الكرد في إعلام المعارضة العربية

د. محمود عباس


  تحت غطاء الوطن، والعروبة، على مدى العقود الماضية، وقبلها وعلى مدى القرون السابقة تحت عباءة الأمة الإسلامية موشحة بالسيماء العنصرية الجاهلية القادمة من ولاية قريش ومنذ سقيفة بني ساعدة، تم التعتيم على كل الشعوب المجتاحة تحت اسم الفتوحات، ومنذ بداية منتصف القرن الماضي ركزت الأنظار على الكرد وقضيتهم، وبحقد فاضح، من قبل الإعلام العربي، ومثقفيهم، وبتخطيط مركز مفروض من قبل السلطات الشمولية والحكومات العنصرية، وبتعمد لا سابقة لها في الشرق  إلا عمليات العتم الطوراني بعد ظهور أتاتورك، لكلية الشعب الكردي بتاريخه وجغرافيته (لا شك يستثنى شريحة وطنية صادقة مع ذاتها ومع الكرد والشعوب الأخرى، والتي تفرض احترامها والتقدير لأرائها ونأمل أن تسود يوما ثقافتهم في العالمين العربي والإسلامي على الثقافة العنصرية الإلغائية السائدة).
   بعيداً عن العنصرية ومحاولة لعرض الحقائق التي تظهر من إعلام المعارضة (الصديقة في الدرب والمفاهيم، كما يعرض)، والتي تنظر إليها على أنها تنشر الثقافة الحضارية حيث الديمقراطية والعدالة والمساواة بين شعوب المنطقة والتي تآذت معا من ظلم وجور الطغاة، والتي عدائها المقصود أو أخطائها غير المقصودة بحق الكرد وقضيتهم، بدأت تجرح وتؤلم، أكثر مما كانت تفعله السلطات الشمولية، وبناءً على مسيرة طويلة مع ما يظهر وتنشر في الإعلام بكل أنواعها، نعرض التالي آملين أن تجلب أنتباه الإخوة، ويدركون ما هم عليه سائرون، وما سينتهي بهم هذا الطريق  الشائك، وإلى أي مستنقع يدفع بهم إليها البعض المغرض.
 فما يجري اليوم من الضجة الإعلامية على الكرد تبين أن الحقبة المظلمة تنتهي وتبلغ نهاية مراحلها، فلم يعد الصمت يتلاءم وعصر الإنترنيت، وانتشار المعلومات، لكن الثقافة المبنية على الحقد والعنصرية والتي بنيت عليها إعلام الحكومات العنصرية، والتي ألغت كل العلاقات الإنسانية والإخوة بين شعوب الشرق، والتي لن تتخلي عن نهجها بسهولة، ستواجه مفاهيم الثورات، بطرق وأساليب جديدة تتلاءم والتطور الإعلامي، وستحاول أن تجلب الإعلام المعارض إلى نشر ثقافتها بطريقة أو أخرى، أو ستبث فيها مفاهيمها.
 رغم أن إعلام المعارضة واجهت بشكل واضح وصارخ إعلام المستبد، وعرضت ذاتها كصوت للمعارضة والمدافعة عن الشعوب الثائرة، لكنها وفي فترات متعددة وخاصة في السنوات الأخيرة، لم تعد قسم منها تقوم بدورها كإعلام معارض تتبنى مفاهيم ثورية صادقة، ورغم أنها لا تتوانى من تعرية السلطة وتطالب بتغييره، لكن معظمها، نادرا ما ترفع شعار إسقاط الأنظمة والتي ضمنها تكمن تغيير الثقافة البعثية العروبية والإسلام السياسي الموبوء في مجتمعات الشرق، ومن أهم سلبياتها، أنها لا تتعامل مع قضايا الشعوب غير العربية والأديان غير الإسلامية، والمذاهب والطوائف غير السنية، بالمفاهيم والمتطلبات التي خرجت من أجلها الثورات الشبابية، وكثيرا ما تدخل في صراعات مع أعلام الآخر غير العربي، تحت حجج واهية. ولا شك الأمثلة متنوعة، من داخل الثورة السورية، أو من الدول العربية الأخرى الدارجة في عمق الصراع الثوري مثل العراق ومصر ودول الخليج والسعودية وحتى لبنان، ولا يستثنى من هذا تركيا وإيران، بالإضافة إلى شريحة واسعة من الإعلاميين والمثقفين من الدول العربية الأخرى، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالشعب الكردي.
