عبدالرحمن كلو
بعد أحداث اجتياح داعش لمناطق السنة في وسط وغربي العراق و سقوط الموصل، تحرك إقليم كردستان العراق على الصعيدين السياسي والعسكري بسرعة قياسية للتعامل مع مستجدات الواقع الجديد، حيث أعلن الرئيس بارزاني أن الإقليم دخل مرحلةً جديدة، وأن العملية السياسية في العراق بحاجة إلى مراجعة شاملة، حيث توجه إلى البرلمان الكردستاني للحصول على موافقة البرلمان بخصوص الاستفتاء على حق تقرير مصير الشعب الكردي باتجاه اعلان الدولة الكردية للخروج من المستنقع العراقي، وبالتزامن مع هذا التحرك، غردت بعض الأصوات خارج السرب، ضد إعلان الدولة وجاءت التصريحات من لدن أعلى القيادات الحزبية في شمال كردستان، كما تتالت التصريحات والمواقف الانفعالية من قيادات أخرى من الدرجة الثانية والثالثة بأنهم ضد الدولة القومية، بذريعة أنه ولىّ زمن الدولة القومية دون أي تفسير أو إضافات أخرى سوى القول أن الدولة القومية تعني العودة إلى العبودية،
وفي التوقيت ذاته ابدت بعض القيادات الحزبية الكردية في الإقليم امتعاضها بخصوص تحرك الرئيس بارزاني ووضعته في خانة المزايدة الحزبية، بذريعة التوقيت والمناخ الدولي غير المناسب، لكن البارزاني أصرّ على قراءة الواقع العراقي وفق المفردات المستجدة للحالة العراقية والإقليمية: فالقضية الكردية تمر بلحظتها التاريخية الأنسب دولياً وإقليمياً، وبموجب المعادلة الجديدة لم تعد حلها مرهوناً في بغداد بقدر ما هي خاضعة لمعادلة شرق أوسطية جديدة.
وعند الحديث عن موضوع الدولة ومشروعية إعلانها، يأتي التساؤل: هل الاعتراض هو على الدولة القومية أم الاعتراض على الدولة الوطنية أم الاعتراض على مبدأ استقلال كردستان وإعلان الدولة أيا كانت طبيعتها؟ وماهي مسوغات الرفض ؟ أهي طبيعة الدولة أم هو التوقيت ؟ أم هو الرفض من الخندق الحزبي؟ على قاعدة الخلافات الحزبية التقليدية التي ترفض كل طروحات الطرف الآخر أيا كانت.
هنا لابد من التوضيح والعودة إلى التعريف بطبيعة الدولة و التذكير والتفريق بين الدولة القومية والدولة الوطنية بغض النظر عن نظام حكم الدولة، بسيطة ( مركزية ) كانت أم مركبة (فيدرالية ، كونفدرالية،…لا مركزية ) فالدولة القومية: هي دولة الأمة الواحدة وهي الدولة التي تنطبق فيها الحالة القومية مع الحالة الوطنية( نموذج الدولة الفرنسية) أما الدولة الوطنية: فهي دولة القوميات المتعددة المؤتلفة من مجموعة الأوطان المنعزلة، وبكل الأحوال لا يمكن الحديث عن الدولة الوطنية قبل أن تكون مجموعة الشعوب الأصيلة التي تعيش على أرض أوطانها التاريخية قد مرت وأنجزت مرحلة التحرر القومي، أي ان الشعوب التي تعيش على أرض كردستان كالكورد والكلدان والآشوريين والتركمان يجب وبالضرورة أن تكون قد أنجزت مرحلة التحرر القومي في إطار دولة كردستان الوطنية أو أن تحمل الدولة الوطنية المشروع القومي التحرري لمختلف الكيانات الأممية داخل الدولة الوطنية، ليكون المشروع الوطني منسجماً مع مشروع التحرر القومي، ومفهوم الوطن لا يقاس بمساحة جغرافية محددة حتى وإن كانت مجموعة قرى أو بلدات صغيرة، وأيضاً لا يقاس بأعداد محددة من السكان بل هو الحاضنة التاريخية للأمة مهما كانت الأمة صغيرة، ولا توجد أمم ديمقراطية وأمم غير ديمقراطية لأن الأمة بحد ذاتها كيان تاريخي يعود إلى آلاف السنين ويمتد إلى مئات وآلاف السنين، أي أنها تمثل الأجيال السابقة ( حتى الأموات )واللاحقة ( حتى الذي لم يولد )، لذا فالحديث عن أمة ديمقراطية وأمة غير ديمقراطية عبارة عن سفسطة كلامية نظرية من دون أي معنى.
