عدمية الاتفاقية الكردية في قامشلو .. الجزء الثاني

د. محمود عباس

  معرفة ماهية السلطة الشمولية في سوريا، توضح الكثير حول خلفيات ظهور كل التيارات الإسلامية التكفيرية والظلامية والمنظمات الشاذة في سوريا، وتغيير مسار الثورة وطمسها تحت ركام الصراعات الطائفية، وستمسح للمحلل تجاوز منطلق المؤسسات في غرب كردستان كالإدارة الذاتية المتشكلة من قوة سياسية كردية منفردة دون الآخرين، ومنطق القوى المتسلطة على الأحزاب الكردية والكردستانية، وتشكيل الكانتونات بثلاثة أجزاء ومحاولة تغييب الماهية الكردية عنهم، الملغية للفيدرالية والتي هي المطلب القومي للكرد والوطني لكل سوريا، ورغم أن هذا التشكيل الإداري تحمل في عمقه الوطني أبعاد قومية وتحتضن إيجابيات، والتي تحتاج إلى تعديل وتطوير حاضرا ومستقبلا،
وقد تكون مرحلة مسبقة لفيدرالية المنطقة، إذا تبعتها مشاركة كردية عامة وسبقتها تحرر من طغيان السلطة المخفية، لكنها في واقعها الجاري تحتضن سلبيات قد لا تلتئم آثارها في قادم كرد غرب كردستان، وللسلطة دور رئيس فيه وفي خلق هذا الشرخ الكردي وفي إصرارها على ما هي عليه من كيان منفرد، وعلما أن الخلاف بين أحزاب معظمها منتمية لجهة أو أخرى، وتتحرك تحت أجندات وكأدوات للأخرين، رغم ذلك (يدعون) بأنه بين نظامين بمفهومين متناقضين!. 
   رغم وجود الخلافات الفكرية، بين أحزاب مع قسم من الحركة بدأت ترفع الشعارات القومية الكردية بجغرافية كردستانية بعد الثورة السورية، وأخرى لا تؤمن بالجغرافيات ولا بتاريخ الشعوب، منية على أيدولوجية تتبناه كلية المنظمة التي تتبعها هذا الطرف، فيدرالية مواجهة لكونفدرالية شكلية لا علاقة لها بالشعوب ولا بالأرض، حيث الازدواجية بين النظرية والتطبيق، المبنية على إيديولوجية تطمس نظريا ماهية القومية الكردية قبل القوميات الأخرى ذات الحضور الجغرافي والإداري. وبناءً على الواقع المطروح (الأمة الديمقراطية) المستندة على تلك النظرية، تمنع أل ب ي د مشاركة أحزاب المجلس الوطني الكردي في الدفاع عن المنطقة وعن كوباني وتقديم جماهيرها إلى الساحة النضالية، حتى ولو كانت شكلية، فالخلاف فكري قومي إلى جانب الانتماء الاستراتيجي والتكتيكي المتناقض، والتي تطمس الغاية الكردية –الكردستانية. ولا شك الخروج من هاتين المعضلتين الكبيرتين، ستخرج أل ب ي د من الازدواجية، وستخلق واقعا ديمقراطيا في المنطقة وقد تكون ركيزة لقادم هذه الكانتونات المأمولة تطويرها إلى فيدرالية أو كونفدرالية ضمن سوريا فيدرالية، وستحل بعض مشكلاتها، كمعضلة التجنيد الإجباري المرفوضة من أغلبية الشعب، والمؤدية إلى هجرة واسعة بين الشباب الذين لا يمكن النعر في وطنيتهم، ويحق لهم اختيار الراية التي يودون النضال تحتها.  وهذا ما يتطلب من أل ب ي د أو المؤسسات التابعة لها، أن تساير القوى الكردية الأخرى على الأقل ستتبين مدى مصداقيتهم، وقوتهم الحقيقية، المتطلبة أموال وأسلحة وغيرها من المعدات، ومدى إمكانياتهم الجماهيرية التي يستندون عليها في انتقاداتهم؟
 فمنطق الرفض وعدم المشاركة تحت حجج متنوعة، بذاتها تخلق أسئلة وتكرس الشبهات، منها:
1- هناك قوى تفرض شروط التعامل بين الأحزاب الكردية وما حصل من اتفاق في دهوك كان بضغط أمريكي وموافقة من الهلال الشيعي. 
2-  عدم رغبة الإخوة في أل ب ي د من نقل قوات الحماية الشعبية من قوات تنتمي إلى حزب إلى جيش يمثل كل الكرد .
3- ألغاء منطق الانتماء الكردستاني من قوات الحماية، والتركيز على أنها قوات تخدم الإدارة الذاتية وتحت صفة الأمة الديمقراطية، وهذه تعود إلى النقطة السابقة. 
4- الانتقال الجديد من قوات حماية الشعب إلى ظهور قوات تابعة للإدارة الذاتية، رفض مباشر لأية مشاركة تحت أسماء كردية أو كردستانية .
