بهدر دم الكوردي وإستباحة كوردستان تلاحقهم ، ويستمر الصراع طيلة حرب الثماني سنوات ،وينتهي بواقعة الغدر والخيانة في النمسا ( فيينا ) 1989 بإغتيال واستشهاد الدكتور قاسملو ورفاقه ، وهم يبحثون عن بارقة أمل سلمية لقضية شعب كوردستان القومية ، وتتالت دورة الإجرام في الساحة الأوربية ، حيث ينعقد مؤتمر الاشتراكية الدولية ، بإغتيال الدكتور صادق شرف كندي ، في برلين ، واقعة( مطعم ميكونوس ) 1992 ، الذي خلف الشهيد قاسملو في زعامة الحزب الديمقراطي الكوردستاني – ايران . 
منذ ذلك الحين أبناء كوردستان ايران ، يواجهون قمع السلطات ، لتطلعاتهم القومية بمزيداً من الإنكار والتعسف والحرمان  ، فيما يتواصل الإعتقالات والإعدامات بحق الناشطين ،  وهم يجابهون بالتميز القومي والمذهبي المزدوج ، كونهم أهل سنة وكورداً .
لم تكن حادثة الفتاة الكوردية فريناز خسرواني ، العاملة في فندق تارا بمدينة مهاباد الكوردستانية وهروبها من إعتداء مسؤول ( اطلاعات ) نظام الجمهورية الاسلامية ، وسقوطها شهيدة على الأرض ، مجرداً من تفاقم الشعور بالظلم لدى غالبية ابناء الشعب الكوردي ، فكان خدشاً للحياء العام ولمنظومة القيم النبيلة التي يتمتع بها المجتمع الكوردستاني ، وانتصاراً لتلك القيم على عهر الطبقة الحاكمة باسم الثورة والدين ، وما القمع  الذي يتعرض له المحتجون في معظم مدن كوردستان سوى بيان فاضح للفعل الإجرامي الذي يمارسه السلطات ضد معارضيه من غير القومية الفارسية والمذهب الشيعي ، وإن تضامن الشعوب الايرانية ، بما فيهم الفرس مع اشقائم الكورد  ، من آزريين وعرب وبلوش وغيرهم من الاجناس ، فرصة لردع هذا النظام داخلياً ، لدفعه على الإعتراف مرغماً بالحقوق القومية لمكونات ايران القومية وفق خصوصيتها الثقافية في إطار لامركزية فيدرالية ، كما تبناها الحزب الديمقراطي الكوردستاني – ايران وبقية الفصائل ، وبالتالي مؤازرة المجتمع الدولي  والاقليمي لهم ، لقطع الطريق على مغامراته الخارجية وحروبه بالوكالة والأصالة في عموم المنطقة . 
2015/5/11
*) جمهورية مهاباد الكوردية / وليام ايگلتن – ترجمها جرجيس فتح الله ( المحامي)
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…