صوت الأكراد *
من بديهيات القول أن الأزمة السـورية تحولت إلى معادلة معقدة ذات مجاهيل كثيرة, يصعب حلها بالطرق المتعارف عليها , ولعله هذا السبب ( كثرة المجاهيل ) ناهيكم عن كثرة اللاعبين أيضاً أدخلها في دوامة العنف وحمام الدم , فكل لاعبٍ هنا بات في قلب الأزمة بقصد أو بدونه, فلم يسلم أحد من نيرانها المتسعة يوماً بعد يوم, هذا الاتساع الذي هدد مصالح كبريات القوى العالمية , الأمر الذي أرغمها على تغيير سياساتها الإستراتيجية في المنطقة والعالم .
في بداية هذه الثورة المنهكة برز الدور التركي بقوة كمتباكٍ على الشعب السوري الجريح, الباحث عن القشة التي تنقذه من الغرق , فتعهد ووعد المنقذ التركي بعدم السماح بتكرار مجزرة حلبجة وحماه, وأنهم سيتحركون بمجرد وصول عدد اللاجئين السـوريين إلى 60 ألف لاجئ, وأنه سيحتضن المعارضة السورية ويقدم لها كل أشكال الدعم, وسيساند جميع الفصائل المعتدلة فيها ولن يتدخل في شؤونهم الداخلية …
إلى ما هنالك من كلام معسول , حلم السوريون ليالٍ كثيرة من لياليهم القاسية بها, إلى أن استفاقوا على هول جرائم داعش , وسقوط الأقنعة عن الوجوه, وظهور الغالبية من هؤلاء اللاعبين على حقيقتهم البشعة … تيقن الجميع أن تركيا ما كانت سوى تاجر يبحث في بحر الدم السوري عن مصالحه , لعله يبني أمجاد بني عثمان مجدداً من المدخل السوري.
السلطان التركي يحاول اللعب على حبال عدة , وفق سياسة ازدواجية المعايير , وكله ثقة أن سيحقق الحلم الخفي بذلك, فلم يعد بخافٍ على أحد أن السلطات التركية تعمل بنوعٍ من السرية المفضوحة على تقديم كل أشكال الدعم لداعش وهو التنظيم الإرهابي المتطرف الذي ذعر العالم من بشاعة جرائمه, وفي الوقت نفسه يتباهى أمام جماهيره في البلاد في حملاته الانتخابية باعتدال إسلامه, كما انه يسعى جاهداً للدخول إلى الاتحاد الأوربي من باب الديمقراطية وحقوق الإنسان وهو نفسه الذي قتل المتظاهرين في ميدان تقسيم, وهو الذي يشترك مع حزب العمال الكردستاني على تحقيق مشروع السلام بين الشعبين الكردي والتركي , ويتعامل مع ال pkkكشريك له في السلام وفي ذات الوقت يقتل العشرات من المتظاهرين الأكراد ويقصف مواقع مقاتلي الحزب , كما أن السلطان التركي يتعامل مع الجيش الحر كحليف دون إمداده بأي دعم ثم ما يلبس أن يقدم كل الدعم لحليفه الخفي “داعش” , وهو العضو في الناتو والمساند لقوى التحالف الدولي في حربها على داعش , وهو المتظاهر بالحيادية في الشأن الداخلي للمعارضة السورية وهو نفسه الذي ساهم في إجهاض وحدتها , وتدخل في كل شاردة وواردة والعمل على فرض حلفائه لتمرير أجنداته في سوريا من خلالها , وتصرفات السلطات التركية في مأساة كوباني ومساندته العلنية لداعش تخالف جميع إدعاءاته بالعمل على حل القضية الكردية ونظرته الإنسانية للكرد وحقهم في نيل جميع حقوقهم القومية …الخ .
واليوم , المخططات التركية تفشل , فأوراقه باتت مكشوفة للجميع , ودوره بدأ بالانحسار وخاصةً بعد إرغامه على الموافقة على دخول قوات البيشمركة مع أسلحتهم الثقيلة من إقليم كردستان العراق مروراً بأراضيه لمساندة قوات الـ ypgالمدافعة عن كوباني وهم الإرهابيون في نظرهم , الأمر الذي يعكس تغييراً كبيراً في الموقف الغربي حيال نفاق حليفه , وتجاهله ودعم الحليف الأقوى والأنجع ” الكرد” , كما أن مسألة انضمامه إلى الاتحاد الأوربي باتت في مهب الريح بعد الإثباتات العديدة في تورط السلطات التركية في دعم داعش , وكذلك بعد العنف الذي استخدمته السلطات الرسمية في التعامل مع المتظاهرين , كما أن عملية السلام الكردية – التركية باتت مهددة أكثر من أي وقتٍ مضى بعد المواقف العنصرية تجاه الشعب الكردي وقضيته في كلٍّ من تركيا وسوريا , كما أن المعارضة السورية باتت تتيقن أن تركيا تبحث عن مصالحها وأنها من أهم المسببات لضعفها وتشتتها وهيمنة بعض الأطراف على مفاصل المعارضة و خاصة الائتلاف المعارض, كم أن اتفاقية دهوك وتوحد الكرد, وكذلك رفض الولايات المتحدة الأمريكية إدراج حزب الاتحاد الديمقراطي ” p y d ” على لوائح الإرهاب كانت بمثابة ضربة كبيرة للمخططات التركية , كل ذلك يجعل من مصير السلطان التركي في خطر كبير من الناحية الجماهيرية والتي قد تطيح به في الانتخابات المقبلة , خاصةً أن الأمن التركي واقتصاده باتا غير مستقرين جراء سياسات الحزب الحاكم .
ورقة التوت سقطت لتكشف للجميع مخطط الساحر العثماني باستعادة أمجاده من خلال الأوهام والشعارات , فازدواجية المعايير و اللعب على حبالٍ عديدة متشابكة ستسقطه من عليائه , وسينقلب سحره عليه , ولن يفلح الساحر حيث أتى .
* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)