إطلالة على الوضع السوري

 

سعيد فرمان 

 

دخلت منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من ثلاث سنوات مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر , مرحلة يمكننا تسميتها بالمصيرية والمفصلية , حالة الغليان والتأزم تلاحق كل مناحي الحياة وعلى كافة الأصعدة والمستويات , دوامة العنف والقتل والاصطفاف الطائفي مستمرة بوتيرة متصاعدة وتلاقي من يغذيها ويؤجج نيرانها , تطور الأمور والأحداث بطابعها العنيف والمنفلت أفرزت جملة من المعطيات أهمها رفع الغطاء عن الواقع السياسي والاجتماعي البائس لشعوب وقوميات المنطقة وأشرت في الوقت ذاته لكلاسيكية الطبقة السياسية وانسداد أفقها النضالي وعدم استيعابها أو تجاهلها لحالة التلازم المنطقي بين الحدث وشكل التعاطي والتعامل معه , الجغرافيا السياسية المصطنعة ( الحدود القطرية ) تُخترق على مرأى ودراية من حُماتها في أقدس مقدساتها وتؤذن بأفول وانهيار اتفاقية سايكس بيكو التي باتت تترنح وتبحث عمن ينقذها أو يمدها ببعض أسباب الديمومة والاستمرارية ,

 

