وهل يعني الحل السلمي.. سوى الحوار بعينه ..؟!

علي شمدين

  

لقد بدأت الثورة السورية في الخامس عشر من آذار
2011، ومنذ ذلك الحين والجميع يدعو بدون استثناء، إلى إيجاد حل سلمي لمعاناة الشعب
السوري الذي إنجر من دون إرادته إلى مصيدة عسكرة الثورة لأجندات داخلية وخارجية،
وكان نتيجتها المئات من الشهداء والمعتقلين والمفقودين الأبرياء، والملايين من
اللاجئين إلى دول الجوار وغيرها، فضلاً عن نسف وتدمير البنية التحتية في البلاد
تدميراً كاملاً حتى باتت بلادنا تعيش اليوم كارثة حقيقية.

وقد كانت الحركة الكردية في سوريا بمختلف
فصائلها سباقة إلى مثل هذا الطرح السلمي، ولكنها رهنت مصيرها مجاناً لمصير
المعارضة الوطنية السورية وكبلت نفسها منذ بداية الثورة بقرارتها في هذا المجال، وحرمت
على نفسها أي حوار منفرد مع النظام، وعلى هذه الأرضية تم رفض دعوة رئيس الجمهورية
للقاء مع ممثليها في أوائل حزيران 2011، لاعتقادها بأن النظام آيل إلى السقوط،
وبأن المعارضة السورية سوف تكون أفضل تفهماً لحقوقها وأكثر استعداداً لحل قضيتها
القومية، إلاّ أن الواقع خيب مثل هذا التفاؤل. 
 
وبالرغم من تجنب النظام ولأسباب تكتيكية،
التصادم مع الشعب الكردي وحركته السياسية ولأكثر من سنتين من بداية الثورة، إلاّ أن النظام بدأ
بعد ذلك بإعادة ترتيب الأوضاع في المناطق الكردية لصالحه، وقام بإعادة وضعها تحت
سيطرته وخاصة في القامشلي والحسكة، وذلك بعد أن أعلن المجلس الوطني الكردي في
سوريا بتاريخ (15/9/2013)، عن انضمامه إلى الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة
السورية، وحضوره معه إلى مؤتمر جنيف2، الذي اتعقد في تشرين الثاني 2014، في الوقت
الذي سارع فيه الـ (PYD)، باستلام السلطة في
المناطق الكردية بمفرده، غير آبه بالاتفاقات والعهود الموقعة بينه وبين المجلس
الوطني الكردي في سوريا كإتفاقية (هولير1، هولير2، دهوك).
 

ومما زاد الوضع تعقيداً هو بروز التنظيمات
الإرهابية والتكفيرية المتطرفة في المنطقة عموماً وعلى طول حدود كردستان بشكل خاص، كتنظيم داعش
وجبهة النصرة والقاعدة .. الأمر الذي جر المجتمع الدولي إلى الدخول في معركة واسعة
معها، لتنقلب المعادلة الدولية لصالح استمرار النظام وتعزيز موقعه، فبينما كان
المجتمع الدولي متحمساً قي بداية الثورة نحو حشد الجبهة ضد النظام السوري، صار
اليوم منشغلاً بمكافحة الإرهاب والتطرف بالاستعانة بالنظام نفسه بدلا من الدعوة
إلى اسقاطه، الأمر الذي خيب آمال الشعب السوري بمختلف فئاته، وضاعف من مرارته لأنه
ظل يعاني بمفرده نتائج سياسة النظام العسكرية والأمنية.

كل هذه الظروف مجتمعة إلى جانب استمرار تشتت
الصف الكردي، دفعت بالشعب الكردي نحو الضياع والتشرد والهجرة، حتى أصبحت المناطق الكردية
مهددة جدياً بالتفريغ والتغيير الديمغرافي، وإزاء هذا الوضع الكارثي كان لابد من
صرخة عالية لإيقاظ الضمير لدى الرأي العام الوطني والكردي والكردستاني، لتقول كفى
التناقض في رفع الشعارات، وفي مقدمتها التناقض الصارخ في الدعوة إلى الحل السلمي،
إذ من جهة يصر الجميع على هذا الحل وفي الوقت نفسه يرفضون الجلوس المباشر مع
النظام على طاولة المفاوضات والحوار معه. 

 
وقد جاءت هذه الصرخة الجريئة واضحة من جانب أحد
أبرز وجوه المعارضة الوطنية الكردية السورية، وهو الاستاذ عبد الحميد درويش، سكرتير
الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، في يوم 24/4/2015، خلال إلقائه ندوة
سياسية بمدينة هولير حضرها حشد كبير من القوى السياسية الكردية والكردستانية
والكوادر الحزبية والثقافية المتقدمة، حيث ركز فيها على محورين، الأول: الدعوة
بعيداً عن أجواء الإرهاب الفكري، إلى العمل معاً من أجل إيجاد قناة للحوار المباشر
مع النظام الذي يعتبر شئنا أم أبينا الطرف الآخر من المعادلة، بهدف إيقاف هذه
الكارثة والوصول إلى حل يخدم مصلحة الشعب السوري عموماً والكردي بشكل خاص، وفي هذا
المجال أبدى أسفه عن عدم تلبية دعوة اللقاء مع بشار الأسد آنذاك، والمحور الثاني:
تركز على رفضه للسياسة التي يتبعها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، مؤكداً بأن تضحيات قواته من أجل حماية المناطق الكردية لا تشرعن
له ممارسة الديكتاتورية والتفرد، وفي هذا المجال وجه نداء للقوى الكردستانية لتحمل
مسؤولياتها التاريخية برفض هذه السياسة والوقوف في وجهها. 
 

ولابد من القول بأن الأصوات النشاز التي تصدر
هنا أو هناك لن تقلل من أهمية هذه الدعوة المخلصة لحماية الشعب الكردي من الكارثة المحدقة به، ولن
تنجح في التشويش على مضمونها الذي لا يصب إلا في خدمة قضيته القومية العادلة التي
تكاد أن تضيع بسبب التناقضات التي تتضمنها الشعارات المزاودة التي لا تساهم إلاّ
في تعميق الأزمة وإطالة عمر نظام البعث.. فهل يعني الحل السلمي.. سوى الحوار بعينه..؟!

 27/4/2015

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…