الواقع الكردي في سوريا

  مروان سليمان

في ظل الديكتاتوريات الموجودة في منطقتنا
التي تمنع السياسة و فنونها و تحرمها على المجتمع إلا على نفسها و الذين يدورون في
فلك الأنظمة القمعية ، بقيت مجتمعاتنا تأخذ نصيبها من الجهل و التخلف و الحرمان و
الحاجة بل و برز الفقر واضحاً نتيجة سرقة و نهب ممتلكات الدولة من قبل الحكام و
الأنظمة و أتباعهم في الوقت الذي تملك الدولة كل شئ، و كان للشعب الكردي نصيبه
أيضاً من هذا كله بالإضافة إلى أنه ينتمي إلى قومية أخرى مما جعل نصيبه من الظلم و
الطغيان مضاعفاً، فتجرأت الأنظمة المستبدة على القيام بحملات الإبادة و التعريب و
مصادرة الأراضي الكردية إلى آخره من هذه المشاريع العنصرية،
 و قد تم تعطيل تطور المجتمع على مختلف الصعد السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية،
و لم يبق أمام الكرد سوى البحث في القواميس السياسية لتطوير أنفسهم ذاتياً من جميع
النواحي، و في بداية الثمانينات في عز الإنقلابات العسكرية التركية تم تعزيز القوى
الكردية بروافد أخرى و من أجزاء أخرى من كردستان و لكن تحت رعاية أمنية و هنا تم
تفريق الشعب الكردي إلى مؤيد و مناصر لذاك الذي يتبع القوى الأمنية و بمباركة
القيادة السورية و ينفذ أوامرها و يخدم من أجل أجندتها و يتم غسل الأدمغة و حشوها
بما يتناسب مع الإرادة الأمنية و بين (معارض) يدعو إلى المطالبة بحقوق الشعب الكردي
في سوريا بالطرق السلمية و كان مصيره السجن و الإعتقال و الموت أحياناً، فأصبحنا
نغرق في صراعات للنفوذ ما بين قطبين مختلفين في الطريقة و التفكير و التعامل و حتى
في خدمة القضية الكردية.
إن التنظيمات الجديدة التي نشأت في ظل هذا الوضع كان
الهدف منها هو زيادة الإنقسام في الصف الكردي و خلق عداوات جديدة في المجتمع و
تنفيذ مصالح النظام السوري ليكونوا الورقة الرابحة من أجل الضغط بهم على الدول
المجاورة و خاصة تركيا و لمستقبل طويل الأمد حسب ما كان مخططاً في الدوائر الأمنية
و كله ليس من أجل حب النظام للشعب الكردي أو نصرة لقضيته العادلة و إلا لماذا تم
إهمال الشعب الكردي في سوريا و لم يشر إليه في دستورهم الجديد و في المقابل يتم دعم
حقوقه في تركيا؟.
عندما قامت الثورات في عدة بلدان و منها سوريا كان على الكرد
أن يحددوا موقفهم من التغيير و كان لهم الخيار ما بين النظام أو الثورة، و هنا
إختارت القيادات الكردية الثورة و لم يؤمنوا بالنظام الذي طالما ظلمهم على مدى
عشرات السنين فمن غير المعقول أن تثق به الحركة الكردية لمجرد موقف صغير و هو لقاء
القيادات الكردية في ظل هبة شعبية و ثورية تريد إقتلاع النظام من جذوره، و لكن
النظام كان له خيار آخر و هو دعم و مباركة حليفه السابق و عدو الأمس ليجعل منه صديق
اليوم للقيام بمهمة الدفاع عنه في المناطق ذات الغالبية الكردية على الأقل، و لكن
السؤال هل نحن سذج حتى نثق بنظام ديكتاتوري مستبد إن لم يكن تفكيرنا مثله ،و
طريقتنا في الأداء نفس طريقته و نفس المنهج و الإسلوب القمعي …………الخ و
عندما بحثت السلطات عنهم كانوا جاهزين لتسلم المهام و تعبئتهم من جميع النواحي و تم
توفير الأسلحة و المال و البيئة الخصبة و الأرضية الصالحة لممارسة مهامهم و كان
يظهر كل شئ واضحاً في وسائل الأعلام، و قد تم هذا من قبل فئة إحتكرت لحسابهم كل شئ
و استغلوا لحظتهم المناسبة بما يناسبهم و يناسب مصالحهم كما لو أنها كانت جاهزة
للتنفيذ على وجه السرعة، و هكذا تم تقوية طرف يمتلك كل شئ من المال و السلاح و
المقاتلين على حساب أطراف أخرى كانت متناحرة بقيت فارغة اليدين و لم يلتفت أحد
لمطاليبه.
و بفضل هذه السياسة الغبية (الممنهجة) من قبل مريدي النظام و زبانيته
تم تفريغ المنطقة الكردية على وجه السرعة من سكانها و تم فتح الحدود و نزح الناس
بمئات الآلاف من كردستان سوريا إلى الدول المجاورة و ما تبقى من الكرد بقي تحت
التهديد و الضغط سواء من أجل سحبه للتجنيد الإجباري في ظل إدارة ذاتية كما يقال و
من جانب واحد غير معترف بها حتى من النظام الذي يدعم من يديرون هذه الكرتونات
(الكانتونات) أو في ظل أحوال معيشية سيئة يعيشها المواطن أو إختطافه و ضياعه أو
رميه خارج الحدود، و هكذا بقي الشعب الكردي بين نارين، نار الهروب من وطنه و ترك كل
شئ خلفه و نار ضغط بني جلدته في إجباره على خدمة من لا يريدون الخير للقضية الكردية
و هذا ما يتضح في خطاباتهم التي ينادون بها جهاراً نهاراً بأنهم سوف يقفون ضد دولة
كردية في المنطقة أو على لسان حميدي الذي يرفض الكردية في الأساس حتى في
لفظه.
من يخدم القضية الكردية لا يقف ضد الطموحات الكردية أبداً إلا إذا كان
جندياً للغير و تحت الطلب و يخدم أجندات أنظمة تعادي الكرد و تعادي حقوقهم و
مطاليبهم العادلة، إذاً نستنتج بأن البعض قد إتفق معاً على دفن القضية الكردية بحيث
لن يقوم لها قيامة ناسين بأن الشعب الكردي الذي حافظ على وجوده منذ مئات السنين و
هو يرزح تحت الإحتلالات الفارسية و العربية و التركية و لم يستطيعوا أن يهزموا
إرادته فليكن في علم أقزام هذا الزمن بأن الكرد و إن ظهروا ضعفاء لفترة من الفترات
على مستوى الدعم الدولي لقضيتهم سوف لن يرضخوا للإملاءات و لن يبيعوا نفسهم و
قضيتهم لغيرهم  من سره زمن ساءته أزمان.
25.03.2025

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…