ما كان يتراءَ لنا مألوفا ورتيباً وفق منطق القوة ( قوة العسكر والمركز ) وترهيب الأجهزة القمعية قد أميط اللثام عنه وأصبح في حكم المتحول والمتغير , ظاهرة التناحر والاستقطاب المذهبي والعرقي باتت تطفو على السطح وتعنون كل شيء ولم يعد بالإمكان إخفائها أو تجاهلها وبدأت معها لحظة أو مرحلة إعادة النظر في عملية الارتباط والاندماج القسريين لمكونات المنطقة وما عاد بالإمكان لوي عنق الحقائق والتجاوز عليها والركون لمنطق وقوانين السوط والعصا .
لقد فعلت الأحداث الدراماتيكية العنيفة فعلتها وهزت المنطقة برمتها وزلزلتها ووضعتها أمام منعطف حاد وشبه جذري من المتوقع أن تفضي لنتائج نوعية وفق القراءات الواقعية وما تؤشر إليه دراسات وتحليلات المراكز الإستراتيجية العالمية .
– نعم تمر المنطقة بعملية تحول وتغير شاملة ولكن المخاض وكما يبدو من سير الأحداث وتطوراتها الدموية مكلف وعسير , ففي سوريا على وجه الخصوص تستمر آلة القتل والدمار وبشكل أعنف وأكثر دموية في حصد المزيد من الأرواح والأنفس , وانتهاكات حقوق الإنسان والتشريد والتهجير جارية على قدم وساق , ما كانت تسمى بالثورة من اجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان قد أفرغت من محتواها وأصبحت موضع شك وريب لدى قطاعات اجتماعية واسعة بسبب إخضاع وتوظيف الهبة الشعبية الجماهيرية التي حدثت في سوريا وتحويرها لصالح التوجه المذهبي الطائفي وفي خدمة وصالح عملية تبديل المواقع بشأن الحكم والسلطة , وعلى المستوى الخارجي لم يكن التعامل مع الحدث السوري أفضل وأرحم حيث استثمر شر استثمار من قبل قوى خارجية حريصة على مصالحها واستراتيجياتها, وأيضا من قبل دول إقليمية مغرمة بالعزف على الوتر المذهبي – الطائفي والمراهنة عليه في مجرى عملية الصراع الجارية في المنطقة , وفي زحمة هذه الأحداث بتجلياتها وإفرازاتها الواضحة لا تزال بعض المواقف بشأن المشهد السوري تبنى على خلفية قراءات أولية تفتقر للمعاير الواقعية في ميدان العمل السياسي وتتجاهل النظر للجوانب الأخرى من المسألة وأعني هنا جملة المستجدات والتغيرات التي طرأت على هذا المشهد وهي :
 1- على المستوى السياسي فشلت المعارضات السورية بمعظم أطيافها وتلويناتها العرقية والطائفية وعلى مدى 45 شهرا في قيادة الشارع السوري والتعبير عن طموحات وأماني الجماهير لأنها عمدت دوما لقولبة المشهد وفق رؤاها وانتماءاتها الفكرية على حساب مصالح وأماني الشعب , لذلك نراها تتعثر في مسيرتها وتسير من إخفاق لإخفاق , ان التركيبة الحالية لمعظم رموز وشخصيات الأطر العربية المعارضة أما إنها تنتمي للمدرسة السياسية لنظام البعث العربي ومدرسته الفكرية والثقافية أو أنها متأثرة به وبمثيله الناصري , لذلك فهي غير مؤمنة بعملية التحول الديمقراطي التي يطرحونها شعارا , ولا تتعدى طموحات الأكثرية منهم عملية تبديل المواقع مع النظام الحالي ( عملية الاستحواذ على الحكم والسلطة من منطلق طائفي – مذهبي ) ولهذا نراها تعاني من أزمات داخلية متتالية , ولم تتمكن من كسب عطف وتأيد المكونات السورية وعلى رأسها المكون العربي .
 2- على المستوى الميداني ظهرت جماعات سلفية – جهادية (على أنقاض وأطلال المشروع القومي العربي المنهزم شعبيا ) على الساحة متخذة من ثقافة الأنفال وفلسفة ما ملكت أيمانكم منهجا ودليل نشاط لها وتعمل هذه الجماعات للعودة بسوريا والمنطقة إلى أيام السلب والنهب ( الغزوات ) , والقاعدة الشعبية لهذه الجماعات في توسع وازدياد بالتزامن مع انحسار رقعة تواجد القوى الميدانية الأخرى ذات التوجهات الوطنية المعتدلة , لقد أدى تعثر وانهيار المشروع القومي العربي بطابعه العنصري – المنطوي على ذاته من جهة وافتقار المنطقة ومنها سوريا لقوى علمانية – ديمقراطية ثقافة ونهجا ( باستثناء بعض الرموز ) من جهة أخرى لظهور الجماعات الراديكالية المتطرفة كتعبير آخر لحالة التمدد العربي وبديل مستتر عنه بأيديولوجيا وثقافة تعود لما قبل 1400 سنة .
– هذين العاملين الداخليين إضافة للعامل الخارجي ساهما كل منهما بقدر معين في تعقيد الأزمة السورية أكثر مما هو معقد ومتداخل , ووضعا عراقيل إضافية أمام طريق الحلول للخروج من الأزمة وانجاز عملية التحول والدخول في المرحلة الانتقالية – المؤقتة بطابعها وحالتها التوافقية التي تضمن تمثيل كافة المكونات السورية في إدارة المرحلة الجديدة والتعبير عن مصالحها وإرادتها , وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن اختزال الحدث السوري بمسبباته ونتائجه واختصاره في عنوان واحد ووحيد وإضفاء طابع شعاراتي عليه دون تناول مختلف جوانب المسألة لن يطيل من أمد البقاء في النفق الذي حُشر فيه وحسب وإنما سيفضي ذلك لانسداد النفق وإغلاقه وانتظار رحمة القوى الكبرى لفتح ثغرات فيه وانتشال ما يمكن انتشاله من بقايا الحالة السورية ووضعها في أفران إعادة التصنيع والترميم , أو قيام ثورة شاملة وجادة في قلب وعمق الطبقة السياسية الفاسدة وأطرها القائمة ووضع مصالح وقضايا الشعب بكل مكوناته المذهبية والقومية على رأس قائمة الأولويات لجهة المعالجة والحل .
في 3 1 / / 2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…