في الثامن عشر من شهر تشرين الأول الجاري، مرّتِ الذكرى الرابعة لرحيلِ رئيس حزبنا الأستاذ إسماعيل عمر رحمهُ الله. ووفاءً لذكراه العطرة، توجّهَ المئاتُ من رفاق وأصدقاء حزبنا من مختلف مدن ومناطق المحافظة بدءً من ديريك وحتى سري كانيه (رأس العين) والحسكة لزيارة ضريحهِ في قريته (قره قوي)، حاملينَ معهم باقاتٍ من الزهور والورود تكريماً له واستذكاراً لنضاله وقيمه الفاضلة.
إن الأحداثَ السياسية المتسارعة والتحالفاتِ العسكرية التي تجري في المنطقة والعالم لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي وغيره من قوى التكفير والتطرفِ الدينيِّ، تلك التي نشأت بالأساس من تناقضات مصالح الدول العظمى التي اشتدتْ حدّةً بعدَ الحرب الجارية في سوريا منذ ما يقارب الأربع سنواتٍ والتي يتحمل نظام القمع والاستبداد مسؤوليتَها،
تشيرُ إلى احتمال بروز عهدٍ دولي جديد ومتغيراتٍ عميقةٍ في المنطقة قد تطالُ جغرافيا العديد من الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي، واصطفافاتٍ جديدة بعد التغيير الذي أحدثه تنظيم داعش في الخارطة الجغرافية لأكثر من دولة. وبما أنّ الكردَ هو أحدُ شعوب المنطقة المعنية بالتغيير والأكثرُ غبناً وتضرراً في تاريخ البشرية المعاصر، فإن الواجبَ القوميَّ يفرضُ عليه أن يكون مستعداً ومؤهلاً لاستقبال المرحلة المقبلة ومواجهة المستجدات بيقظةٍ وتعقّلٍ لدفع المكائد عنه.
لا يخفى على أحدٍ بأنّ العلاقاتِ الكرديةَ-الكردية في سوريا لم تكنْ في حالةٍ مُرضية، ليس هذا فحسبُ، بلْ كانت هناك شبهُ قطيعة سياسية بين المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي Tev-dem والتي تركتْ أثراً سلبياً على المزاج الكردي العام، والذي يعي بفطرته أنَّ وحدةَ الكرد هو مفتاحُ حصوله على حريته وحقوقه، وانطلاقاً من هذه القناعة، وبتشجيعٍ من الأشقاء والأصدقاء، فقد تكَّلَلتِ الجهودُ المشتركة التي بذلتْها أحزابُ المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي Tev-dem والحواراتُ المسؤولة التي جرتْ برعاية رئيس إقليم كردستان العراق على مدار أسبوع من الزمن بتوقيع اتفاقية دهوك بتاريخ 22 تشرين الأول بحضور السيد مسعود البارزاني ، إذْ تم الاتفاق على ثلاث نقاط جوهرية هي تشكيل مرجعية سياسية تقود دفة السياسة الكردية المشتركة في هذه المرحلة، ومشاركة المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية المعلنة منذ عام تقريباً من جانب حركة المجتمع الديمقراطي بعد التوافق على إجراء بعض التعديلات عليها واعتبار المناطق الكردية السورية وحدة إدارية سياسية واحدة، والاتفاق على تشكيل وحدات عسكرية بالتعاون والتنسيق مع وحدات حماية الشعب YPG ريثما يتم توحيدها في تشكيل عسكريٍّ متفقٍ عليه له قيادته.
