دور الأصالة في حياة الشعوب إقليم كردستان نموذجا

 

 دلكش مرعي

 

لقد لعبت بعض القييم الكامنة في تراث الشعوب دوراً ايجابيا وحققت تطورا وازدهاراً مميزاً وفي الجانب الآخر هناك من تبنى صيغ ووصفات فلسفية شمولية جاهزة للقضاء على الظلم والاستغلال والجهل وفشل فشلا زريعاً .. فستالين – على سبيل التوضيح الذي قاد الثورة البلشفية بعد وفاة – لينين – قد ولد في أسرة كانت تعيش ضمن حالة اجتماعية تدعى – القنانة – من أب اسكافي وأم تعمل بالأجرة في الحقول الزراعية – والقنانة – هي حالة من الرق والعبودية – إي أنه قد عانى هو وعائلته كثيراً من مرارة الظلم والفقر والاستعباد .. ومن أجل التحرر من هذا الواقع المرير فقد تبنى الفكر الماركسي الذي كان يهدف نظريا إلى تحرير الإنسان من جملة هذه الآفات وبناء مجتمع يسوده العدل ويمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ..

 

والسؤال المطروح هنا لماذا لم يحقق هذا الرجل هذا الهدف بعدما أصبح كل شيء تحت سلطته المطلقة ولماذا تحول إلى دكتاتور وطاغية قد فاق عمليا دكتاتورية وطغيان – قيصر – بعد كل تلك المعاناة المأساوية ؟ ولماذا قتل مئات الآلاف من أبناء شعوب الاتحاد السوفيتي السابق وألقى بالآلاف منهم إلى معتقلات – سيبيريا – وبين صقيعها وغيرها من الجرائم ؟ ..
وما هي الأسباب الذي جعل من هذا الشخص يخون مبادئه وعقيدته ويتحول إلى مستبد قاتل بعد أن كان هو ذاته يعاني من وطأة الظلم ولاستبداد ؟ وهذا الأمر ينطبق على العديد من أمثال هذا الرجل – كحافظ الأسد – وصدام حسين – وبن علي – وغيرهم من المستبدين والطغاة والقتلة فهؤلاء قد ولدوا أيضا في بيئة متواضعة ومشابهة مادياً لبيئة ستالين ..
وفي الجانب الآخر لماذا تفوقت دول أوربا الغربية وحققت رفاها اقتصاديا لشعوبها وأنجزت إنجازات علمية هائلة على مختلف الصعد تفوقت عبرها على دول أوربا الشرقية الشيوعية ؟ … علماً كانت الدول الرأسمالية تتصف من المنظور الشيوعي بأنها الأكثر استغلالا واضطهاداً لشعوبها ….
ولماذا تفوق الأنظمة القبلية في الخليج العربي وهي الأكثر تخلفاً ورجعية واستبداداً حسب معاير ومفاهيم هذا العصر لماذا تفوقت هذه الدول اقتصاديا على الأنظمة الجمهورية ذات التوجه العلماني والشعارات الثورية والتقدمية وحققت رفاها اقتصاديا مقبولا لشعوبها ؟ ولماذا العديد من العمال السوريين كانوا يعملون في الأردن الدولة الأكثر فقراً بمواردها الطبيعية من بين دول المنطقة ؟ ولماذا تفوق إقليم كردستان بقيادة السيد مسعود البرزاني وفي فترة زمنية قصيرة جداً سياسياً واقتصاديا وأمنيا وعمرانيا وديمقراطيا على بقية أقاليم العراق بعدما تعرض هذا الإقليم للدمار والخراب والانفالات والكيماوي وغيرها من الجرائم الشنيعة التي اقترفها الأنظمة العراقية المتعاقبة بحق الشعب الكردي في هذا الإقليم وعبر ما يقارب القرن من الزمن ؟ …
ولماذا هذا الفوضى السياسية في غرب كردستان التي سببت بتهجير معظم الشباب وأكثر من نصف الشعب الكردي ؟ …