وبخصوص الدول القائمة في المنطقة والتي تقتسم كردستان وبما أنها من نتاج سايكس بيكو والاتفاقات الاستعمارية السابقة، حيث لم يتم اعتماد الجغرافيا السياسية للأوطان المنعزلة في رسم حدودها بقدر ما تم اعتماد مصالح الدول الاستعمارية ذاتها، لذا فالكيانات القومية المختلفة والمتمايزة أخضعت للإلحاقات والصهر القسري من جانب دول القوميات السائدة، وبغياب المشروع الوطني لهذه الدول، بقيت كل المسائل القومية والعرقية والطائفية عالقة دون حل، بل تراكمت على مر قرن كامل من الزمن وأدخلت المنطقة في صراع قومي وطائفي معقد نعيش حالته اليوم، ولوحة التدخلات الاقليمية في الشؤون العراقية والسورية واللبنانية واليمنية توضح بجلاء دور وعلاقة هذه الاطراف بالانتماءات القومية والطائفية والعرقية، إذاً حتى الانتماءات المذهبية والطائفية والقبلية مازالت تلعب دورها في الصميم فكيف بالمسائل القومية أن تختزل بعبارات لا معنى لها في القاموس السياسي؟ أو كيف يمكن اختزال وطن تاريخي بأطروحات هلامية لا تخدم إلا حالات راهنية حزبية بعيدة عن كل الاستراتيجيات الوطنية والقومية؟ وإذا سلّمنا جدلاً بأن الكورد قد تجاوزا الحالة القومية فبأي حق وأية مشروعية تتواجد قواعد مقاتلي ال pkk في قنديل العراقية لأهداف ديمقراطية في تركيا ؟ كما وماهي المشروعية التي خولتهم- إن لم تكن قومية- التدخل في الشأن الكردي السوري أو التباهي بالقتال في شنكال ومخمور…وغيرها؟ أو تجنيد الكرد السوريين لصالح المعركة الديمقراطية في تركيا؟ كما ويبقى السؤال: بأي عقيدة يقاتل الكورد” السوريون” في صفوف البيشمركة ” العراقيين” ؟ وبأي ذريعة تذهب قوافل البيشمركة بأسلحتهم الثقيلة إلى كوباني ” السورية ” يحملون أرواحهم على راحات أكفهم بمسافات أبعد بكثير من الموصل، المدينة العراقية المحتلة من داعش والتي هي تحت مرمى نيران البيشمركة بشكل مباشر؟
وبناء على معطيات وحقائق طبيعة صراعات اليوم، نرى بوضوح أن حركة التحرر القومي الكردية لم تنجز مهامها بعد، ولا يمكن القفز من فوق تلك الحقائق، كما لا يمكن المراهنة أو التعويل على الدول القائمة والتي فشلت تاريخياً في حل المسألة القومية، لأنها وعلى مدى قرن كامل من الزمن لم تتبن أي مشروع وطني، لذا بقيت الانتماءات كما هي، على الروابط: القومية، والطائفية، والأثنية، والقبلية، …. في الأوطان المنعزلة داخل الدولة وبتداعيات حتى خارج حدود الدولة، ولم تستطع الدكتاتوريات الحاكمة أن تختزل هذه الأوطان في دولها الصنعية، إذ سقطت هذه الدول سياسياً وحتى أخلاقياً وبامتياز أمام استحقاقات حق تقرير مصير الشعوب، وبناءً دولة المؤسسات الوطنية، وهذا الفشل التاريخي لا بد له أن يصحّح بعمل جراحي تاريخي يعيد هيكلة الشرق الأوسط من جديد، لتعود الأمور إلى نصابها، ودولة كردستان الوطنية، والمشروع الوطني الكردستاني الذي يتبناه الرئيس بارزاني من خلال إعلان الدولة، هي بحق ستكون إحدى أهم ركائز هذه الهيكلة.
2/11/2014
صحيفة كوردستان العدد 500 تاريخ 15/11/2014