الخطر الأكبر قادم

صالح بوزان

بالرغم مما حل بالشعب الكردي السوري حتى الآن فإن الخطر الأكبر هو القادم، وهذا الخطر هو خطر أكثر مصيرياً. فقراءة متمعنة للوضع الدولي، وخاصة بعد تأجيل الموضوع النووي الإيراني إلى سبعة أشهر قادمة يعني أن الحرب الأهلية في سوريا ستزداد ضراوة خلال هذه المدة. كما يعني أيضاً أن التحالفات الراهنة ستبقي كما هي. ستستمر إيران وروسيا في مساعدة النظام السوري ومنعه من السقوط. وستبقى تركيا في خلافاتها مع أمريكا، وستساعد في الخفاء القاعدة وداعش وبقية الكتائب المسلحة السورية التابعة لها، أملاً في إسقاط النظام وترتيب أولويات مصالحها لما بعد إسقاط النظام. تركيا تدرك بأن حاجة أمريكا إليها أكثر من حاجتها لأمريكا، وهذا هو سبب تعنتها. فهي على الأقل تريد موافقة أمريكا بإنشاء منطقة عازلة شمال سوريا تحت قيادتها. وفي حال تحقيق هذا الهدف ستتحكم بالوضع السوري كله. بداً بالنظام والمعارضة والكتائب المسلحة وانتهاء بالكرد.
في هذا الوضع الدولي والإقليمي يزداد تشتت ساسة الكرد السوريين وأحزابهم. ويجب أن لا ينخدع الكرد السوريين باتفاقية دهوك. فهذه الاتفاقية لم توقع من أجل التنفيذ. هي اتفاقية الساعة الحرجة. أرادتها حكومة الإقليم لتظهر للعالم مدى نفوذها على كافة الكرد في العراق وتركيا وسوريا. وبالتالي الحصول على مكانة مهمة في التحالف الدولي لصالح الإقليم والكرد عامة. أما الأحزاب الكردية في المجلس الوطني الكردي أرادت أن ترسخ لها مكانة في الواقع الكردي السوري والواقع السوري بشكل عام. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي أراد من الاتفاقية إنقاذ نفسه. 
لماذا أقول إنقاذ نفسه. 
نحن نعرف أن قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي لم تستطع الدفاع عن شيخ مقصود والأشرفية في حلب، وكذلك عن تل عرن وتل حاصل وريف الباب وتل أبيض. كما أنها في الهجوم الأخير لداعش على منطقة كوباني انسحبت من كل القرى دون قتال تقريباً، وتحصنت في مدينة كوباني. وحسب المعلومات من داخل كوباني، لولا قصف طيران التحالف الدولي لمواقع داعش، ولولا مجيء البيشمركة لسقطت كوباني بيد داعش. ورغم ذلك فداعش دخل المدينة وسيطر على نصفها على أقل تقدير. 
اضطر حزب الاتحاد الديمقراطي للتوقيع على اتفاقية دهوك لأنه وصل إلى قناعة بأن كوباني ستسقط. وسقوك كوباني سيؤدي إلى انهيار سمعة هذا الحزب وتقلص دوره في كافة المناطق الكردية. وبالتالي، فرؤية حزب الاتحاد الديمقراطي لهذه الاتفاقية رؤية تكتيكية وليست إستراتيجية. لم تعد لدى هذا الحزب أية جهة لإنقاذ كوباني سوى حكومة إقليم كردستان العراق. وقد فشلت محاولاته لإقامة تفاهمات مع حكومة أردوغان. بكلمة أخرى، فإن اتفاقية دهوك هي اتفاقية بين حزب الاتحاد الديمقراطي كواجهة لحزب العمال الكردستاني وبين حكومة الإقليم في شخصية مسعود البرزاني. لأن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يعطي أية أهمية للمجلس الوطني الكردي ولا يريد أن يكون له مكانة بين كرد سوريا.
لا بد القول أن قوات البيشمركة لإقليم كردستان لا تستطيع حماية المناطق الكردي السورية. فمن ناحية لا يستطيع الإقليم إرسال قوات كافية لحماية هذه المناطق ودحر داعش نتيجة الخطر الكبير على الإقليم نفسه من جهات غير داعش أيضاً، ولا سيما من الحكومة المركزية في بغداد. ومن ناحية أخرى فهذه المسألة مرتبطة بتفاهمات مع التحالف الدولي، وخاصة مع أمريكا، وكذلك مع تركيا التي تشكل خطراً نائماً على الإقليم نفسه.
 وهكذا فعلى المدى المنظور سيواجه الشعب الكردي السوري خطراً كبيراً. فحزب الاتحاد الديمقراطي المتحكم بمصيره لم يستطع إقامة تحالفات ذات أهمية. وعلاقاته مع النظام أفقدته تحالفات داخلية وخارجية. وبغض النظر عن تقيمنا للمعارضة السورية التي سقطت في دائرة القوى الإسلامية، وتحول القسم الأكبر من الجيش الحر إلى كتائب إسلامية تكفيرية، فإن كل هذه الكتائب المسلحة في سوريا أصبحت ضد قوات الحماية الشعبية، بما في ذلك قوات العكيدي. يضاف إلى ذلك نهوض توجهات سياسية حادة معادية للكرد بين المعارضة السورية المختلفة، وكذلك في المستوى الشعبي السوري.
