سوريا ثـورة متعثرة … طغاة جُـدد

 

افتتاحية جريدة الوحـدة *
من براثن
التخلف والجهل في العهد العثماني إلى مخلفات الاستعمار الأوربي للمنطقة ومؤثرات
تقاسم مناطق النفوذ ، ومن انقلابات العسكر إلى سياسات الحزب الواحـد والاستبداد
الأمني ، وأخيراً ليجد شعبنا السوري نفسه يعيشُ حالة كارثية جراء سياسات تدميرية
وممارسات إجرامية لنظام حكم عنيف وفي ظل ثـورة متعثرة تخضع لأجندات محلية وإقليمية
ودولية بعيدة عن طموحات السوريين ومصالحهم الحقيقية . وإذا كان ثمة تقدم في الحياة
الاجتماعية وفي تأسيس البنى التحتية والتطور العلمي ، فلقد كان مرده يعود إلى وفرة
ثروات البلد وطاقاته البشرية وكذلك تأثيرات سياسات العولمة والتطور التكنولوجي
والتقانة .
إنها أزمة بنيوية معقدة ، طفت أبشع صورها من صراعات مذهبية وطائفية
وأحقاد تاريخية على السطح والتي تجلت في حروب داخلية بينية مدمرة كان للخارج باع
طويل في تأجيجها ، بعد أن انحرفت الثورة باتجاه العسكرة والتسلح بدفع من النظام ،
فانحسرت الحركة الجماهيرية المدنية الديمقراطية المطالبة بالحرية والكرامة .
إن اشتداد وتيرة العنف وتزايد حجم الدمار ونزيف الدم وإطالة أمد الأزمة في سوريا ،
أدى إلى بروز تيارات أكثر تزمتاً وانتشار الاسلام السياسي المتطرف ووجهه الإرهابي
من تنظيمات تكفيرية تدعمها شبكات القاعدة العالمي ، مثل داعش وأخواتها ، وهي التي
تسيطر على الجزء الأكبر من المساحات الواقعة خارج سيطرة النظام ، وتحمل مشاريع
إسلاموية لا تمت بصلةٍ بالأهداف الوطنية والديمقراطية ، فأصبح الواقع السوري إلى
درجة خطيرة تحت رحمة أمراء حرب وطغاة جُـدد ، يرتكبون جرائم لا تقل عما يفعله
النظام بشيء ، في الوقت الذي تفتقد فيه المعارضة السياسية قيادةً متماسكة ، وباتت
سطوة السلاح تستحكم بالوقائع الميدانية إلى حد بعيد .
نسعى لتبيان الوقائع دون
أن نستعرض أوهاماً ، ورغم ضآلة فرص النجاح في هذه المرحلة لمبادرات إنسانية أو
سياسية ، ينبغي علينا نحن السوريون ألا نفقد الأمل ، ونسعى دائماً إلى تحريك المياه
الراكدة ، فعلينا البحث عن هويتنا الوطنية والإنسانية والكف عن الرهان على الخارج ،
ولعل بوادر إيجابية تلوح في الأفق ، من لقاء القاهرة في الشهر الفائت بين أطياف من
المعارضة السورية السياسية وإصدار بيان عقلاني عنه وتشكيل لجنة متابعة ، إلى اتفاق
وفدي هيئة التنسيق الوطنية وائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية أواسط الشهر
الجاري في باريس على مسودة لمشروع حلٍ سياسي ستعرض على مرجعيتيهما ، خاصةً إذا اتفق
الثلاثي السعودي التركي المصري على بلورة رؤية جديدة تحظى بدعم دولي ، وقد تُشكل
بريق أمل .
أما الاستثناء الكردي في سوريا ، إذا صح التعبير ، كحالة مجتمعية ،
يتميز بوجود إدارة ذاتية قائمة وبنشاط سياسي وإلى حدٍ ما ثقافي وفكري إنساني ومناهض
للإرهاب وتوّاق إلى الحرية والعيش المشترك ، ولديه قوة عسكرية وحيدة هي وحدات حماية
الشعب إلى جانب قوات الأسايش التي تتولى مهام الدفاع عن المناطق الكردية وحفظ الأمن
فيها ، وقد حظيت بإلتفاف جماهيري ودعم كردستاني ومساندة دولية ، خاصةً بعد انتصار
كوباني على داعش وكسر اسطورة إرهابها . وستتطور وتتقدم هذه الحالة أكثر فأكثر فيما
إذا نجحت المرجعية السياسية الكردية في تنفيذ مضامين اتفاقية دهوك دون تردد وسارت
بخطى حثيثة نحو بناء وتمكين إرادة سياسية وإدارية متماسكة ، في وقتٍ تحظى فيه
الحالة الكردية بقبولٍ ومباركةٍ دولية .
* جريدة الوحـدة – العدد / 259 / –
الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ) .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…