  والغريب أن ذهنية البعض منهم تفتقت بإتباع طريقة إعلاميي السلطات العنصرية، وذلك بتبني نهج جديد، وإتباع أساليب مغايرة تتلاءم وعصر النت حيث زوال حواجز الرقابة، فكان الانتقال من (التعتيم) إلى (التكثيف الإعلامي) حول الكرد وقضيتهم القومية والوطنية، فظهرت عمليات التغطية بكل الأبعاد الإعلامية، لكن بمفاهيم سلبية، يسردون التاريخ الكردي والكردستاني بتشويه غريب ومحير لكل المؤرخين، ويتعرضون إلى الجغرافية والديمغرافية الكردستانية برؤى ذاتية غارقة في العنصرية والحقد، معظمها مستسقاة من مصادر وحيدة الرؤى، من مجموعة كتاب عروبيون مشهودون لهم بعنصريتهم، أمثال محمد جمال باروت، رجل البعث على مدى العقود الماضية.
  والبعض من الإعلام المرئي، كثيرا ما تبث مفاهيمها، إما بمحاضرة لمعلقين سياسيين وخبراء لهم خلفيات ثقافية عنصرية، أو بتقارير غير منطقية وبعيدة عن الصدق، وبدون أسناد علمي، معظمها بعثية بكل أشكالها أو عروبية تلغي الآخر أو تقبله تابعا موالياً، كقناة (أورينت القسم العربي مؤخراً، صوت المعارضة السورية) والجزيرة بشكل خاص في نهجها الراديكالي الإسلامي والتي تفرز الكرد ضمن حلقة خارج الإسلام والمعارضة، ولم تعرض حتى اليوم تقريرا عن الكرد إلا فيه تشويه مقصود، إما للتاريخ أو لحراكهم كمعارضة سياسية. 
  كما وبرز في الأونة الأخيرة وبكثافة كتاب ومثقفون في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع وبشكل خاص على شاشات الأقنية العربية المعروفة عالميا أو على مستوى المعارضة، يبثون كل ما يمكنه لتشويه التاريخ وتغيير الجغرافية، وكثيرا ما يتعرضون إلى الوجود الكردي كقومية وشعب، وسمعة النخبة الكردستانية في كل حضور، ويدمجون بين العلاقات السياسية وقضية الشعب الكلية، وغيرها من الأساليب، للإتيان على ما يعرض في الإعلام العالمي حول المعاناة التي تلقاها الكرد من طغاة الدولة المستعمرة لكردستان خلال العقود الماضية، بل والقرون الماضية، ولولا شريحة وطنية عربية صادقة، مشبعة بثقافة نقية حضارية تؤمن بالأخر مثلما تؤمن بذاتها وثورة الشعب، لسادت ثقافة السلطات الشمولية  بدون حواجز على مفاهيم الثورة. والأبشع في هذه الشريحة من إعلام المعارضة العربية والسورية هو التركيز على أن الكرد هم الأقلية التي يحتضنونها ويحرصون عليها من سياسييها ويحافظون عليهم من التلاعب الدولي والصهيوني، وكل ما يخرج من نطاق سيطرتهم وطغيانهم يدرجونه في خانة الخيانة أو العداء للإسلام، حيث منطق الخيانة لها خاصيتها وميزتها الذاتية عندهم، وتنحصر في قبول هيمنتهم أو نفيه!