تلقّتْ جماهيرُ شعبنا الكردي في سوريا وباقي أجزاء كردستان وأصدقاءُ شعبنا الكردي في المنطقة والعالم نبأَ الاتفاق بفرح وارتياح عميق لما تتطّلبه المرحلة من ضرورة وحدة الصف الوطني الكردي في مواجهة الحملة البربرية الممنهجة التي تتعرض لها المناطق الكردية عموماً ومدينة كوباني على وجه الخصوص، حيث كان لحزبنا شرفُ المساهمة في تقارب وجهات النظر بين المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي من خلال إجراء لقاءاتٍ تشاورية متعددة ضمّت العديد من الأطراف السياسية في هولير وقنديل والسليمانية سبقت توقيع هذه الاتفاقية، والتي نأملُ من الجميع رعايتها وتنفيذَها على أرض الواقع بما يخدم قضية شعبنا الكردي العادلة.
من جانبٍ آخر، فقد شهدت كوباني حملة شرسة من جانب التنظيم الإرهابي داعش المدجج بالأسلحة الثقيلة والحديثة التي استولى عليها من مخازن الجيش السوري والعراقي في الرقة والموصل، ومارسَ مختلف صنوف القتل والإجرام بحق المواطنين العزّل، مما أدّى إلى تفريغ 382 قرية من سكانها ولجوئهم إلى تركيا بحثاً عن الأمان تاركين خلفهم مزارعهم وممتلكاتهم، ليعيشوا أوضاعاً مأساوية في ظروف لجوءٍ لا تتوفرُ فيها أقلُّ مستلزماتِ الحياة، حيث فقدَ العديدُ من الأطفال والشيوخ والمرضى حياتهم بسبب قلة الغذاء والدواء وحليب الأطفال … ومنذ ما يقارب الشهر والنصف، تدافعُ وحداتُ حماية الشعب YPG وأهلُ كوباني عن مدينتهم في حربِ شوارعَ مفتوحة بأسلحةٍ خفيفة، فاستبسلتْ في الدفاع بصورة أذهلتِ المجتمعَ الدوليَّ، ورفعتْ من شأن ومكانة القضية الكردية كما أنها اكتسبت تعاطفاً دولياً فريداً.
اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي بمكافحة إرهاب داعش قراراً بقصف قوات التنظيم الإرهابي وآلياته في كوباني تجنباً لسقوطها، وطلبت من تركيا السماحَ باستخدام قاعدتها العسكرية في انجرلك للتعامل مع التنظيم الإرهابي، إلا أن تركيا رفضتْ ذلك، واشترطتْ مشاركتها في التدخل البري بثلاث شروط منها قتال المنظمة الإرهابية بالتوازي مع قتال قوات النظام السوري، وبعد إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا بذريعة حماية حدودها الجنوبية، متوخيةً من ذلك النيلَ من طموح شعبنا الكردي في نيله الحرية والمساواة، وخشيةً من انعكاس ذلك على القضية الكردية في تركيا، وصولاً إلى فرض شكل نظام الحكم الذي تحبّذهُ بقيادة التيار الديني السياسي في سوريا المستقبل. فقوبلَ الطلبُ التركيُّ المريبُ بالرفضِ من جانب أمريكا وقوات التحالف الدولي باستثناء فرنسا التي تنظر إلى المسألة من منظارٍ آخر، هو حماية السوريين من مجازر محتملة من جانب قوات النظام وفقَ ما أعلنتْ عنها.
