في المواقع «المستعارة» للأحزاب الكردية

صلاح بدرالدين
 لم تسمح المنظومة الأمنية
الحاكمة منذ انقلاب حزب البعث مرورا بأبشع الدكتاتوريات في عهد (الأسدين) الأب
والابن بأي تطور طبيعي حر في الحياة السياسية وكانت الموافقة الأمنية هي شرط ومفتاح
السماح لمشروعية الاعلان عن أي حزب أو تيار بما في ذلك أحزاب ” الجبهة الوطنية
التقدمية ” المدجنة أصلا وفي الساحة الكردية كان اليمين القومي قد وجد عونا له
وملاذا من أجهزة النظام عندما ضيق الخناق عليه من مناضلي الحزب الديموقراطي
الكردستاني – سوريا منذ بداية الستينات وتحديدا من جناحه اليساري في أواسطه الذي
طرح البرنامج المتجدد على طريق اعادة تعريف وصياغة وبناء الحركة الكردية السورية
 واتخاذ الاجراءات التنظيمية على ضوء القواعد الفكرية والسياسية الحاسمة والواضحة
لادانة النهج اليميني المنخرط مبكرا في مشروع النظام الذي كانت أولويته التخلص من
اليسار القومي الديموقراطي الذي كنت وبكل اعتزازمن قياداته لعدة أسباب : الأول
لارتهانه على الحركة الديموقراطية السورية المعارضة ورفعه شعار التغيير والثاني
لتمسكه بالحقوق الكردية المشروعة في اطار سوريا الموحدة والثالث لمده الجسور
وعلاقات التعاون مع فصائل وقوى حركة التحرر العربي والفلسطيني والرابع لوقوفه الى
جانب البارزاني قائد الحركة الكردية في العراق .
 وهكذا ورغم فقدان اليمين
للصدقية وانعزاله عن الجماهير وانفضاض الناس من حول حزبه وبعد أن خسر الشرعية
الكردية استعاض عنها الحماية الأمنية والمزيد من الارتماء في أحضان أجهزة النظام
والشراكة العملية معها في – محاربة – اليسار القومي ( الانفصالي المتشدد !!
والموالي للجيب العميل !!؟؟ في شمال العراق ) بحسب تعبير اعلام النظام السوري
وبيانات الحزب اليميني الكردي .
 في بداية الثمانينيات حذا الوافد الجديد (عبد
الله أوجلان) حذو اليمين فقبل أن يحط الرحال في منزل (جميل الأسد)  كان معزولا عن
ساحة كردستان تركيا فانطلق من البيئة الجديدة ومن ضمن الاطار المرسوم له من جانب
أجهزة النظام الأمنية وعلى ضوء مشروعه العام تجاه القضية الكردية بالمنطقة بما في
ذلك انكار وجود الكرد السوريين ومواجهة حركتهم وتوجيههم نحو الشمال والتحرك ضمن
خطوط الأمن القومي الذي كان يتطلب أيضا مو اجهة فدرالية اقليم كردستان العراق
وتصفية منجزات شعب الاقليم .
 لم يكن هذان النموذجان الوحيدان في – استعارة –
المواقع من نظام الاستبداد السوري والسير ضمن أجندته في الداخل والخارج بل ظهرت منذ
التسعينات تنظيمات ومجموعات حزبية منشقة في عمليات مخططة كانت بصمات اللواء محمد
منصورة رئيس جهاز الأمن العسكري في القامشلي ومسؤول الملف الكردي بادية عليها ذهبت
أبعد ماذهب اليه النموذجان السابقان الى درجة أن متزعم اليمين صرح قبل أيام (أن
مسؤولي الأحزاب الكردية السورية مرتبطون بالأمن السوري) وعلى الأغلب لايستثني شخصه
ولو بحياء .
  عندما وجدت هذه الأحزاب (نقصد قياداتها ولأنها بدون قاعدة نقول
الأحزاب) منذ اندلاع الانتفاضة السورية الثورية وبعد أن تزعزعت قاعدة النظام وآل
الى السقوط وهانت الآمال وبما أنها لاتستند الى قاعدة شعبية أصيلة وحاضنة جماهيرية
نشيطة بدأت البحث عن مصادر جديدة لتستعير منها مواقع وتحتمي تحت ظل دعمها المادي
المعنوي واسنادها فكان البعد القومي بالجوار شمالا وشرقا .
 المشهد الحقيقي
الراهن في الساحة الكردية السورية على الشكل التالي : سلطة الأمر الواقع وحزب
الاتحاد الديمقراطي وتفرعاته العسكرية والأمنية والادارية يستمدون شرعيتهم ووجودهم
من تاريخ وتراث الحزب الأم (حزب العمال الكردستاني التركي) وهو حزب شمولي شبه عسكري
مثار الجدل والاشتباه منذ ظهوره ويعتبرون قائده رمزا يفتدى من أجله ومرجعية فكرية
وسياسية وأقواله بمثابة آيات منزلة وبذلك فان عمليتي (الاعارة والاستعارة) طبعتا
تواجد هؤلاء الوافدين على ساحتنا من دون تجاهل أنهم بصدد تعويم الوجود عبر المواجهة
مع – داعش – وتعميق التعاون مع النظام من فرضية عدم نجاح اتفاقية السلام في تركيا
.
 من جانب آخر فان أحزاب (المجلس الوطني الكردي) التي تراجعت شعبيتها الى درجة
الصفر وبكل تاريخها – الانشقاقي – الحافل بمواجهة اليسار القومي الديموقراطي تحت
حجج ذرائع لاتعد ولاتحصى وترعرعها في مدرسة – محمد منصورة – ودورها في تصفية وازاحة
الحراك الشبابي الكردي الثوري فقد بقيت عارية ومعزولة عن الجماهير وهي الآن تستمد
ديمومتها المادية والمعنوية من صدقات الاشقاء في اقليم كردستان العراق بل – تستعير
– من الاقليم حتى الصورة والخطاب .
  سبق وقلنا ونؤكد مجددا أن اعادة بناء
الحركة الوطنية والشخصية الكردية السورية المستقلة تمر بالضرورة عبر عقد مؤتمر قومي
– وطني قوامه الحراك الشبابي والمستقلون ومنظمات المجتمع المدني وبعض أنصار الأحزاب
وبحضور ممثلي الثورة والأشقاء باقليم كردستان العراق كمراقبين من أجل وضع مشروع
برنامج واعادة الجسور مع قوى الثورة والمشاركة في المصير الوطني لتحقيق أهداف
الثورة وصولا الى سوريا الجديدة التعددية المنشودة .

