كوردستان سوريا وواقعها الراهن

أحمد حسن -عفرين

إن التواطؤ الدولي والإقليمي مع النظام الدكتاتوري الدموي في سوريا بالإضافة الى ضعف المعارضة السورية وتشتتها على المستويين السياسي والعسكري وعدم تلقي الدعم الكافي سياسيا وعسكريا من دول الإقليم والعالم والمنظمات الدولية (الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الإنسان …………..) أدى الى طول أمد عمر النظام وجعلت من الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت في 15/3/2011 تمر بمراحل عدة التي أنهكت كاهل الشعب السوري نتيجة عنجهية النظام وأدواته التشبيحية ومحوره الشرير الذين تعاملوا بكل وحشية مع سوريا (شعبا ووطنا) والشعب الكوردي حاله كحال الشعب السوري عامة يعاني ظروفا سياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية ومعاشية ……. صعبة إضافة الى قمع الحريات الفكرية والسياسية وكم الأفواه والاعتقالات الكيفية …. الخ ويمكن رصد الواقع الراهن للشعب الكوردي في كوردستان سوريا من خلال مناقشة النقاط الآتية:
1)    الانقسام الكوردي – الكوردي بين المجلسين: لا شك أن سوريا تمر بمرحلة سياسية كبيرة مع قرب انتهاء مئوية اتفاقية سايكس – بيكو التي أبرمت عام ( 1916 ) وكذلك انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ( 2016 ) الذي انتهج السياسة الناعمة أو سياسة التحكم عن بعد التي تتمثل في سياسة الحزب الديمقراطي في أمريكا وأهمية ذلك تكمن في أن أمريكا دولة من القوى المحركة للسياسة العالمية بل ورئيسة التحالف الدولي لصناعة القرار  . اذا مع نهاية عام ( 2016) ستكون سوريا مقبلة على تغيرات دراماتيكية كبيرة وعميقة بعد تولي الحزب الجمهوري في أمريكا التي ظهرت تباشيرها الأولية في الانتخابات التي جرت في الكونغرس الأمريكي في ( 2014 ) وكانت الكفة راجحة لصالح الجمهوريين الذين غالبا ما يلجئون الى الأساليب العسكرية وبالتالي يؤدي الى تغيير ديموغرافية سوريا وإعادة ترتيب اتفاقية سايكس – بيكو التي ستغير جغرافية سورية والمنطقة وتكون بمثابة منعطف تاريخي التي غالبا ما ترافقها انقسام دول وانشاء دول وأقاليم جديدة وقص ولصق لأقاليم من هنا وهناك عرقية كانت أم طائفية أو مذهبية ….. والشعب الكوردي لاشك أنه رقم في هذه المعادلة والذي لابد أن يستفيد من هذه المرحلة التاريخية الخطيرة والكبيرة فهل الكورد في سوريا يملكون مشروعا قوميا يحولهم الى جني الثمار التي طالما كانوا يناضلون باسمها وفي سبيلها . فلإنجاز أي مشروع تحتاج الى أدوات فاعلة لإنجاحها فالقوى السياسية الكوردية مازالت مشتتة وموزعة بين المجلسين (ENKS) و (Tev-Dem ) وهي على تنافر وتناقض دائم ولا تستطيع أن تنجز تمثيلا موحدا أو اتفاقية لوحدة الصف الكوردي رغم العديد من الاتفاقيات التي تمت في إقليم كوردستان العراق وبمبادرة ومباركة من الرئيس مسعود البارزاني الذي بذل جل اهتمامه لوحدة الصف الكوردي لتحقيق طموحات وأهداف الشعب الكوردي . لكن جميع هذه الاتفاقيات باءت بالفشل بين المجلسين لعدم وجود رغبة ونية صادقة من جهة وعدم وجود التكافؤ من جهة أخرى فأحدهما يملك قوة عسكرية على الأرض وبيده القرار والآخر لا يملك قوة عسكرية فلا حول ولا قوة له وتدخل القوى الإقليمية من جهة ثالثة علما بأن المجلسان وجميع القوى الموجودة خارجهما كلها مجتمعة تكمل بعضها البعض و تكون أقرب الى امتلاك الحقيقة. 
2)    سلطة الأمر الواقع: عدم تنفيذ اتفاقيات ( هولير1 – هولير2 – دهوك ) أدى الى استفراد الـ ( PYD ) وتوابعه بالسلطة .هذه السلطة ليست منتخبة من الشعب وبالتالي فهي لا تمثل الشعب الكوردي في كوردستان سوريا بل تمثل طرفا سياسيا بعينه وأدى الى تهميش دور ( ENKS ) والقوى الأخرى من حركات شبابية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب الموجودة خارج الاطارين وبالتالي أدى الى الضعف في الأداء والواجبات تجاه الشعب والوطن نتجت عنها الكثير من الكوارث والمصائب من هجرات وكم الأفواه وقمع الحريات والاعتقالات وفرض الأتاوات والتجنيد الاجباري …الخ
3)    فرض الأتاوات الكبيرة: نتيجة الظروف التي مرت بها الثورة السورية وطول أمدها أدت الى خلق أزمات اقتصادية ومعاشية صعبة أنهكت كاهل المواطن السوري عامة والكوردي خاصة وما زاد الطين بلة فرض الأتاوات الكبيرة من قبل سلطة الأمر الواقع في المناطق الكوردية وغلاء الأسعار للمواد الأساسية التي يحتكرها ويتحكم بها تجار الأزمات أدت الى معاناة مزدوجة واضافية.