  بتخطيط دقيق، يغيبون القضايا الرئيسة في المسألة الكردية والكردستانية، ليثيروا الجزئيات من الخلافات، فنادرا ما يبحثون في التعتيم والقهر المخطط، والاستبداد، ولا يتطرقون إلى قضية وجود جغرافية كردستان الممزقة، ويتناسون وجود ما لحقيقة الاستعمار الذي مارسه وتمارسه السلطات الشمولية، لكن من السهل للإعلام  العروبي إثارة مسألة انتقادات الكرد لبعض أطراف المعارضة المشكوكة في إخلاصهم للشعب والثورة، ومصداقية تقارير بعض الإعلاميين والإعلام  المحسوب على المعارضة، فيتعرضون وبقساوة لدفاع بعض المثقفين الكرد عن ذاتهم المهمشة ومعانات شعبهم، وعمليات النهب الممنهج لثروات وطنهم، وتمزيق جغرافيتهم وتشويه الآخر لتاريخهم، كما وينهجون الخلط المقصود  بين وجود شعب على جغرافية وطن ذات تاريخ ممتد في عمق القرون، وبين هجرة أو تهجير قسري ظهر في القرن الماضي، ليبنوا عليها أراء حول الوجود الكردي أو عدمه، مثلما عرضها  محمد باروت وغيره في مؤتمر الدوحة عام 2011 والمخصص للعلاقة  بين الترك والعرب، تحت إشراف عزمي بشارة، وخصص فيها عدة محاضرات حول الوجود الكردي الديمغرافي والجغرافي في سوريا، ونشر على خلفيتها محمد جمال باروت كتابه، العقد الأخير في تاريخ سوريا، حول الأقليات فيها، وضمنها فصول واسعة عن الكرد، يعرضهم على أن وجودهم كانت نتيجة هجرة من العمق التركي. هذه وغيرها من المحاضرات والتقارير التي تعرض في الإعلام، وبتشويه مركز، متناسين التعريب والتتريك والتفريس الممتد على مدى قرون، عارضين رؤيتهم عن هجرات القبائل العربية الأولى بعد ظهور الإسلام تحت مفهوم الفتوحات على أنها كانت ضمن جغرافية عربية، علما أنه كان ولايزال في مفهوم معظم الشعوب والمذاهب المتواجدة في الشرقين الأوسط والأقصى استعمار مشابه لمنطق الاستعمار الاستيطاني. 
كثيرا ما يتلاعب هذا الجزء من الإعلام المعارض (اسما) بمفهوم غريب، وهي أنهم يساندون الأقليات المتواجدة في جغرافية الوطن العربي، ويمنون بها على الكرد، ويعاتبون على أنهم لا يتلقون الشكر رغم كل ما يقدمونه من خدمات، مثلما تفعلها قناة أورينت القسم العربي ومنتها بالقسم الكردي، الذي لا يتجاوز الساعة من البث، وبإمكانيات مادية هزيلة، وبعض المواقع العربية التي تنشر مقالات للكتاب الكرد. فهي طريقة رخيصة وساذجة  في تعاملهم، ونابعة من نظرة دونية، وكثيرا ما يذكرون الكرد وبشماتة فاضحة، على ما يقدمونه بكرم مجبول بهوبرة إعلامية، متناسين أن خيرات كردستان تنهب ومنذ قرون من قبل سلطاتهم، وعلى أنهم في حال تذكير الكرد يتلقون النقد مثلما هي في حالة التعتيم، علما أن التعتيم والتذكير هي نفسها غارقتان في العداوة، كل واحدة بطريقة ونهج مخالف، وكلاهما يهدفان إلى غاية وحيدة وهي ضرب القضية الكردستانية، خاصة وأن البشرية بأغلبيتها تدرك، والدول المجاورة تعلم تماما أن عملية تحرير كردستان مرفوضة بمطلقه من قبل معظم الدول العربية وإيران وتركيا، فكل ما يظهر في إعلامهم تستخدم بطريقة أو أخرى لعدم بلوغ الكرد إلى هذا الهدف.  
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…