انتخابات وفق مقاييس النظام !!

افتتاحية جريدة آزادي*

    منذ سيطرته على مقاليد الحكم في 8 آذار 1963 عمل حزب البعث على دمج قياداته في مؤسسات الدولة أو ترسيخ اشتراطاته الحزبية في إدارة شؤون البلاد ليجعل من مؤسسات الدولة ملكاً خاصاً له، عكس ما هو متبع لدى المجتمعات الحضارية أن مؤسسات الدولة هي ملك مجموع الشعب وهي محايدة أو على مسافة واحدة من مجموع القوى السياسية، أما الحكومات فتتولاها الأحزاب والائتلافات الحزبية عبر الانتخابات الديمقراطية أو من خلال التكتلات البرلمانية

 

كما عمل هذا الحزب بدأب على تدجين أحزاب ومجموعات حزبية متنفذة تلتف حوله باسم (الجبهة الوطنية التقدمية) منذ الحركة ( التصحيحية) عام 1970، ووثق لهذا العمل حماية قانونية حينما وضع دستورا للبلاد على هذا المقاس دستورا باسم الشعب لكن لحماية الحزب الحاكم، وبموجبه أصبحت كافة مؤسسات الدولة وأجهزة الحكومة والجيش والاستخبارات في خدمة هذا الحزب وقيادته، ولتكون الجبهة العتيدة بأحزابها- رغم غياب قانون الأحزاب – ومجموعاتها روافد له وواجهة شكلية تضيف تبريراً آخر لصياغة دستور هو للحزب أكثر ما يكون للشعب ولاسيما المادة 8 منه التي تنص على أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع..
من هنا وعبر هذه الأرضية وهذا الواقع توضع الترتيبات اللازمة من قبل الحزب الحاكم للانتخابات الصورية خلال العقود السابقة من عمر النظام وحتى الآن، توضع الترتيبات بما يفيد ويخدم نهج النظام والحزب الحاكم وضمان استمراره حزبا حاكما دون ترك أي مجال أو منفذ يفيد أو يخدم معنى التداول السلمي للسلطة ولو في وجه شكلي، أي ينبغي أن تصب كافة الترتيبات في اتجاه تعزيز النظام ودور هذا الحزب، ولعل التعرض لتذكير بعض هذه الترتيبات قد يساهم في التوضيح أكثر:
في التعليمات التنفيذية: تشكل القوائم على أساس ضمان الثلثين سلفا لقائمة الجبهة، ومنها ما يضمن خمسين + واحد حتما من مجموع القائمة لحزب البعث، والثلث الآخر للمستقلين الذين هم في فلك النظام وعبر ما اتفق على تسميتها قائمة الظل، وتوضع هذه التعليمات علنا وبأرقام حسابية بدءاً من مجموع أعضاء (مجلس الشعب) البالغ عددهم 250 عضو ينبغي أن يكون 167 منهم للجبهة ومنهم ما يعادل 126 لحزب البعث وعلى أن يكون رئيس المجلس حتماً بعثياً، وتبقى الاجراءات الأخرى شكلية منذ صدور مرسوم الانتخابات وحتى صدور مرسوم تسمية الأعضاء وحتى العمل والمناقشة داخل المجلس..
في قانون الانتخابات : وضع هذا القانون بما يتفق مع التعليمات التنفيذية المذكورة أعلاه لا العكس، واعتماد مبدأ المحافظة الواحدة تكون دائرة انتخابية مستقلة (باستثناء محافظة حلب) وتشكل القوائم على مستوى هذه الدائرة ويعتمد مبدأ الفوز عند الفرز على أساس الزيادة ولو بصوت واحد ولعموم القائمة دون أي اعتبار لمبدأ النسبية من مجموع الناخبين، لنفترض مثلا أن عدد الناخبين في محافظة ما كان أربعمائة ألف ناخب وحصلت إحدى القوائم على 200001 صوت بينما الأخرى حصلت على 199999 صوت، فالفوز حتما لكامل الأسماء الواردة في الأولى  بينما الأخرى لا يفوز منها أيّ اسم، والسؤال هنا هو من يمثل في مجلس الشعب هذا مجموع ناخبي القائمة الثانية الذين لم يصوتوا علانية للأولى ولم يمنحوها ثقتهم؟؟ ولو اعتمد مبدأ النسبية، لكان لكل قائمة حصتها من التمثيل، فلو قلبنا المثال السابق على النحو التالي: حصلت قائمة على ثلاثمائة ألف ناخب بينما أخرى حصلت على مائة ألف فقط، فمن الطبيعي أن يكون عدد الفائزين في الأولى يعادل الثلاثة أرباع والأخرى الربع فقط، أو اعتماد مبدأ النسبية مع اتخاذ المنطقة الواحدة حدودا للدائرة الانتخابية بدلا من المحافظة، أو غير ذلك من الأساليب الديمقراطية العادلة التي تضمن للمواطن حقوقه في الفوز أو في التمثيل..
