ابراهيم محمود
معرفياً، هناك خلط عجيب غريب، جهةَ استخدام عبارة ” الكرد لم يكتبوا تاريخهم “، من قبل المعنيين بها كردياً. العجيب هنا يخص الصادم، الجديد عُهدةً، والغريب هو الذي يصعب تفهُّمه إذ يرتبط بالأول . ويتجلى الخلط ذاك في خاصية المتكلّم الكردي ” مقول القول ” وما يمثله موقعاً على الأرض أو في الواقع: بالمعنى الأكاديمي، حيث يجد الباحث نفسه في مواجهة مصادر تتعرض للكرد ” الأكراد هنا “، بطريقة تقلل من مكانتهم وقيمتهم كثيراً، مصادر مكتوبة بلغة الآخر، غالبه، وبالمعنى الاجتماعي، حيث يفتقر الكرد إلى مفهوم ” الشعب ” الذي يشار إليه عملياً، وقومياً، إذ يتم تغييب الكيان السياسي للكرد. الأول يعطى مسوَّغاً في قلة المصادر التي تعينه في بحثه، والثاني يواجه صعوبة تواجد كيان جماهيري موحد، والثالث، يقيم علاقته مع إطار سياسي عقائدي لكيان قومي لم يتشكل بعد .
لكن مسوَّغ الأول لا يمنَح للثاني، وأكثر منه للثالث، لأن ثمة خطاباً إيديولوجياً سافراً، قد يعتمَد عليه، لتبرير فشله في تحقيق ما هو منشود، أي ذريعة للتغطية على ظاهرة ” وليس حالة ” الافتئات الكردية، وله يد طولى فيها ، وتحديداً راهناً .
كما هو الاختلاف بين الباحث التاريخي الذي يدرس ” شرفنامه ” بدليسي، حيث تستوقفه إشارته البليغة، ومنذ أربعة قرون ونيّف، إلى مدى التنافر بين ” أولي أمر ” الكرد، حيث كلٌّ منهم يجد في نفسه زعاماتياً ما لا يراه في سواه، وكذلك الحال مع أحمد خاني، منذ أكثر من ثلاثة قرون، وهو يشير إلى هذه الميزة ” غير المشرّفة طبعاً ” عن أن الكرد لا يتفقون فيما بينهم، وهم دائماً في شقاق، ومضاعفات هذه العلامة الفارقة، والمعني بالشأن الاجتماعي وتداعياتها على بنية العلاقات الاجتماعية كردياً، والسياسي، أو ممتهن السياسة على ” الطريقة الكردية “، كما لو أنه يتنصل ” لا بل هو يتهرب ” من مسئولية هذا التشتت في ” الصف الكردي “. الأول ينخرط في بحث ما كان، والثاني، ربما في توصيف ما هو كائن، بينما الثالث، فهو يكاد يفتي فيما لا يكون ولن يكون، ليبرر أي مسلك مشين له في الانشقاقات الكردية والتي تفتنه فعلياً.
حسن إذاً، يمكن القول هنا، وبسهولة، وفي نطاق المفارقة المثيرة للسخرية كردياً: كان بابا طاهر الهمداني قبل عشرة قرون، حلوانياً وحكواتياً كردياً، وأن ملا جزيري قبل أربعة قرون كان مربّي دجاج ومشعوذاً كردياً، ومثله بدليسي المؤرخ تعريفاً، كان مؤلف أغاني غرامية من النوع الرديء كردياً، وأن أحمد خاني كان مشبوهاً فيما كتبه عن الكرد، فهو لا يعدو أن يكون قاصاً شعبياً مغموراً، وأن عائلة كل من بدرخان بك، والنهري، واسماعيل باشا شكاكي، وقدري جميل، والبرزنجي، والشيخ سعيد، وإحسان نوري باشا،وقاضي محمد…الخ، كانت نشطة في تجارة جلود الفقمة وريش البطريق وأسنان الفيلة وبيض النعامة، والمخدرات وغسيل رؤوس الأموال…الخ، كأن هؤلاء الذين لعبوا أدواراً لها قيمتها، أو مأثورها التاريخي والأدبي والاجتماعي والسياسي والقومي، لا يلبّون رغبة المتحدث في الشان ” السياسي ” الكردي؟! على المستوى الحزبي قبل كل شيء، ولا يمكنهم أن يشبعوا لديه دافع تمثل الحقيقة ذات الصلة بما يجري كردياً، في الاحترابات وتبادل الشتائم أو التسفيه الدَّوري..كأن المردّد مناسباتياً وعلى الملأ ” رغم أنف كل كردي كردي “، أن الذين يشار إليهم بالبنان في وضح النهار، لا يرتقون إلى مستوى الحكمة، أو ما يشبه القانون الذي يعلّم ويستوقف لاعب الدور السياسي” الحزبي في الواجهة “، ليقول في غفلة ما ” نعم، لقد أخطأت، أو بلغة جمع مطلوبة: نعم، لقد أخطأنا، وعلينا تحمل مسئولية النتيجة “. نعم، السياسي الكردي لا يخطىء، لأنه استثناء السياسيين في محيطه، لأن استثناء تاريخه يخوّل له أن يصول ويجول، دون أي تفكير في عاقبة معينة، وعلى الشعب الذي لم يجد نفسه شعباً بالمفهوم الكلي، إزاء هذا التشتت أو التشتيت، عليه بدفع ضريبة من يقول ” أنا الشعب وأنا قدره وتاريخه ولسان حاله ! “، ويبقى على الباحث الكردي عن الحقيقة أن يصرخ أو يكتب ما يشاء ناقماً، متوتراً، ومصاباً بلوثة جنونية ” كما هو معهوده “، يبقى على الأديب الكردي أن يثير في كتاباته ما يشاء إدانةً، أو استصراخاً لذاكرات الآخرين، أو باندفاع ناري، كما هي صفته، يبقى على المتجني الكردي على كرديته، أن يثير الشبهات ويسميها بواقعها وبالصوت والصورة، تأكيداً على دور الأعداء المشين في تفريق ” الصف الكردي “، وتبقى الكثرة ” غير المباركة؟!” في جمهرات المخضرمين في الحزبية الكردية والسياسة الكردية، وتابعيهم وتابعي تابعيهم، وتبقى الكرة النارية في مرمى الكرد ” القشّي: الهشيمي “، لأنهم معنيون هنا بإعطاء الجواب عن سؤال: لماذا لم يكتب الكرد تاريخهم ؟ أو: هل يمكن لهذا السؤال أن يستمر سؤالاً إلى يوم الدين ” الكردي “؟…لنشرّح الشعب الكردي إذاً ومعرفة” عزرائيله ” عن قرب، فهو المتَّهم وليس من يتكاثرون حباً ببيضه الذهبي…