صلاح بدرالدين
في خضم تسارع الأحداث وتوسع حدود الصراع وتشعب أشكالها الدينية – المذهبية والقومية في المنطقة عموما من العراق الى ليبيا مرورا بسوريا المقرونة بأعلى درجات العنف من مصادرها الثلاث : نظام الأسد وأصولييو الإسلام السياسي بفرعيه السني والشيعي تفوق همجية ظلامية القرون الوسطى نقف الآن وجها لوجه أمام جملة تساؤلات تطرح بقوة حول مااذا كانت المنطقة بصدد إزالة أو تعديل الحدود المرسومة قبل نحو قرن وتغيير جذري في جغرافية الشرق الأوسط التي تمخضت عن اتفاقية سايكس – بيكو ( 1916 ) بعد تثبيتها النهائي بمؤتمر سان ريمو ( 1920 ) كمحصلة لنتائج الحرب العالمية الأولى وتوازن القوى الاستعمارية السائدة حينذاك .
الرأي الغالب حول هذا الموضوع على الصعيد الدولي يرجح احتمال أن نشهد إعادة تخطيط للحدود الحالية في السنوات المقبلة بيد أن هذا لا يعني تغيرا جذريا لشكل الحدود الحالية فداعش هي الجماعة الوحيدة في المنطقة التي تحمل هذا المنطق اللاحدودي مع وجود أطراف وفئات أخرى قد تضع ذلك كاحدى الخيارات في حالات الضرورة القصوى .
ويتساءل أصحاب هذه الرؤية :هل توشك الدول التي أنشأها الاستعمار الأوروبي في عشرينيات القرن الماضي على وشك الانهيار؟ هل سنشهد إعادة رسم مهمة لحدود الشرق الأوسط؟ إن الجواب باختصار على هذا السؤال هو كلا في حين أن أياً من هذه الدول لن تتمكن من المطالبة بسلطة فعالة ضمن حدودها في القريب العاجل، فإن الحدود بحدّ ذاتها لن تتغير في الحقيقة، ستؤول هذه الحدود إلى ما يشير إليه الخبراء بـ”شبه الدول”، المشار إليها دولياً وفقاً للقانون المعني كصاحبة سيادة رغم أنه لا يمكن تنفيذ الشروط التشغيلية الحقيقة التي تتطلبها السيادة، السيطرة على الأراضي والحدود لا شكّ أن السلطة الحقيقة في المشرق العربي ستصبح متاحة أمام الجميع، إلا أن الحدود نفسها ستكون آخر المتغيرات لأن أياً من الفاعلين لا يرغب بتغييرها سواءٌ كان ذلك على الصعيد الإقليمي أم الدولي.
ويطرح هؤلاء العراق كمثال مع انبثاق برلمان كردستان منذ 1992 وإنشاء حكومة الاقليم التي تميّزت بمعظم سمات الدولة – السيطرة الفعالة على الأراضي وامتلاكها قوى عسكرية خاصة بها والقدرة على إقامة العلاقات الخارجية – إلا أن خريطة الدولة العراقية لا تزال على حالها ولم يشوبها أي تغيير. وإذ يبدو أن حصولها على الاعتراف الدولي أمراً غير مرجح، من المحتمل أن تستمر حكومة إقليم كردستان على أنها تشكل جزءاً من العراق، رغم حقيقة أن معظم الأكراد يفضلون أن يتمتعوا بدولة مستقلة.
واذا كان الغرباء الأجانب وليس شعوب المنطقة هم من قاموا برسم حدود سايكس – بيكو والآن وفي الظروف الدولية الراهنة يبدو أن لا مصلحة لأي غريب بإعادة رسمها من جديد ، أو بالاعتراف بإعادة رسمها، في الوقت الراهن. ولا شكّ أن الولايات المتحدة لا ترغب بذلك. قدمت الولايات المتحدة رعايتها لحكومة إقليم كردستان منذ نحو 25 سنة، إلا أنها لم تشجع الأكراد يوماً على إعلان استقلالهم. ولم يقترح أي زعيم روسي أو صيني أو أوروبي عقد مؤتمر دولي لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. قد تشهد الدول هذه تفككاً داخلياً. وقد تنشأ سلطات “أمر واقع” حاكمة. ولكن لا يبدو أن رياح التغيير ستطال الحدود الدولية بحدّ ذاتها. يشهد كل عمل في الشرق الأوسط تصاعداً هاماً، مع خوض مختلف الجماعات المحلية والإقليمية معارك من أجل السيطرة على هذه الدول ومع تقديم القوى الإقليمية المساعدة لحلفائها في هذه المعارك. ولكن يبدو أن هذه المعارك ستستمر، على الأقل رسمياً ومن حيث القانون الدولي، ضمن الحدود التي رسمها الفرنسيون والبريطانيون منذ نحو مئة عام. في الواقع، تعيش اتفاقية “سايكس – بيكو” طالما أن السلطة ضمن حدودها تتسم بالضعف.
ثورات الربيع حملت آمال الشعوب في انتزاع الحرية والكرامة واجراء التغيير الديموقراطي وإعادة بناء الدول على أسس جديدة وفي الدول المتعددة الأقوام تبنت مناصرة القوميات المضطهدة وإعادة الاعتبار لهوياتها والتسليم بتلبية حقوقها المشروعة حسب ارادتها وعلى قاعدة أولوية مبدأ الحق في تقرير المصير في اطار الدولة الواحدة وحسب صيغ وترتيبات دستورية ضامنة ولكن جميع هذه الثورات لم تطرح في برامجها مسألة إعادة النظر في الحدود القائمة بين الدول .
على أي حال ومهما قيل في اتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت أراضي الترك والكرد والعرب الا أنها أبقت أو أنشأت دولة الترك ودول العرب ولكنها حرمت الشعبين الكردي والفلسطيني من الأرض والحرية والاستقلال وكما يبدو فان خلاص الشعبين لن يكون في القرن الواحد والعشرين حسب المفاهيم السائدة في زمن تلك الاتفاقية العتيدة .