لماذا لا يحق للكورد إقامة دولتهم؟

جان كورد
قال رئيس الوزراء التركي، السيد أحمد داوود أوغلو، للجريدة الألمانية الشهيرة “فرانكفورتر ألغماينه” (أنظر الموقع الالكتروني للجريدة ليوم 16.01.2015) تحت هذا الرابط:
  رداً على سؤال طرحته الجريدة عليه بصدد “انفتاح نافذة للكوردالعراقيين ليعلنوا عن دولتهم المستقلة ومدى خطرها على تركيا” بأن الدولة الكوردية لن تكون خطراً على تركيا، وإنما ستكون سبباً في عدم استقرار المنطقة، فيما إذا تغيّرت الحدود، فستكون هناك نزاعات مسلحة ومشاكل كثيرة بين الدول، ومن الأفضل الإبقاء على هذه الحدود كما هي، وبناء حكومات قوية وتضامنية في أجواءٍ جديدة، تكون فيها كل المجموعات القومية والدينية متمثلة.”

تناقض ليس كمثله تناقض، وذلك لأن السيد أحمد داوود أوغلو الذي يبدو للوهلة الأولى سياسياً إسلامياً وعصرياً في الوقت ذاته ويساهم بقوّة في تطوير وتحديث تركيا غير قادر على تجاوز عتبة البيت الطوراني إلى العالم الحر الذي يؤمن بالعدالة والحرية لكل القوميات والأديان والشعوب، فهو يدافع بجوابه هذا عن بقاء تلك الحدود التي رسمها المستعمرون في عام 1916 بموجب اتفاقية سايكس – بيكوالشهيرة، ولو كان في ذلك تقسيم للشعب الكوردي ووطنهم كوردستان. ومعلوم لدى كل أبناء المنطقة أن هذه الحدود قد وضعت للإبقاء على جذوة نار المشاكل النزاعات المسلّحة مشتعلة في المنطقة، وليس لحلها وإطفاء النيران في حقولها.

طالما الدولة الكوردية المستقلة “ليست خطراً على تركيا” كما يقول في بداية جوابه، إذاً لماذا التراجع مباشرةً عن ذلك بالزعم أن “تغيير الحدود سيكون سبباً في عدم استقرار المنطقة”، فهل كان الكورد سبب الحرب العراقية – الإيرانية لمدة تزيد عن الثماني سنوات؟ أم هل كان الكورد سبب عدوان جيش صدام حسين على الكويت واحتلاله؟ أم أن الكورد كانوا سبب النزاعات السياسية الشرسة بين نظامي البعث في العراق وسوريا لعقودٍ طوبلةٍ من الزمن، أم هم الذين أوقدوا نار الفتنة بين شعب جزيرة قبرص؟ والحروب العديدة بين العرب والاسرائليين؟أم كانوا وراء الحروب الطويلة الأمد بين الدولتين العثمانية والصفوية؟

يقول هذا السيد اللطيف في عباراته في مقابلاته وتصريحاته بأن بلاده ملتزمة بالمواثيق والعهود الدولية، فهل يتضمن ذلك الالتزام بحق تقرير المصير للشعب الكوردي أيضاً؟ فإن التزم بقبول هذا الحق الدولي فلماذا لا يكون للكورد الحق في إقامة دولتهم المستقلة على أرض وطنهم كوردستان أسوةً بسواهم ممن يدافع السيد أحمد داوود أوغلو بحماسٍ منقطع النظير؟ ولماذا تدخلت حكومة بلاده بشدة في قضية “كركوك” الداخلية في العراق، بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم جنوب كوردستان، ورفضت تصحيح وضعها الإداري بقوة على الدوام.

يطالب السيد وزير الخارجية التركية في المقابلة ذاتها بمزيدٍ من الحقوق للأتراك والمسلمين في أوروبا، ويضع حركة “بيغيدا” المطالبة في أوروبا بوقف تدفق مزيدٍ من المهاجرين المسلمين على أوروبا في ذات المستوى الذي يضع فيه “تنظيم الدولة الإسلامية” المعروف باسم (داعش)، حيث يقول بأن هذه الحركة تمتلك ذات العقلية التي لدى داعش، وشتان ما بينهما، فإن (بيغيدا) لا تزال حتى الآن حركة سلمية غير مسلحة وإن كان يعشعش في صفوفها نازيون جدد ومعادون للإسلام ولربما فئات إجرامية مستعدة للقيام بأعمال تخريبية ضد مساجد وجمعيات وممتلكات للمسلمين، بل وضد شخصيات مسلمة، إلاً أنه من غير المعقول تشبيهها ب(داعش) الإرهابية أصلاً.

وهكذا نجد أنفسنا أمام سياسة تركية خارجية غير متوازنة، في ظل رئيس الوزراء السيد داوود أوغلو الذي يسعى لإرضاء العنصريين الطورانيين أكثر مما يسعى لتحقيق العدالة التي ينطق بها أكثر من كل الذين سبقوه في الحكم، وسياسته هذه سواءً تجاه الكورد في العراق وسوريا وسواءً حيال التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة الأوروبية، وبخاصة بعد الجريمة الجماعية الكبيرة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس قبل أيام، ولقيت رد فعل عالمي واسع. لن تخدم السلام والأمن والاستقرار الذي توقّع البعض تحقيقها في عهده.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…