حزب الاتحاد الديمقراطي يراهن على بعض التصورات الخاصة. فهو يعتقد أن الكارثة التي حلت بمنطقة كوباني ستستقطب التأييد العالمي ويدفع التحالف لتزويده بالسلاح ضد داعش. لكننا نعرف أن الكارثة التي حلت بالشعب السوري أعظم، ومع ذلك لم تحرك الدول الغربية وأمريكا ساكناً. كما يعتقد هذا الحزب أن الخلاف الأمريكي التركي سيدفع أمريكا للتخلي عن الدور التركي في المنطقة، وبالتالي لن تجد قوة على الأرض تقف معها ضد داعش سوى قوات البيشمركة وقوات الحماية الشعبية. لكن أمريكا رغم الخلافات الراهنة مع تركيا لن تذهب إلى القطيعة معها. وقد حدثت خلافات من هذا النوع  مع تركيا أثناء حرب على صدام حسين عام 2003، وعادت المياه بينهما إلى مجاريها فيما بعد. لا بد القول أن أمريكا تعرف أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو فرع لحزب العمال الكردستاني، ويقاد من قبله مباشرة، وقوات حماية الشعب هي خاضعة للقيادة العسكرية لكريللا. وممكن في اية لحظة أن يوجه حزب العمال الكردستاني هذه القوة ضد تركيا. لا بد الإقرار أن أمريكا وضعت حزب العمال الكردستاني في لائحة المنظمات الإرهابية بناء على رغبة تركيا. وبالتالي فهي لن تسقط هذه التهمة عن الحزب إلا إذا تم التفاهم بين هذا الحزب وتركيا. 
بات واضحاً أن داعش لن يتخلى عن فكرة السيطرة على كوباني، بل السيطرة على كامل الشمال السوري. لأن مشروع دولته سيكون فاشلاً دون السيطرة على هذه المناطق. وبالتالي على حزب الاتحاد الديمقراطي أن يتوقع أن الصراع مع داعش والقاعدة سيزداد ضراوة في الفترة القادمة. 
السؤال المهم هنا هل ستكون وحدات حماية الشعب قادرة على الصمود؟ 
أعتقد في الوضع الراهن لن ستطيع على الصمود. ولكنه قادر على قلب ميزان القوى لصالحه إذا اتبع الخطوات التالية: 
1- لا بد لحزب العمال الكردستاني من مراجعة ذاتية، والانتقال إلى البراكماتية السياسية بما يتعلق بالوضع الكردي السوري. وبالتالي رفع يده عن حزب الاتحاد الديمقراطي وتركه ليرسم إستراتيجيته السياسية والعسكرية بناء على مصلحة الشعب الكردي السوري.
2- على حزب الاتحاد الديمقراطي إعادة النظر في سياسته والانتقال من الأهداف الحزبية إلى أهداف الشعب الكردي السوري بشكل عام. وعلى هذا الأساس رسم سياساته داخل سوريا وعلى الصعيد الكردستاني والإقليمي والعالمي. ولابد القول هنا أن أي انتصارات للكرد دون إسقاط النظام لن تترسخ لصالحهم. 
3- يحتاج هذا الحزب إلى إطار جديد لكي يكون مقبولاً من التحالف الدولي ويصبح عضواً فيه. وأن يكون هذا الإطار أوسع تمثيلاً للشعب الكردي السوري، يضم أغلبية قواه السياسية والاجتماعية والثقافية.  
4- والأمر الأهم، هو ضرورة التحالف مع حكومة إقليم كردستان، خصوصاً مع السيد مسعود البرزاني الذي أصبح يملك رصيداً كبيراً لدى أمريكا والاتحاد الأوروبي.
4- إعادة تشكيل قوات الحماية الشعبية لتضم كل من يريد الدفاع عن شعبه الكردي، سواء من الأحزاب أو من الشباب بشكل عام. وهذا يتطلب إخراج قوات الحماية الشعبية من صيغة المليشيا الحزبية إلى جيش كردي تحت إشراف قيادة سياسية جديدة. وأعتقد من الضروري أن يكون لحزب الاتحاد الديمقراطي الدور المركزي في الهيئة السياسية العليا وفي الهيئة العسكرية التي ستتشكل. لأن هذا الحزب هو القوة السياسية الأكثر فاعلية على الأرض، وقوات الحماية الشعبية أصبحت لديها عقيدة عسكرية في القتال مشهود لها.
5- لابد من تعزيز دور المجتمع المدني وحرية العمل له، ليكون قادراً على صياغة الرأي العام، وليكون قادراً للربط المصيري بين المجتمع الكردي السوري وقواه السياسية والعسكرية،. والأهم من ذلك لكي يلعب الدور الأكبر في تحرير العقل الكردي من كافة الأوهام الفكرية والسياسية والاجتماعية. 
6- وأخيراً وضع أسس واضحة وصريحة للتعاون والتحالف مع الجهات السورية السياسية والعسكرية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…