  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تُعتبر الدساتير المرجعية القانونية الأسمى في الدول، حيث تحدد شكل النظام السياسي، وتؤطر العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتؤسس لمبادئ المواطنة والحقوق والحريات. غير أن بعض الدساتير، ومنها مشروع الدستور الجديد للجمهورية السورية، التي يقدمها الدستور بأنها” الجمهورية العربية السورية” يحمل في طياته تناقضات جوهرية بين النصوص المعلنة والغايات الفعلية التي تهدف السلطة إلى تكريسها، بتدبير تركي…

د. علي القره داغي الحمد لله الذي جعل التوافق بين أبناء الأمة من أسمى الغايات، ورفع من شأن العدل والمصالحة، وأمر بالحوار والائتلاف، وجعل السياسة الحكيمة قائمة على العدل والإحسان والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في سياق المسؤولية الشرعية، والواجب الفقهي، والتقدير…

صلاح بدرالدين تحية طيبة الموضوع: اتفاق الشرع – عبدي بعد سقوط نظام الاستبداد في الثامن من كانون اول / ديسمبر الماضي ، والانتقال الى مرحلة جديدة ، بات ترتيب البيت الكردي السوري ، وتجاوز الانقسامات ، وتحقيق المصالحة ، والتوافق على مشروع قومي – وطني موحد في مقدمة أولويات مهام المرحلة الراهنة ، وهي الى جانب كونها مطلب…

إبراهيم اليوسف   لقد أصيب ملايين الكرد السوريين كما أخوتهم السوريين، داخل الوطن وخارجه، بخيبة أمل كبيرة بعد تلقيهم مسودة الدستور السوري الجديد التي أقرت من قبل السيد أحمد الشرع، دون أن تتضمن أي إشارة إلى الكرد أو حتى مضمون الاتفاق الذي تم مع السيد مظلوم عبدي. ذلك الاتفاق الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع الكردي بين رافضين لم يجدوا…