لا يختلف أحد من أبناء الشعب الكردي على أنّ شهر آذار شهر نضالات وتضحيات , فإنّ طوال تاريخ الشعب الكردي كان شهر آذار مسرحاً للانتصارات والانكسارات بدءاً من عيد نوروز وانتهاء بانتفاضة آذار التي حدثت في 12 3 2004 في كردستان سوريا
ذلك العيد «عيد نوروز» كان ردّاً وثورة على الظلم والاضطهاد والحرمان من الحقوق وإثرها حققّ فيه الشعب المظلوم حلمه في تحقيق الحرية والسلام , حيث تحول هذا العيد اليومَ إلى عيد قوميّ للشعب الكردي وسمة للنضال الكردي الديمقراطي الوطني.
أما انتفاضة آذار هي الأخرى أتت نتيجة الظلم والاضطهاد والاحتقان واستشهاد العشرات من أبناء الشعب الكردي وإفرازاتها التي لحقت بالشعب الكردي في سوريا من جهة , وإثر التحولات والتغيرات التي حدثت في المنطقة من جهة أخرى , حيث كان سقوط أكبر نظام قمعي ديكتاتوري في المنطقة قد شكّل دافعاً ونواة للانتقال إلى مرحلة نضالية جديدة في الساحة السياسية.
لقد أثبت الشعب الكردي في انتفاضة آذار بأنه قادر على الدفاع عن حقّه ووجوده في وطنه السوري , وأنّ أية ّمشاريع تصفوية بحقه لن تحقق أية نتائج , بل ستتحول هذه المشاريع إلى عامل توحد وقوة لدى الشعب الكردي, وإنه قادر على تحقيق أهدافه في الحرية والديمقراطية.
وعلى الصعيد الوطني حركت الانتفاضة الركود العام الذي كان جاثماً على الشارع السوري وحركته السياسية, فأثبتت الانتفاضة بأنّ القوة الحقيقية هي لدى الشعب الكردي وحركته السياسية , وإنّ قضيته هي قضية وطنية, وإنّ الشعب الكردي يستطيع أن يلعب دوراً مهماً في العملية التغيرية الديمقراطية المنشودة , وعلى إثرها تحولت أنظار بعض القوى العربية إلى أهمية الشعب الكردي ودور حركته السياسية , ولذلك باشرت باتخاذ بعض المواقف الإيجابية تجاه القضية الكردية في سوريا.
لقد أثبتت وكشفت انتفاضة آذار للحركة الكردية وللشعب السوري عامة بأنّ النظام لا يملك أي حلّ تجاه القضية الكردية وأن كل التصريحات التي أطلقها القادة السوريون كانت تكتيكية لتهدئة الشارع الكردي .
أما على صعيد الحركة الكردية فإنها تفاعلت مع الانتفاضة لكن ذلك ليس كان كما يطلب لأنّ اندلاع الشرارة الأولى من الانتفاضة لم يكن بقرار منها فإنّ الأمور كانت خارج سيطرة الأطراف الكردية , ولذلك حاولت جاهدة أن تسيطر على دفة القيادة حتى لا تنعكس الأمور سلبأً على الشعب الكردي, حيث كان تعامل الحركة الكردية في البدء مقبولا إلى حد ما لكنها أخفقت مع نتائجها وإفرازاتها فكانت تستطيع توظيفها بشكل أفضل وبما يليق بتلك التضحيات التي قدمها أبناء الشعب الكردي , رغم قيام بعض اصطفافات جديدة إيجابية في الساحة السياسية الكردية على أثر الانتفاضة لكن لم تكن تلك على مستوى طموحات كافة أبناء الشعب الكردي.
وبعد هذه السنوات ما يزال الوضع كما هو رغم وجود بعض حوارات ومناقشات هنا وهناك لتأطير العمل الكردي, حيث مر ثلاث سنوات ولم تتفق على موقف ولو كان بصدد تسمية ما جرى في 12 2004 أ هي انتفاضة أم حدث أم هبة أم أحداث أم فتنة أم… الخ , ومن غرائب بعض الأطراف الكردية أنها تستطيع أن تتفق مع بعض القوى العربية التي تفتخر وتمجد صدام والإرهاب في العراق لكنها لا تستطيع أن تتحاور فيما بينها للتوصل إلى موقف ما تجاه نشاطات تتعلق بالانتفاضة, وهذا ما جرى في الذكرى السنوية الثالثة لانتفاضة آذار.
والمثقف الكردي أيضاً سواء الذي يناضل في أطر حزبية أم في خارجها لم يستطع أن يلعب دوراً رائداً و يكوّن رؤية ثقافية واضحة تجاه ما جرى وبقي موقفه متشتتاً وغير مواكباً كحركته السياسية.
ومع هذا تحمل انتفاضة آذار معان وعبر كثيرة تجعل قضية الشعب الكردي حية تواجه كافة المحاولات والمشاريع التي تستهدف وجوده وهويته القومية , وتشكل نوا ة وثقافة حقيقية للنضال الكردي الديمقراطي الوطني في سوريا في المرحلة المقبلة.