التخلف و الواقع الكوردي

هفال الملا 

العالم الثالث, التخلف, التنمية, كلمات ثلاث تكاد تتلازم طارحةً أكبر قضية أو تحد تواجهه البشرية في القرن العشرين, و نعني به تحدي النهوض بثلاث أرباع البشرية كي تلحق بركب بلدان العالم الأول (الصناعي الرأسمالي) و بلدان العالم الثاني الاشتراكي التي يطلق عليها اسم البلدان المتقدمة

هذا التحدي يطرح على مجمل بلدان العالم الثالث و البلدان المتقدمة على حد سواء .

حيث برز مصطلح التخلف بعد نهاية الحرب الكونية الثانية مع حصول عدد كبير من البلدان المستعمرة على الأستقلال .

يمكن أطلاق لفظ التخلف ليس فقط على الانسان المتأخر عن غيره آنياً من الجوانب الأقتصادية و الأجتماعية والثقافية و التكنولوجية و السياسية و غيرها , و تسيطر عليه الرغبة الجامحة في العودة إلى تقاليد الماضي البالية , بل أيضاً على الشخص الذي يبقى في مكانه دون حركة أو تغيير أو تطوير.

سيما وأن البلدان المتخلفة ليس بالضرورة أن تكون فقيرة , فهناك بلدان غنية و في نفس الوقت متخلفة عن غيرها مثل (دول الخليج العربية) , دول أخرى كثيرة صناعية كلياً أو جزئياً و تبقى فقيرة مثل (البرازيل).

– بالنسبة للواقع الكوردي من كل ذلك وفي الوقت الذي يسيطر فيه المنطق و التفكير التقليدي و العشائري على عقلية المواطن الكوردي في أجزاء كبيرة من كوردستان , تبدو الرغبة الى البروز الذاتي و المصلحة الذاتية فوق أعتبارات أخرى أكثر أهمية .
متذرعين بوجود العائلة أو القبيلة أو العشيرة التاريخي و موقعها الأستراتيجي .

كذلك بعض الشباب الكوردي الذي بات يسيطر عليه هاجس مرض الزعامة , الطامح الى طرق أبواب الشهرة و المجد من خلال التمسك بالاسم القديم البالي في غابر الأوقات.

– فكما يقول عبد الرزاق عيد عن العرب بأنهم (أكثر أمم الأرض قاطبةً حفاوةً بالتاريخ حتى أنهم يمكن أن يكونوا ممثلي الماضي بلا منازع , فكلما أولهمت الخطوب و أضطربت الرؤى نهض الماضي لهم بوصفه الخبر الوحيد الذي يملكونه في شريط الزمن الهارب من بين أصابعهم).

كذلك الأمر ينطبق على الشباب الكوردي المتمسك بالألقاب و مخلفاتها.

حيث ينطبق عليهم أيضاً المقولة الفلسفية (كل غرور يخبىء نقصاً).

– ولعل من أهم مسببات التخلف و الأكثر خطورة عليه بنفس الوقت , التفكير البالي و العادات و التقاليد التي تعود الى القرون الوسطى التي لا يزال يتمسك بها نسبة لا بأس بها من الكورد حتى الوقت الراهن ولا يريدون تغيرها أو حتى مجرد التفكير بتغيرها, لأنها بمجرد تغيرها تعتبر نهاية أو تغيير جذري قاسي لحياتهم .

استناداً إلى افلاسهم الفكري و الاجتماعي و كذلك الاقتصادي و السياسي و التكنولوجي .

و عدم احساسهم بالانتماء الى العصر الراهن بما يحمله من تغيرات مذهلة و عقول لا تتوانى عن الأبداع المستمر و لو للحظة واحدة .

إضافة إلى المخترعات المتزايدة في عصر الثورة العلمية التكنولوجية .

و لعل من أبرز مظاهر التخلف ذلك الجانب السوداوي المتمثل في .

1- رغبة أؤلئك الشباب في الوقت الراهن بما يحمله من تغيرات و تطور .

بالعودة إلى الماضي السحيق و القصص البالية لبعض الرواة من الشيوخ المتمسكون أكثر بقيمهم و مبادئهم التي تربوا عليها و يصعب عليهم كثيراً تركها.

حيث تبدو الرغبة جامحة عند أؤلئك الشباب كثيراً بالعودة إلى الوراء كالذي يقبض على عجلة التاريخ بيديه الأثنتين و يرجعها إلى الوراء أو على الأقل لا يدعها تتحرك .

فبتنا كالذي ينطبق عليه القول (إذا أردنا أن نتعامل مع الماضي , فسوف نظل في الماضي , و إذا أردنا المستقبل فأول المطلوب منا أن ننسى)

2- بالنسبة لمظاهرالتخلف في الواقع الكوردي السياسي , حيث لا يخفى على أحد مسألة التحزب المستشرية بشكل كثيف في مناطق كوردستان كافة.

و إذا أخذنا بعين الاعتبار كل مقومات التعددية السياسية جانباً , نرى بأن تكوين الأحزاب و انشقاقها عن بعضها , بسبب و بدون سبب نتيجة الرغبة إلى مجد ذاتي .

نرى بأنها تمثل جوهرالتخلف السياسي الكوردي .

حيث بات تكاثر الأحزاب أكثر من تكاثر الأيديولوجيات الحزبية التي نحن بأمس الحاجة إليها.

3- صرف أموال كثيرة على أمور تقليدية و عادات لا تستحق كل هذا البزخ.

الأمر الذي يؤثر على الواقع الأقتصادي في عموم المنطقة , و يقضي على فرص الفقراء في التطلع الى دعم من قبل هؤلاء.

حيث تبدو الهوة واسعة بين الأغنياء و الفقراء في معظم المجتمعات المتخلفة .

– و هكذا نرى بأننا بأمس الحاجة إلى الاهتمام الجدي ببرامج و خطط التنمية وتنمية العقل و الفكر بغية الاستجابة لمتطلبات العصر .

كذلك الانفتاح على كل الثقافات و الشعوب و عدم تجاهل أو الغاء وجود أحد .

و الاهتمام بالذات الانسانية و تطويرها و تحديثها بشكل دوري.

و لعل أهم دليل على ذلك قول مأثور للامام العلي كرم الله وجهه (ميدانكم الأول أنفسكم فإذا أنتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر و اذا خذلتم فيها كنتم على غيرها أعجز فجربوا الكفاح معها أولاً) .

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…