إن الجواب على جملة هذه الأسئلة تحتاج إلى العديد من المقالات لكننا سنختزلها في أجوبة مختصرة توخياً للإطالة .. فلو بدأنا بسلوك ستالين الدكتاتوري والدموي أعتقد بأن هذا السلوك لم يكن سببه العقيدة الماركسية ذات المفاهيم الشمولية وحدها بل لأنه لم يتمكن بأن يتحرر من جملة القيم والمفاهيم التراثية التي أنتجت طغيان واستبداد القيصر ذاته فالإنسان لا يولد بالفطرة دكتاتوراً أو مستبداً أو قاتلاً بل هناك قيم وعقائد ومفاهيم متخلفة في تراث الشعوب هي التي تنتج هذه الظواهر العدوانية لدى البشر أي يمكن القول بأنه من شبه المستحيل الارتقاء والنهوض بالحالة العامة المتخلفة للشعوب عبر الصيغ والوصفات الجاهزة دون نسف وإزالة جملة القييم والعقائد التي تنتج الجهل والاستبداد والقتلة .. ويتوهم من يعتقد بأنه بالإمكان تغير قيّم وعادت وعقائد الشعوب عبر الوصفات والقوالب الجاهزة وكأنها عصا سحرية كعصا – النبي موسى – …
ولكن من الجانب الآخر لو القي نظرة متفحصة وتحليلية على بعض القييم الكائنة في التراث المتخلف سيلاحظ بأنها لا تخلوا من بعض القيم الإيجابية ومن أناس وطنين شرفاء يتمتعون بالنزاهة والقيم النبيلة وهناك بعض الشعوب أتخذ من هذا القييم كمنطلق ونهج وبني عليها توجهاتها العامة وبقيادة هؤلاء الإفراد وحققت نجاحاً وتطوراً وارتقاء مع الزمن لشعوبها بهذا القدر أو ذاك وعادة فأن قييم التراث تلقى قبولا من عامة الشعب لأن تلك القييم هي من تراثها وليست غريبة عنها حتى تلقى الرفض أو عدم القبول . فالدول الغربية على سبيل المثال قد اتخذت من تراث الإغريق الفلسفي والديمقراطي كنهج ومنطلق وقد حققوا عبر هذا التراث الفلسفي الذي يعتمد على العقل للوصول إلى الحقيقة كل هذه التطور والارتقاء العلمي .. وتراث الإغريق هو تراث الشعوب الأوربية ولم تكن تراثاً مستورداً ..
 أما بالنسبة للرفاه الاقتصادي النسبي التي حققها الدول الخليجية لشعوبها فاعتقد تكمن السبب في قييم الكرم الموجود داخل قييم القبيلة العربية فالعربي يتباه بالكرم وهناك كرماء يتباه بهم العرب كحاتم الطائي وغيره واعتقد بسبب هذه العادة الأصيلة قد أكرمت قيادات دول الخليج على شعوبها بجزء بسيط من الثروات البترولية الهائلة لهذه الدول وحققت هذا الرفاه الاقتصادي النسبي لشعوبها بينما في سوريا ( البعث ) فحتى دورات المياه العامة قد تحولت إلى ملكية خاصة لآل المخلوف …
 أما بالنسبة لإقليم كردستان الذي حافظ  على الأصالة الكردية واتخذها كنهج للإقليم فقد حققت عبر ذلك كل هذا التطور وتحولت إلى واحة للأخلاق كما وصفها الرئيس الأمريكي أوباما فاعتقد بأن حفاظ البرزانين على هذه الأصالة تعود السبب إلى جغرافية منطقة البرزانيين ذاتها التي كانت تعيش في وسط الشعب الكردي في تلك المنطقة أي لم تكن لها امتدادات جغرافية مع الشعوب الأخرى فهي لم تتأثر كثيراً بثقافات تلك الشعوب ولا بالصيغ والوصفات الشمولية المستوردة ولا بالمد الثوري الماركسي التي عصفت بالمنطقة فبقيت محافظة على أصالتها الكردية وقيمها العامة .
 والأصالة حسب المفهوم الكردي تشير إلى الذي يمتلك قيماً إنسانية نبيلة يحترم من خلالها ذاته وذات الآخرين ويعمل من أجل خدمة شعبه ووطنه ويتحلى بالصدق والإخلاص والكرم والشجاعة والوفاء وعزة النفس وغيرها من القيم النبيلة وهذا القيم تحلى بها البرزانيين وعلى رأسهم الزعيم الخالد مصطفى البرزاني ومن بعده رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني ومن أجل هذه الخصال النبيلة والأصيلة للزعيم الأب ونجله فقد أصبحا محل تقدير واحترام الشعب الكردي وثقتهم ومحل فخرهم واعتزازهم أما بالنسبة  ما يجري في غربي كردستان فتحتاج إلى مقال طويل زد على ذلك فأعتقد بأن الجواب موجود داخل المقال ختاما ما نود التأكيد عليه هو بأنه لكل فكر نتاجه ولكل مفهوم نتاجه ولكل عادة نتاجها ولا يأتي شيء من العدم

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…