في سير العمليات الانتخابية:  تشكل اللجان المشرفة على الانتخابات بغالبية أعضائها إن لم يكن بمجموعها من حزب البعث بدءاً بالعاصمة ومرورا بالمحافظات والمناطق وصولا إلى صناديق الاقتراع، وتوضع كافة إمكانات الدولة المادية ووسائط النقل والمواصلات والاتصالات وأجهزتها الأمنية والعسكرية في خدمة قوائم الحزب الحاكم وجبهته، وتحصل الخروقات والتجاوزات أمام مرأى ومسمع وكلاء المرشحين (المستقلين) المشاركين دون أن يكون لهم حول أو قوة، وعملية فرز النتائج تقتصر في معظم الأحوال على اللجان المشرفة فقط دون حضور المرشحين أو وكلائهم..
إن ما تم التطرق إليه أعلاه إنما هو غيض من فيض أو هو المتعلق بالجانب العلني المكشوف، دون الممارسات والتدابير التي تحصل في الخفاء ومن وراء الكواليس أو تلك التي تدبرها أو تديرها الأجهزة الأمنية والسلطوية بعيداً عن أنظار الشعب وقواها السياسية، إضافة إلى توجيهات لهذا وتحرشات بآخر وتهديدات ظاهرة أو مبطنة لذاك..
هذا ولمقاربة اللوحة من الاستكمال لا بد من التطرق إلى جوانب أخرى هي أشد وطأةً، منها سريان الأحكام العرفية وقانون الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية، وسجناء الرأي والموقف السياسي مازالوا قابعين في سجون البلاد، وآخرون ينتظرون أحكامهم الجائرة من تلك المحاكم، وقبضة الأجهزة الأمنية ما تزال مسلطة على رقاب اللون والرأي المخالف، وغياب الحريات الديمقراطية يكوي الجميع ولاسيما حرية الرأي والكلمة وحرية التنظيم السياسي والنقابي، وغياب قانون للأحزاب ينظم الحياة السياسية في البلاد، وفي معرض الموقف من الشعب الكردي وقضيته القومية العادلة، فلا تزال الاجراءات الظالمة والقوانين والسياسات الشوفينية الجائرة من حزام عربي وإحصاء استثنائي وسياسة تعريب وصهر قائمة بحقه، ناهيك عن غياب أي اعتراف رسمي وقانوني بوجوده إضافة لحرمانه من أبسط حقوقه القومية التي ينبغي تحقيقها وفق القوانين والمواثيق الدولية ومبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها..
من هنا ووسط هذه الحالة التي تنتفي بداخلها أبسط أشكال الديمقراطية في أدنى مبادئها ومستوياتها، بل الاستبداد والتفرد هو عنوانها وسمتها، وسط كل ذلك فإن الدخول في معترك تلك الانتخابات في هذه الظروف السياسية الهامة وما تشهدها من تبدلات عاصفة وتحولات سريعة إنما هو جهل بالواقع وبآفاق المرحلة وتطوراتها، أو هو قبول بهذا الواقع و مساهمة في ديمومته، ولعل القوى السياسية الوطنية والكردية ومن بينها حزبنا قد أحسنت موقفاً عندما أعلنت مقاطعتها لتلك الانتخابات ترشيحا وتصويتا وذلك احتجاجا على استمرار تلك الحالة، وأعلنت امتثالها لمبادئها في مواصلة مهامها ونضالاتها من أجل التغيير السلمي الديمقراطي وبناء حياة سياسية جديدة تضمن التداول السلمي للسلطة ويتمتع الكل في ظلها بالعدل والمساواة ويعيش الجميع في أمان وسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* افتتاحية العدد المزدوج 383-384 (آذار- نيسان2007) من جريدة آزادي التي يصدرها مكتب الثقافة والاعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…