الخطأ الديموقراطي الأول، في مسار المرجعية السياسية الكردية المشيدة

خالص مسور

إن الديموقراطية أو(ديموس كراتوس) بلغة الاغريق وتعني العبارة (حكم الشعب نفسه بنفسه) لا شك أنها مقولة كانت ولا تزال، حلماً أثيراً يراود المجتمعات البشرية منذ عصور ضاربة في القدم. فمنذ تشكل المجتمعات البدائية الأولى والناس يعانون من بطش وتعسف النخبة الحاكمة وجورها واحتكارها للهيمنة والسلطة، فكان لابد للمجتمعات من البحث عن حل لمشكلة السلطة والاستبداد والاستغلال، وكان الحل يفرض نفسه في الكلمة السحرية “الديموقراطية” وفيها وجدت الشعوب ضالتها  في حكم نفسها بنفسها، وفي إنقاذ نفسها من السلطوية وموبقاتها. 
ويعتبر الكرد من أكثر الشعوب معاناة من سياسات الحكام الشوفينيين على وجه الأرض، ومن أكثرها تعرضاً للابادات الثقافية والجسدية معاً، ولذلك نرى تنظيماتهم السياسية توسم نفسها باللاحقة الديموقراطية الأثيرة في كردستان كلها، تفاؤل بحلم يبشر بما هو قادم، والأكراد يقولون ما بعد الضيق إلا الفرج. وها هو الفرج قد انبلج بتشكيل المرجعية السياسية الكردية ولكن ليست بلاحقتها الديموقراطية هذه المرة، أما لماذا بلا لاحقة يموقراطية فسنعود إليها لاحقاً. 
فالمرجعية السياسية الكردية والتي نعتبرها خطوة في المسار الصحيح من حيث المغزى والهدف، ومن حيث هي ذات فاعلية تجسيدية لطموحات وآمال الشعب الكردي في روج آفا، هذا إذا ما قدر لها الديمومة والاستمرارية، وفي أجواء مفعمة بالمآسي والحصار وبأنين الأطفال وآهات الأمهات والآباء، وفي فضاءات تتبدد فيها السياسة الكردية عادة مثل غيوم الصيف تمر ولا تمطر على حد قول الأغنية العراقية. 
الديموقراطية ثقافة وليست شعاراً مناسباتية، بدأنا نتعلمها ببطء وروية، ومن يفهم من لاحقة الديموقراطية وراء كل اسم حزب سياسي على أن هذا الحزب ديموقراطي ولو عشر ما يدعيه فهو واهم، فالشعوب النامية ونحن الكرد في وسطها، هي آخر من يحق لها الادعاء بالديموقراطية، فلا زلنا نعيش وسط أجواء مفعمة بطقوس الدين والعادات والتقاليد وهيمنة مقومات وركائز المجتمع الذكوري. ونحن الاكراد من هذه الشعوب قد نخدع أنفسنا بأننا نحمل ثقافة ديموقراطية راسخة، ولكن هذا لا يمنع من أن نقول بأن رحلة الألف ميل في مسار الديموقراطية تبدأ بخطوة واحدة. وإذا ما ارتأينا تحديد مكاننا ككرد في هذا المسار، فسنكون في الخطوة الاولى من الرحلة الألفية، وهذا شيء جيد كردياً وسنبلغها حتماً بالتدريج والاصرار، وإذا أردتم التأكيد بأننا لا زلنا في المرحلة الأولى من الديموقراطية عليكم أن تسألوا أنفسكم أين الديموقراطية وحكم الشعب لنفسه، في آليات تشكيل المرجعية السياسية الكردية مثلاً، أي غاب الشعب عن انتخاب ممثليه في المرجعية، وكل مرجعية تغيب عنها الشعب فهي سلطة وكل سلطة استبداد.
أي وبكل بساطة اجتمع ممثلوا أحزاب المجلسين الكرديين في روج آفا بناء على اتفاقية دهوك، وتقاسموا الحصص فيما بينهم وانتخبوا بعضهم بعضاً، في وقت كان من المفروض فيه أن ينتخب الشعب مرشحيه كممثلين له في مرجعية مصيرية هي أشبه بمجلس الشعب، أوسلطة تشاورية ترجع إليها القرارات المصيرية والحاسمة بالنسبة لمستقبل الشعب الكردي في روج آفا كله. نعم لقد تحققت الوحدة الحلم، لكن الغالبية العظمى من الشعب الكردي لا يعرف أطياف المرجعية المحاصصين وقد لايرضى ببعضهم ممثلين له، وهذا ما نعتبره نوعاً من انتكاسة مرة في مسيرة الديموقراطية الفتية في روج آفا. ونتمنى ألا تصبح الطريقة التي اتبعت في توزيع الحصص في المرجعية دستوراً معتمداً لمرجعيات قادمة، ولكن من الخطورة بمكان، أن يبقى مسؤلوا تنظيماتنا السياسية ينتخبون بعضهم قي المقرات الحزبية وصالات الأعراس في عملية استبعاد خطيرة لرأي الشعب. ولهذا نطالب بتصحيح المسار الديموقراطي السياسي واللجوء إلى الشعب لفرض خياراته وانتخاب ممثليه في المرجعيات القادمة، كما نتمنى من المرجعية المشيدة أن تكون عند حسن الظن بالقدرالمطلوب، وتركيز بوصلتها على الآتي:
1 – العمل على تفعيل المرجعية، وترسيخ وحدة الشعب الكردي السياسية وبما تناسب طموحاته وآماله. والابتعاد عن الأنانية الحزبية ونبذ المزاجية في العمل السياسي.
2 – دعم مقاومة روج آفا الباسلة بكل ما أوتيت من الإمكانيات السياسية والاقتصادية والعسكرية المتاحة.
3 – العمل على تخفيف المعاناة عن كاهل الشعب الكردي في روج آفا، وتخفيف حدة الحصار عليه، ومكافحة المزاجية والفساد المستشري في مفاصل مقاطعات الإدارة الذاتية.
4 – العمل على الحد من ظاهرة أخطر هجرة خارجية عرفها تاريخ الشعب الكردي في روج آفا بمختلف السبل والوسائل، وتوفير العمل والوظائف للشباب المهاجر ليتسنى لهم العودة إلى وطنهم والدفاع عن مكتسبات الشعب الكردي في المقاطعات الثلاث.
              

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…