الكُـرد و الشقاق ….

زاوية نقاط على حروف *
المتعصبون الحزبيون أو المتحزبون, هم أولئك الذين يحاصرون
أنفسهم في مساحات أحزابهم وأفكارهم, ولا يترددون في بذل المساعي من أجل حشر
المؤيدين والجماهير بفئاته المختلفة وتطلعاته المتناقضة في مساحتهم الضيقة نسبياً
والمنيعة ضد التسامح والانفتاح والمرونة والنقد, والتي لا تستوعب التداول والرأي
الآخر, ولا إمكانية فيها للتنازل عما هو حزبي من أجل المصلحة العامة, كما تقتضيها
قوانين السياسة وتمليها روح المسؤولية .
حقن الشارع الكردي على الدوام  بجرعات
عصبية, من قبل بعض السياسيين, لا يخدم قضيتنا العادلة , بقدر ما يكرّس الشرخ ويوسّع
الهوة بين التوجهات المختلفة, ورصد كل طرف لسلبيات الطرف الآخر واختلاق الخلافات لا
يخدم العمل المشترك ومساعي توحيد الصفوف ومهمة تفعيل المرجعية السياسية الكردية
التي تفرضها المرحلة , بقدر ما يدفع نحو حالة خندقين  متخاصمين متبارزين, كما هو
حال الشارع الكردي السوري, وبالتالي ذهنيتين مختلفتين ضمن المجتمع الواحد,
وفي كثير من الأحيان ضمن البيت الواحد والأسرة الواحدة, حيث يتوزع أفراد العائلة
أحياناً بين تبعيتين هما (البارزانية ) و ( الأوجلانية ) ، لكل منها صورة قائدها
وعَلَمُها وأغانيها وقنواتها التلفزيونية , يختزل فيها كل طرف قضية الكرد القومية
والوطنية , على غرار ما جرى  للفلسطينيين اثر تدخلات الجوار, وتكرّس خلال العقدين
الماضيين, فتحولوا إلى (فتحاويين) و (حمساويين), وبات ما يفرقهم أكثر بكثير مما
يجمعهم حول القضية الفلسطينية , وصراعاتهم لم تنتهِ حتى اليوم .
المجلسان
الكرديان ( بقايا المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي ) من جانبهما
والمتعصبون من قيادات الأحزاب, يساهمون في ترسيخ هذه الحالة كردياً من خلال
خطاباتهم التخوينية في الإعلام, وممارساتهم الاستفزازية على الأرض, فتزداد معها
مخاوف الغيورين, من أن تتحول قضية الكرد في سوريا إلى ساحة تجاذب وصراع على النفوذ,
بين تبعيتين تحاول كل واحـدة منها إلغاء أو تحجيم دور الأخرى, وإلى بورصة تستثمر
فيها القوى الكردستانية والإقليمية أسهمها السياسية .
خطر القوى التكفيرية على
المنطقة, والمناخات السياسية المتقلبة, وتنافس القوى الكردستانية على الصدارة,
ترافقها  ولادات قيصرية متتالية لأحزاب كردية سورية واصطفافات كيدية على عجل ضمن
أنساق هذا المحور أو ذاك تمثل في نظرنا حالة غير صحية  وأرضية مهيئة  لظهور أحقاد
وضغائن بينية قد تتكدّس مع  الزمن وتنفجر هنا وهناك في صورة صراع وعنف متبادل ,
ناهيك عن أن الانصراف إلى الجزئيات مقامرة بالفرصة التاريخية الحالية التي من
الممكن استثمارها لبلورة الخصوصية الكردية في سوريا, واستقلالية قرار الحركة
السياسية الكردية في تحديد موقع الكُـرد المناسب ضمن المعادلة الوطنية السورية
والقومية الكردستانية, لذلك أبدينا في أكثر من مناسبة عدم ارتياحنا لسياسة التخندق
والنزاع البارد بين الموالين لقطبي القوة العسكرية الكردستانية, وشاركنا في مساعي
ردم الهوة بينهما, ونحذِّرُ هنا من تصعيد جديد لهذه الحالة, لما قد يكون لها من
انعكاسات خطيرة ونتائج وخيمة, على حاضر القضية الكردية ومستقبل السلم والاستقرار في
المجتمع الكردي.
وما يبعث على القلق دائماً, هو فوضى الخطاب الكردي, ونبرة
المسؤولين التصعيدية, التي تدعو علناً إلى الاصطفاف والولاء لطرفٍ ضد آخر, ورمز
قومي ضد آخر, وعلم واحد ضد آخر, وكأن التعددية ممنوعة علينا ، ولا يناسبنا أن نكون
كشعب بأكثر من رمزٍ ورايةٍ في آن واحد, وكأننا لا نستطيع أن نحترم أكثر من قائدٍ أو
بطل قومي واحد , رغم  تاريخنا الحافل بالتضحيات والبطولات والرموز, من أمثال الشيخ
سعيد البيراني, وسيد رضا, والقاضي محمد, وعبد الرحمن قاسملو, وغيرهم كثيرون ….
وكأننا لا نستطيع أن نكون بأكثر من لون ورأي وحزب, وكأن التآلف والتحالف والتآذر
بين الطيفين الكردستانيين (هولير وقنديل) غير وارد وممنوع في حساباتنا, وكأن
أحزابنا هي حركات دينية صوفية والإشراك بربها الواحد الأحد كفرٌ ورِدّة, وكأن
حركتنا السياسية موبوءة بداء الانشقاق المزمن, و ليس بمقدور الكُـرد التخلص من تهمة
الشقاق !!!.
* جريدة الوحـدة – العدد / 260 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة
الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ) .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تمعنوا، وفكروا بعمق، قبل صياغة دستور سوريا القادمة. فالشعب السوري، بكل مكوناته، لم يثر لينقلنا من دمار إلى آخر، ولا ليدور في حلقة مفرغة من الخيبات، بل ثار بحثًا عن عدالة مفقودة، وكرامة منهوبة، ودولة لجميع أبنائها، واليوم، وأنتم تقفون على مفترق مصيري، تُظهر الوقائع أنكم تسيرون في ذات الطريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية….

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…