في الوقت الذي كانت فيه المنظمةُ الإرهابية تقصفُ كوباني بالحمم والقذائف، قامتْ تركيا برصف دباباتِها على محاذاة حدودها مع مدينة كوباني بصورة استفزازيةٍ ومسيئةٍ للمشاعر الكردية، منتظرةً سقوط المدينة العصية على السقوط، مبتغيةً إفشالَ التحالف الذي كان يعلم جيداً أنَّ الضرباتِ الجوية لوحدها ليست كافية لإخراج الإرهابيين من المدينة، ويدرك بضرورة وجود قواتٍ برية مقاتلة على الأرض، ويعي بأنّ الأسلحة التي يمتلكها المقاتلون الكرد هي خفيفة لا تفي بمهمة الدفاع عن المدينة، ليس هذا فحسبُ، بل نفذت ذخيرتهم أيضاً. فأقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق على إنزال بعض الأسلحة والأدوية والأغذية بالمظلات للمقاتلين الكرد في كوباني على الضد من رغبة الدولة التركية التي عبّرتْ عن استيائها واعتبرت كلاً من تنظيم داعش وقوات حماية الشعب فصيلان إرهابيان لا فرقَ بينهما!!. أثار الموقفُ التركي العدائي والمتشفّي من الكرد حفيظة الأكراد في تركيا، وبدعوةٍ من حزب الشعوب الديمقراطية، أقدمَ كردُ تركيا على تنفيذ إضراباتٍ احتجاجية عارمةٍ شملتْ عمومَ مدنِ كردستان الشمالية، وتعاملتْ معها الحكومةُ التركية بعنفٍ شديدٍ، أودتْ بحياة ما يقارب الثلاثين شاباً كردياً من المتعاطفين مع أهلهم في كوباني المنكوبة.
بعد زيارة وفدٍ من برلمان إقليم كردستان العراق إلى كوباني واجتماعه مع الأهالي والمقاتلين الكرد ورؤيتهم الواقع الميدانيَّ المعاش وعودتهم إلى الوطن، عُقِدَ اجتماعٌ خاص للبرلمان حول كوباني، قرّرَ فيه الموافقة على إرسال قوات من البيشمركة الكردية إلى كوباني لمؤازرة مقاتلي قوات حماية الشعب، وبتاريخ 28 تشرين الأول الجاري وبأمرٍ من السيد رئيس الإقليم، توجهت الدفعة الأولى من قوات البيشمركة مزوداً بالسلاح والعتاد الكامل إلى كوباني عبر أراضي تركيا التي اشترطتْ دخولَ قوات البيشمركة بدخول قواتٍ من الجيش السوري الحر، حيث تم الاتفاق على دخول عددٍ محدود منها إلى كوباني، وبتاريخ 30 تشرين الأول اجتازت أول دفعة من قوات البيشمركة البوابةَ الرسمية لكوباني وتمَّتِ المباشرةُ بدراسة تشكيلِ غرفة عملياتٍ مشتركة مع الجيش الحر وقوات حماية الشعب الكردية. إذْ يمكن القولُ أنَّ دخولَ قواتِ البيشمركة إلى كوباني لمناصرة ومؤازرة إخوتهم المقاتلين وأخواتهم المقاتلات في قوات الحماية الشعبية يفتحُ الطريق أمام علاقاتٍ كردستانية جديدة، مبنية على أساس المصلحة القومية المشتركة ويضعُ حداً لأوهام المراهنين على الصراعات البينية الكردية، ويساهمُ في تحرر الكرد من المحاور الإقليمية التي لطالما استخدمت القضية الكردية ورقةً بيدها تستعملها خدمة لمصالحها.
إنَّ العلاقاتِ التركية الأمريكية المميزةَ التي امتدت لأكثر من ستة عقود تعيش اليومَ مرحلة حرجة بسبب إصرار الجانب التركي على عرقلة خطط التحالف الدولي وبرامجه الرامية إلى دحر تنظيم داعش الإرهابي، واضعةً شروطها الخاصة المتعلقة بمعاداة حقوق الكرد في كل من سوريا وتركيا ومناصرة التيار الديني، وميلها الواضح إلى مغازلة التنظيم الإرهابي الذي ربما تعود أسبابه إلى خشيتها من الخلايا الإرهابية النائمة في الداخل التركي والمرشحة للاستيقاظ في أية لحظة، وانفضحتْ مؤخراً أمرُ العلاقة الحميمية بينها وبين الفصائل الإسلامية المقاتلة في سوريا ومنها تنظيم داعش، وتقديمها التسهيلاتِ اللازمة لاستقبالها وتدريبها وإرسالها إلى سوريا، بهدف تسخيرها لأهدافها ومصالح أمنها القومي.
31/10/2014
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )