كُردستانيات 13- ألسنة للعرض و…

ابراهيم
محمود

” الوطنيّـــــــة هي آخر
ملاجــــــــئ الأوغـــــــاد “

صموئيـــــــل
جونســـــــون

لكَم صدقت المطربة العظيمة فيروز في جوابها على
سؤال وجّه إليها منذ عقود زمنية: لماذا لا  تغنّين إلا للمدن، وليس للأشخاص ؟
والجواب : لأن المدن باقية والأشخاص ماضون/ زائلون .
نعم، وكما أدركت ذلك، يمكن
لأي منا، ودون استثناء، أن يغني للمدينة، للقرية، لساحة ما، لحديقة ما، للوادي،
للجبل، للسهل، لنبع ماء، لنهر، أو لصخرة بارزة، لطريق معين، لتلة، لشجرة محددة، في
جغرافيا بلاده، وأن يضع حول كل منها مؤلفات مختلفة: إبداعاً وأبحاثاُ
وتوثيقاً..الخ، أما أن يستهلك نفسه في مدائح لهذا الطرف أو ذاك، فتلك فاجعة
الجغرافيا .
ولعل نسبة لها حضورها ممن يبصرون أنفسهم مدّاحين، يصعب عليها فهم الجغرافيا بتنوعها
الديموغرافي دون الارتهان لذاتها الضيقة كردياً، وهي تضع الولاء الفئوي، التحزبي
أولاً، وبالتالي، لا يعود لدينا من وطن، إنما سكاكين حادة تقطّع في جسده، فتراق
دماء أمّة كاملة !
والمشكلة هي في سيلان الغدد اللعابية باستمرار إزاء أشخاص يتم
تقديمهم على أنهم خلاصة جغرافيا أمّة، شعب، دولة مرتقَبة، وأن هؤلاء المهرولين
بمدائحياتهم الماضية في تمزيق أوصال الأمّة، حيث لا يتوقف سيلان لعابهم، أول من يجب
أن يساءلوا عن الجرائم التي تُرتَكب من قبلهم، والتي تحول دون تدوين تاريخ يعِدُنا
لحياة مدنية وحضارية حقاً .
بل إن المفارقة الكبرى تكمن في كون هؤلاء الذين
يكونون موضوعات مدحية لهؤلاء المعتبَرين في رسم الكتّاب، لم يطلبوا صراحة من أي
منهم  أن يكونون هكذا، بقدر ما يأتي الطلب من قبل أولئك، وليكونوا بعدئذ ألسنة
للعرض ، وربما كان الإصرار على ذلك تعبيراً عن واقع يعيش تحولات أو مستجدات، وتكون
علاقة كهذه مفيدة للطرفين: الممدوح، والمادح طبعاً، مع فارق أن الممدوح يخلص
لكثيرين سبقوه من الأسلاف، وأما المادح ملخّص لسان مأجور ما .
وما هو أوخم مما
تقدَّم، هو استفحال هذه الظاهرة، وفي روجآفا كردستان، من قبل طارئين أو مقحمين
أنفسهم في لعبة هذا النوع المفجع من العلاقة المخلّة بالمجتمع المدني وخطورته، لقاء
امتيازات عارضة أو مهينة، وما في ذلك من ارتهان كامل لخاصية الشخصية، وما يترتب على
كل ذلك من إساءة إلى المتوخى من الإنسان. إذ القاعدة تقول: المجتمع واحد، والقاعدة
تقول: كل إنسان محل رجاء وأمل وترقب خير معين، والقاعدة تقول: لا تفاوت إلا في
العطاءات، والقيمة واحدة، إن أريد لمفهوم المجتمع، أو الوطن أن يكون حقيقة فعلية
.
في سياق هذه الفجيعة: الفضيحة، حين ينبري من يرى في نفسه لساناً يتحرك في أكثر
من اتجاه ليدبج مديحاً، أو يعظّم شخصاً ليس في غنى عنه وعن لسانه المعروض لخدمة
شعاراتية وعلى حساب الإبداع والثقافة الفعليين فحسب، وإنما عن كل ما يرتبط بموقعه،
إلا إذا اعتبرنا ذلك تصعيداً دعائياً والمآل افتئات المجتمع، وليكون المدّاح
الروجآفاوي متابعاً النسق الارتهاني لأشخاص ينتمون إلى جهات تحزبية أولى بما تقوم
به خارجاً، كما يجري الآن، ودون أي شعور بالخجل من نفسه وحتى من شيبته، أو مما هو
مقبل عليه، وهو بطريقته يدرِك جيداً ماذا يسلك، ورغم كل ذلك، وجرّاء الانخراط
المدائحي، يعتبر ذلك نضالاً عقائدياً بطريقة ما، ومواجهة لخصوم مرئين وغير مرئيين،
وكأني به ينتظر طبطبة من يد متنفذ في محيطه، والأكثر خارجه، وكلمة ” أحسنت “، وربما
منح بعض الإمتيازات على حساب شخصيته.
هؤلاء الأشخاص أول من يمثّلون بجسد الوطن،
بمفهوم المجتمع، بخاصية الشعب، ويسيئون إلى الثقافة التي ينسّبون أنفسهم إليها،
بقدر ما يصبح التاريخ محل سخرية دارس التاريخ أو ناقده أو من يحاول تدوينه
.
يأتي الكتاب، كما يعايَن اليوم كثيراً في واجهة المجتمع على الأقل في الصف
الأول إلى جانب المعنيين بأمور المجتمع، سوى أن ميزتهم في تقديم ما يرفع من سقف
المدنية والمجتمع وتوسيع أفقهما التاريخيين، تتوقف عليهم بجلاء .
نعم، لا أروع
من كلمة عظيمة تليق بدم الشهيد الفعلي، بالمقاوِم الكردي وباسم كردستاني، وعدم
نسيان موتانا ممن كانوا كردستانيين، والتأكيد على البطولات التي تُرى بالعين
المجردة عموماً وليس لحساب جهة معينة تمزّق كيان المجتمع .
بوسعي أن أقول كلمة
أخيرة بهذا الصدد: ماذا يتبقى من العظيم صلاح الدين، إن تم الشطب على أولئك الذين
أرَّخوا له ولما يزالوا يكتبون ؟ ألا يعني ذلك أن الكاتب هو من يمنح التاريخ
حضوراً، وأن السياسي في أمس الحاجة إلى الاهتمام به وحتى استرضائه، وتقديره لأن ما
يُكتَب هو الذي يستمر في التاريخ . 
بين زاعم نفسه مثقفاً وهو يزيّف نفسه هذه،
وآخر يقاوِم حباً بمجتمع كردستاني عموماً، يمكن التعرف إلى كارثية المعاش كردياً
!

دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…