البارزاني يتخطى حواجز الهامش الإقليمي

عبدالرحمن كلو

 
إقليم كردستان بحكم علاقته القانونية بالدولة العراقية، وبموجب الدستور العراقي لم يستطع على مر عقد من الزمن أن يتحرك إلا ضمن الهامش الإقليمي المسموح به من جانب الدولة العراقية ودول الجوار العراقي: سوريا وتركيا وإيران، والمعادلة الإقليمية الممانعة للمشروع الوطني الكردستاني أنهكت الإقليم في الجانب السياسي والأمني والعسكري، إذ كانت المعادلة ذات الطابع التاريخي التقليدي مؤسسةً على استراتيجية موحدة بخصوص الحالة الكردية، لكن مع تحولات وتداعيات الحرب العالمية على الارهاب وأمام فشل الدول الإقليمية – كأنظمة وكشعوب – في أن تكون شركاء حقيقيين  للغرب وللولايات المتحدة الامريكية في هذا الصراع، عمدت أمريكا على تغيير قواعد المعادلة الإقليمية باعتمادها على الكورد كقوة أساسية في هذه الحرب، إذ تبنت مبدأ الجغرافيا السياسية في الاصطفافات والتحالفات بدلاً من الحدود الجغرافية للدول الإقليمية القائمة،
 وفي سياق هذا التغيير البنيوي استطاع البارزاني تفعيل الجغرافيا السياسية للحالة الكردية في الشرق الأوسط مما أدى لحضور كردي قوي في المعادلة الجديدة، وعلى الرغم من بعض المنغصات الحزبية التقليدية التي ظهرت في الساحة الكردستانية عموماً، ومحاولة بعض الأطراف إذكاء الصراعات و الاصطفافات بدفع من إيران تجاه المشروع الشيعي العقائدي إلا أن فاعلية قوة الارادة السياسية والعسكرية لدى البارزاني وإصراره على  الخروج من تحت عباءة  السياسة الإقليمية وتخطي كل حواجز الحركة التي وضعتها الدول التي تقتسم كردستان أفضت إلى أن يكون شريكا فعلياً في التحالف الدولي على الارهاب، وبإتقانه المساهمة في ترتيبات استراتيجية العلاقة مع المشروع الأمريكي استطاع قلب الموازين السياسية كردستانياً لذا كان له الأرجحية في النفوذ والمبادرة حتى بات مشروع التحرر القومي الكردي جزءاً أساسياً من عملية إعادة هيكلة  الشرق الأوسط، وأصبحت أربيل مركزاً للتغيير. والمشروع بدا خطواته الفعلية على الأرض من خلال التجاوب المباشر مع الاقليم من دون العودة إلى السلطات المركزية في بغداد حيث التسليح النوعي وإنشاء قواعد للتدريب والتأهيل وإنشاء مطارات عسكرية ذات بعد استراتيجي، لكن مجموعة الاسئلة  بقيت مطروحة: هل الأطراف السياسية  الكردية الأخرى في الشمال والجنوب أدركت أن البارزاني يقود مشروعاً وطنياً كردستانياً بمنأى عن أية حسابات حزبية ؟ وهل أدركت أن المشروع الإيراني في العراق تراجع إلى درجة الاستسلام أمام المشروع الأمريكي وقامت – مرغمةً- بعزل المالكي ؟ كما أن عليها أن تعي بأن الساحتين السورية والعراقية هي ساحة واحدة أمريكياً وأن أمريكا لن تتراجع عن مشروعها الشرق أوسطي الكبير وهي بصدد التنفيذ، لذا على هذه القوى الكف بالمراهنة على المشروع الايراني لأنها في عملية خاسرة بالنهاية وفي كل الأحوال، وحتى إن استطاعت وضع بعض العراقيل من خلال إثارة بعض الصراعات الحزبية الجانبية والمسائل السياسية والأمنية للحالة السورية الراهنة، لكن في نهاية المطاف عليهم التفكير بما بعد سايكس بيكو سياسياً وعسكرياً والذي أصبحت حدوده من الماضي، والتحالفات التقليدية فقدت مدة صلاحيتها، وهنا علينا التذكير بأن التحالف الدولي الجديد ضد الارهاب هو البعد الجديد لحلف الشمال الأطلسي ( الناتو) أي أنه الصيغة الجديد للحلف لما بعد سايكس بيكو،  وأن قوات البيشمركة هي إحدى أهم عناصر هذه القوة وإلا ماذا يعني عبور البيشمركة حدود ثلاث دول (كانت ذات سيادة ) مسافة أكثر من ألف كيلو متر وهي تدخل كوباني المدينة الكردستانية ؟ في تقديري أن هذه المسافة تحمل في طياتها معنىً أكثر من أن تكون مسافة طوبوغرافية  على الأرض بقدر ما هي مسافة زمنية سياسية  في سياق استراتيجي مدروس لمشروع كبير أكبر من أية محاولة إقليمية أو حزبية للنيل منه حيث اختصرت الكثير من المسائل الاقليمية الأكثر تعقيداً وتجاوزت المألوف السياسي الخاضع لإرادات الدول الإقليمية إلى حيث الشرق الأوسط الكبير.
25/10/2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…