ابراهيم محمود
السيدان : المالكي وأردوغان
باسمي وباسم كل كُردي كان يعيش معاناة الإقصاء عن كرديته طويلاً، وحورب بأرضه الكردية، وجغرافيته الكردية وتاريخه المفترَض كردياً، أعزّيكم، وأقدر هول ما ترونه، إزاء انطلاقة البيشمركة صوب كوباني، إنها لحظة” والحق يقال ” لا يمكن وصفها، وأنتم تعودتم أيها السيدان المالكان للائحة طويلة من الأوهام التي تبقي الكردي دون كرديته، الأوهام التي كان يجب على الكردي أن يستأذن وبلغتكم، وكل منكم على انفراد، وهو يتنفس، وهو يأكل ويشرب وينام، ويقدم تصريحاً عن أي منام مزعج، وتقريراً يومياً عن أي تغيير يطرأ عليه، ويثبت دوامه صباح مساء، للذين يعملون طوع أوامركم، وها هو خارج طوق سيادتكم.
نعم، هو عزاء، وليته عزاء، أيها السيدان، أنتم وغيركم ممن يصعب عليهم النظر في الاتجاه الذي سلكه الكردي وهو يرفع صوته الكردي، وفي وسط كردي، ودون تردد طبعاً، وحتى الحجارة التي تتناثر على جانبي طريقه ترحّب به كونها كردية، وحتى البهائم التي عاشت معه طويلاً، وانتبهت إليه، قدّرت فيه عذاباته اليومية، فأفصحت عن فرح بهائمي بقدر ما تستطيع. تصوروا، تصوروا، هذي البهائم التي تمكنت خلال مدة يسيرة من الزمن أن تكتشف نوع الجرح الغائر والكبير والنازف وهو بحجم جسمه، والنار والملح داخله، والغريب أنكم لم تكتشفوا هذا النوع، ولا ما يكونه الكردي وهو يعرّف بنفسه كردياً، كما يعرّف التركي بنفسه تركياً، والعربي يعرّف بنفسه عربياً والفارسي يعرّف بنفسه فارسياً. عفواً من التحدث بمثل هذه السوقية أمام سيادتكم! لا مجال لتوجيه اللوم أو إبداء الملاحظة، حيث الكردي كان سوقياً مذ عرِف كردياً. تصوروا، وها هو السوقي الذي يحارَب في كل ما يصله، وقد صار طويل الظل رحبه، مرفوع الهامة، ويجهر بالكردية، وهي التي كانت كبيرة الكبائر ؟ إنه ليوم عظيم، رهيب، أيها السيدان، ما كان له أن يأتي. لحظة تاريخية وأنتم تشاهدون رجال البيشمركة النافذين وقد توحدوا مع أخوتهم من PYD، أو كل كردي التقوا به في الطريق وأمام سمعكم وبصركم، وهذا لم يحدث في التاريخ.
أعزّيكم من كل قلبي الذي لا أستطيع التحكم بفورة مشاعره، وهو يستسمحني العذر حين يحلّق عالياً ويخفق لمرأى هذه اللحظة وتداعياتها، قلبي الذي لا قدرة لي في السيطرة عليه، وهو يردد كلمة لا تهدأ: كردي، كردي، كردي. أعزيكم كما لم يحصل من قبل، والكردي صار في عهدة ما بعد بجلاء أكثر، وهذا يغيظكم، وأنا أقدر مشاعركم السيادية وعظمتكم السيادية، وميراثكم السيادي، وعناصر أمنكم السياديين، وأشباحكم السياديين، ومخبريكم السرّيين السياديين، ومستشاريكم السياديين، وكل الذين يهمهم أمركم، وقد أصبحوا في وضع غاية في الحرج، إزاء الكردي الذي بات يتنفس دون إعلامكم، ويفتح عينيه للظل والنور دون إعلامكم، ويخطو باليمين أو اليسار، دون استشارة أو مراجعة من ينوب عنكم أو أي فقيه في الدين يأتمر بأمركم السيادي، ويقبّل زوجته بعمق، دون أي حساب من مباغتة مداهِم من قبل أحد رجالاتكم.
أعزّيكم، كما لم يحصل من قبل، وأنتم معدومو الحيلة، حيث التهديدات لم تنفع، والالتفافات والمناورات لم تجدِ هي الأخرى نفعاً، أعزيكم بكل جوارحي، وأنا أتخيلكم وسط حاشيتكم، ولا تستطيعون حراكاً كما كان الأمس، فثمة طرق قد سُدَّت، وثمة ساعة تم ضبطها الزمني بطريقة أخرى، وأنتم لم تتوقعوا أن شيئاً من هذا ” مما حصل “، كونكم أبَّدتكم أنفسكم ولغاتكم وأسماء حيواناتكم الخاصة في التاريخ، وأنزلتم الكردي إلى خانة دونية في اللامسمى، تصوروا، وهو الآن يتمختر ويتبختر أمامكم، وتذهب أوامرهم العلية، وتعاليمكم العلية أدراج الرياح، إذاً، أمام من، سوف تستعرضون قواكم، والفراغ الحاصل مقبرة فاغرة شدقيها، وأنتم، ونظراً لحساسيتكم السيادية، لا تحبون النظر في المقابر أو الحفر الضيقة أو الأقبية، فتلك كانت مستقرات هذا الذي صار يرفع صوته ويقف نداً لكم: الكردي !
أعزيكم، وأعزي كل من يعيش آلامكم التي تتميز بخصوصيتها، كما هم أنتم في اعتباركم الناس الذين لا ناس سواهم، أعزيكم قياماً وجلوساً، وفي هذه اللحظة، ومن باب الواجب الإنساني، وأقدّر المصاعب التي ستواجهكم غداً أو بعد غد، إزاء التحول هذا، كيف ستتصرفون، والمستحيل صار واقعاً، وهذا ربما يستدعي النظر عميقاً في الجاري، لا بد أن خللاً كونياً قد حدث، وربما بتقدير إلهي، وهذا يستدعي أيضاً طلب المعنيين” كهاناً، منجّمين” بهذه الطفرة الصادمة والمؤلمة، أن تجدوا أنفسكم وأنتم السادة في عراء التاريخ .
أعزّيكم مراراً وتكراراً، ولا أستطيع أن أطيل أكثر من ذلك، لأن علي اللحاق بركب اللحظة الكردية هذه لأؤرخ لها، وأعيشها، وأرسم زمنها الخاص، وكردها الذين أصبحوا في واجهة عالمية، لا أظن أن ثمة ارتداداً إلى الوراء سيحصل كما كان الأمس. فأنا كردي أيضاً.
لا أستطيع الاستمرار معكم، فعزائي ليس أكثر من إعلام،ولأني بصريح العبارة، لا أستطيع البقاء أكثر من هذا الزمن الذي استهلكته مع سيادتكم، لأنني أشعر بالاختناق وعلي أن أسلّم نفسي للفضاء الكردي الرحب، وليس الاستسلام لأوهام العظمة كما تعيشونها أنتم..تنبهوا !
ملاحظة: حرّرت في الساعة الثانية والأربعين دقيقة، من عصر يوم الثلاثاء في 28 تشرين الأول 2014 .
دهــــــوك