 من خلال هذه الملاحظات التي تقف عليها أغلبية كرد غرب كردستان، وبعيدا عن سلبيات التكتيك الجاري أو إيجابياته، التعامل بالطريقة الفوقية، وإرضاخ الأخر للتبعية أو الرفض، رغم اتفاقية دهوك، تعكس مفاهيم السلطات الشمولية، الأنا والتابعون، وتظهر مدى تغلغل سطوة السلطة الأمنية السورية في جسم الأحزاب الكردية. 
   هذه المعاملة السياسية من قبل الطرف المسيطر جدلا مع الآخر الكردي، ومن خلال المفاهيم التي تطرح حول الإدارة الذاتية للأمة الديمقراطية، وقوانينها الديمقراطية وعلى أنها تقبل الكل بما يريدون هم لا بما تفرضه سيطرة الحزب الواحد، تتناقض والواقع الفعلي-العملي على الأرض للإدارة ومؤسساتها، المرفوض من قبل الآخر الكردي، والمؤدية إلى تشتيت القوة الكردية في المنطقة، وضعفها في الساحتين الداخلية والخارجية، وستؤدي بدورها إلى إهمال دولي بالقضية الكردية في سوريا حاضرا ومستقبلا. وهنا يتطلب منا أن نكرر الدعوة للإخوة في أل ب ي د والمؤسسات التابعة لها، أن يتقبلوا طلبات الدفاع المشترك، حتى ولو كانت رمزية، ولا شك هذه تتطلب تغيير ما في علاقاتها التكتيكية مع بعض القوى الخارجية بشكل عام. 
  فمن الواجب تذكير الإخوة في أحزاب غرب كردستان عامة وخاصة المتشددين وراء غايات حزبية أنانية أو خلفية المفاهيم والإيديولوجية والتكتيك الأفضل، أن أفعالهم وخلافاتهم تعدم القضية الكردستانية وتنقلها إلى عقود أخرى قادمة، وأن هناك اتفاقية عقدت وخرجت من أنقرة بين كيري وأوغلوا وهي على محرك التنفيذ وبدأت بوادرها تتبين، وما ظهر في الإعلام ليست سوى فتات، وليس لكم سوى ترديم هوة الخلافات، وتشكيل قوة تقدرها الأخرون قبل الكرد، وإلا فالقضية الكردية تطمس وستطمس بهذا التفتت الدارج بين القوى الكردية، وكل من يدعي الطريق الأصوب والتشدد فيه يكون هو الأكثر خطأ وتقزيما للقوة الكردية، فالشعوب تحصل على مطالبها وتبلغ مآربها بمدى قدرة قياداتها السياسية والثقافية على تضييق الفجوة، وعمق إيمانهم ورسوخ الثقة بالقضية وبذاتهم الوطنية، وجدية العمل على خلق الظروف للتلاحم وتشكيل وحدة، أما التكرار في عرض المطالب وطرحها بدون فعل لا يثبت عمق الإيمان بها، وهذا ما تفعلونه أيتها الأحزاب الكردية.
إذا كانت المؤامرة التي حصلنا على خيوطها وكشفناها قبل شهر أو أكثر، المخططة بين الدول المستعمرة لكردستان، والتحركات التركية والإيرانية وخبث السلطة السورية بالتلاعب بالقضية الكردية وقواهم، والصراع الجاري في غرب كردستان مع الأشرار والإرهابيين، غير كاف، لإيصال الأحزاب الكردية إلى أتفاق، ففي أية أوضاع وأي زمان وحالة سيتفق الكرد؟ وإذا كانت هذه الهجمات العنصرية على كردستان، غير كافية ليتقبل الطرف القوي للأخر، فتحت أية ظروف يمكن تشكيل قوة كردستانية؟ وعدم تشكيلها، تعدم الحق لجميع الأحزاب طرح النداءات الوطنية أو القومية، وعليه فلا يحق تسخير نضال الشباب الأبطال المدافعون عن غرب كردستان ودماء الشهداء لإبراز الذات واتهام الأخرين بالتقاعس، ولا يحق لأي كان التلاعب بالغايات الكردستانية  لهؤلاء المناضلين، وتسخيرها لأبعاد أيديولوجية لا علاقة لها بالقومية، ولا يحق حظر القوى الأخرى من التعامل على مبدأ القومية الكردستانية التي تناضل  الوحدات  وتضحي بدمائها من أجله.
لا تنسوا أن المؤامرة لا تزال سارية المفعول بين الدول، وأكبر أثبات، استمرارية الصراع اللاغالب واللامغلوب  في كوباني، عن طريق التقنين في الدعم العسكري وتحديد القصف الجوي للحفاظ على التوازن، والهجمات المحتملة على المناطق الأخرى، لهذه الدول وللسلطة السورية هيمنة عليها، وتأجيل تحقيق نصر على  داعش في مدينة كوباني مع إبقاء المنطقة محتلة برمتها.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…