الواقع الاقتصادي في جنوب-غربي كردستان.. لمحة مقتضبة.. الجزء الثاني

د. محمود عباس

  ورغم كل هذه الخطط والدراسات العنصرية،
حصل تناقض بين ما ذكره الأسد عن نسبة الكرد والبالغة حسب إحصائيته 36% والمنشورة من
قبل دراسات بعثيي المنطقة مدونة أل 30%. هذا التضارب يبين أن:
1-  الدراسات
المطروحة لا تملك الدقة وتستند إلى نوع من طرق الإحصاء المطعونة فيها حسب النظريات
الإحصائية العلمية المعتمدة العالمية.
2-  كما وهي ملغية نظريا، بسبب التركيز
على التجمعات السكانية، دون دراسة تاريخية لظهور هذه التجمعات، متى ومن أين
استقدموا، وكيف تأسست هذه القرى، وكم هي عدد العائلات في كل تجمع؟
3-  كما لا تستند إلى البنية العلمية لإقامة الدراسات الإحصائية، بتعداد
الديمغرافية بشكلها المجرد، أي عدد السكان لا عدد التجمعات.
4-  مثل هذه
الدراسات يجب أن تكون بإشراف دولي مستكفية المعايير الدولية المعتمدة، وليست حسب
شروط سلطة شمولية عنصرية، وهنا لا بد الأخذ بعين الاعتبار مشاريع التعريب وعلى مدى
عقود.
5- إضافة إلى إنها دراسات جاءت بعد تهجير الكرد واستيطان العرب في
المنطقة، مستمدة معلوماتها من فترات الحكومات الشوفينية الشمولية، دون التطرق إلى
الفترات التي سبقت النظام العنصري.
6- والأهم هو عدم إشراك صاحب القضية في
الدراسات، أو عدم الأخذ بدراسات الجانب الكردي إلا لدحضه.
  ورغم هذا التلاعب
بنسبة الكرد السكانية في المنطقة، فالتوزيع الوطني للإنتاج القومي العام لا تتساوى
نسبته مع ربع النسبة السكانية للكرد، التي قدمها بشار الأسد أو البعثي، أو المساحة
الجغرافية للمنطقة الكردية، إضافة إلى التمييز العنصري في توزيع الدخل القومي، تكاد
تنعدم نسبة الاستثمار في المنطقة، مع إهمال معظم القطاعات، وخاصة الصناعية منها،
كالصناعات التحويلية، والتي لا يوجد مصنعان في كل المنطقة الكردية يقارب عدد
عمالهما الـ 100 عامل، ولا تتجاوز نسبة الصناعات البتروكيميائية 2% في كل سوريا،
رغم أنها تقدم أكثر من 40% من الصناعات الاستخراجية الرئيسة في البلد. والملفت
للنظر أن نسبة المصانع المنشأة في المنطقة لم تتغير منذ أيام الفرنسيين وإلى الوقت
الحاضر. ونسبة الاستثمارات في البنية التحتية للمنطقة مقارنة بالمناطق الأخرى وبشكل
خاص في الساحل والمدن الكبرى تكاد تنعدم، كالطرقات والمطارات ومراكز توليد
الكهرباء، وصرف المياه الصحية، والمستشفيات، والمدارس، وغيرها من قطاع الخدمات،
والتي لا تزيد عن 10% من النسبة الكلية، إضافة إلى نسبة الاستثمار في مراكز التعليم
العالي، والتي كانت معدومة حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي. وشمل كل هذا
الحظر الممنهج لمنشآت قطاع البناء الخاص وعن قصد بمرسوم جمهوري ذي رقم (49). هذا،
وإذا علمنا أن استثمار ذلك القطاع كان ممولا من كرد المنطقة. وأدي هذا المنع إلى
تفاقم نسبة البطالة، وقضى على الاستثمارات المحلية، مما اضطر الكردي المستثمر إلى
تهريب رأسماله إلى الخارج، وبالتالي نزحت اليد العاملة الشابة والماهرة والخبيرة مع
الاختصاصيين من المنطقة، فحالت جنوب-غربي كردستان إلى ما هي عليه الآن، ومن الطبيعي
أن يتحدث عنها بشار الأسد بما يحلو له: عن الفيدرالية، والنسبة السكانية، والتعامل
مع الخارج وهلم جرا. بعد صمت مطبق مكتنف بالحظر عن الكرد وعن القضية الكردية، منذ
استيلاء البعث على السلطة. 
   العلاقة الجدلية بين الشعب وجغرافيته، أو الرابط
بينهما، ليست بالديمغرافية وحدها تُعرّف، فهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية وهي
التاريخ والجغرافية والبيئة، وهناك نظريات أخرى في القومية والانتماء القومي، وبها
مجملا يُعرّف وجود الشعوب ومناطق سكناهم. 
  علّمنا نفس التاريخ الذي درّسنا
البعث في مدارسه، أن المنطقة لم تعرف للعرب وجودا حتى بعد ظهور الإسلام بفترة
طويلة. وهنا لا نتطرق إلى العمليات السرية التي تقوم بها مراكز سلطته الأمنية،
ومقارنتها بالمهجرين والمستوطنين، والذين جلبوهم إلى المنطقة بقصد التغيير
الديمغرافي للمنطقة، ومن ثم الطعن في جغرافيتها والتلاعب بتاريخها. لا شك أن
ادعاءات السلطة بحق المنطقة ملغية؛ هنا نلوم ونلقي العتب على الهيئات الدولية
ومراكز البحوث العالمية التي هي أدرى من غيرها بتاريخ المنطقة وديمغرافيتها، وما
آلت إليه بعد تولي الشوفينيين السلطة في دمشق، ولكنها تفضل إرضاء المصالح على
النزاهة والأمانة العلمية.
ثراء كردستان، معروفة لكل اقتصادي وسياسي، ولا تغيب
عن بال الأنظمة المستعمرة، لكنها تتنكر لكيان أمة وتهمش شعبا برمته وتلغي تاريخا
على امتداد آلاف السنين، كحالة استباقية لتضمين مصالحها مع الأنظمة المغتصبة
لكردستان. والنهج الإلغائي كان ممكنا قبل الثورة المعلوماتية. بتطور وسائل الإعلام
تطور معها الوعي البشري سياسيا ومعرفيا، بما فيه المنطقة وشعوبها. بالمقابل أصبحت
كل سلطة في الدول المقتسمة لكردستان تنفي وجود القضية في جغرافيتها أو تقلصها بشكل
مريب ومرعب، والأنظمة السورية العروبية والبعث بشكل خاص أنكرت وجود الكرد وكردستانه
في جغرافية الدولة المتشكلة حسب مصالح المستعمر في بدايات القرن الماضي.
وجدت
الأنظمة السورية، امتلاكها لوجهات نظر واقعية بالنسبة لمصالحها العنصرية العروبية،
ولم تتوانى في استخدام

يتبع…

د. محمود
عباس

الولايات المتحدة
الأمريكية

mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…