4)    خطف القصر: من المشاكل التي تعترض الواقع الكوردي في كوردستان سوريا ظاهرة اختطاف وتجنيد القصر ومن كلا الجنسين وفي هذا السياق فإن خروقات كثيرة حصلت في مختلف المناطق الكوردية سواء من خلال بث روح الحماس فيهم أو اغرائهم أو التلاعب بعقولهم أو اختطافهم جبرا سواء كان من منازلهم أو مدارسهم أو أماكن عملهم أو حجزهم على الحواجز والأمثلة كثيرة وكانت آخرها اختطاف الطفلة همرين عيدي ذات ( 16  ) عاما في عامودا بريف الحسكة و نورا حسين من قرية المعبطلي التابعة لمنطقة عفرين يوم عرسها في 10/1/2015.
5)    قمع الحريات وكم الأفواه: إن سياسة الحزب الواحد وعدم قبول الآخر المختلف التي انتهجها حزب الـ ( PYD ) وتوابعه أدى الى ضعف الحياة السياسية وقمع للحريات الفكرية والثقافية والسياسية التي أدت الى خلل عام في كافة مناحي الحياة وأدى الى عدم القيام بأدوارهم كل من المبدعين والمفكرين والمثقفين والسياسيين في المجتمع الكوردي وبالتالي عدم التفاعل مع مستجدات الثورة السورية والوضع السوري العام .
6)    الاعتقالات الكيفية: إن سلطة الأمر الواقع المفروضة من قبل الحزب الواحد الذي يرفض كل من يختلف معه بل ويستخدم كافة الأساليب القمعية لكبح نشاطات الأحزاب والمنظمات والحركات الشبابية المختلفة معهم واعتقال النشطاء منهم في مختلف المناطق الكوردية هذه الاعتقالات التي تنافي مبادئ حقوق الانسان والمواثيق الدولية فما زال هناك الكثير من المحتجزين والمعتقلين في سجون الـ ( PYD ) ومنهم على سبيل المثال في منطقة عفرين : سيامند بريم، بيازيد معمو، شكري بكر، ادريس علو، أحمد سيدو، محمود كوريش، لازكين بركات وآخرين غيرهم والذين مضى على احتجاز معظمهم أكثر من سنة    
7)    تخريب العملية التربوية والتعليمية: إن العملية التربوية والتعليمية من العمليات الهامة والدقيقة جدا التي تخص بنية المجتمع حاضرا ومستقبلا فالعملية التربوية والتعليمية الناجحة تؤدي بالأمم والشعوب الى الرقي والتطور والازدهار ( اليابان وألمانيا ) مثالا بعد الحرب العالمية الثانية . أما العملية الفاشلة تؤدي بالشعوب والأمم والدول الى المزيد من الأمية والتخلف والجهل . وما العملية التربوية والتعليمية التي فرضت على المناطق الكوردية إلا خير مثال على العمليات الفاشلة التي تعود بنا الى حقوب من الزمن الى الوراء فكيف يفرض الدراسة من الصف الأول الى الثالث الابتدائي باللغة الكوردية التي تعتبر الصفوف المؤسسة للصفوف التي تليها في ظل عدم توفر الكادر التعليمي الجدير والمناهج اللائقة والمستلزمات المدرسية فالعملية التعليمية كل متكامل . لا شك أن اللغة الكوردية مهمة ويجب أن تدرس كمادة ضمن المواد الأساسية لتوفر الكادر الأكاديمي والمناهج والمستلزمات المدرسية ( انها كلمة حق يراد بها الباطل ) مما أدى الى تخريب وهدم للعملية التربوية والتعليمية وبالتالي الى المزيد من الهرولة نحو الأمية والجهل والعودة بنا الى الحقب المظلمة .
8)    الهجرة: إن السياسة التي انتهجها النظام الدكتاتوري في ملاحقة وقمع واعتقال السياسيين والمفكرين والمثقفين والنشطاء إضافة الى سلطة الأمر الواقع في المناطق الكوردية وفرض الأتاوات والغرامات الكبيرة وخطف القصر والتجنيد الاجباري وقمع الحريات وكم الأفواه والاعتقالات الكيفية وهدم العملية التعليمية والظروف المعيشية الصعبة نتيجة غلاء الأسعار واستغلال تجار الأزمات للوضع ….. كل ذلك أدى الى الهجرات الكبيرة من المناطق والمدن والبلدات والقرى الكوردية مما حال الى ضعف هذه المناطق سكانيا.
9)    التغيير الديموغرافي للمناطق الكوردية: إن الهجرة (التهجير الممنهج) الكبيرة والممنهجة والمدروسة من قبل النظام وأدواته التشبيحية في المناطق الكوردية واسكان آخرين وفسح المجال أمامهم براحة وسعة صدر (لغاية في نفس يعقوب) لا من بابه الأخوي والإنساني. كل ذلك أدى الى التغيير الديموغرافي (الجغرافي / السكاني) في كوردستان سوريا سيكون لها تبعات وتراكمات صعبة تضيف عبئا إضافيا الى تعقيدات الوضع الكوردي مستقبلا.
من خلال رصد ما سبق نجد أن واقع الشعب الكوردي في كوردستان سوريا يحتاج الى الكثير من التوافق والتكاتف والتضامن ووحدة الصف وتقبل الرأي والرأي الآخر والالتزام باتفاقية دهوك لإنشاء المرجعيات (السياسية – الإدارية – العسكرية) وإيجاد ممثل وحيد يمثل الشعب الكوردي في كافة المحافل الدولية والإقليمية والوطنية لتحقيق أماني وطموحات الشعب الكوردي التواق الى السلام والحرية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…