جان كورد – 2014-10
تعتمد الاستراتيجية الأوباماوية في أساسها على دراسةٍ بخصوص الشرق الأوسط قدّمتها إلى البيت الأبيض مجموعة من الإخصائيين في شؤون المنطقة وفي مقدمتهم السياسي العريق زبيغنيو برجينسكي ذي الاطلاع الواسع والمعرفة الجيدة بمشاكل وقضايا العالم العربي وإسرائيل وتركيا وإيران. وهذه الدراسة الهامة تركّز على أهمية التوصّل مع إيران إلى اتفاقٍ نووي وعلى تأثير صعود الحركات السنية المتطرّفة عامةَ في تقريب مواقف إسرائيل وإيران من بعضهما بعضاً، خوفاً من هذه التنظيمات، وإعادة تقسيم المنطقة على ضوء ضعف الالتزام العام فيها باتفاقية سايكس – بيكو لعام 1916م الاستعمارية.
وعلى هذا الأساس النظري الخاطىء بنت الإدارة الأوباماوية استراتيجيتها حيال ما يجري في العراق وسوريا، وشرعت في ممارسة سياساتها، وما يبنى على خطأ لا يمكن أن يكون صحيحاً أو منتجاً، ولذلك يطالب السيناتور جون ماكين وليندسي غراهام وتيد كروز بأن يوسّع أوباما نطاق حربه على تنظيم الدولة وسواها من المنظمات الإسلامية المتطرفة، وتسليح الكورد والجيش السوري الحر، وألا يتوانى عن استخدام كل القوة العسكرية الضرورية لذلك، ويرفض أي تنازلات لإيران في مجال سعيه لامتلاك السلاح النووي، والتوقف عن سياسة إمهال إيران ما تحتاجه من وقت لتعزيز قدراته، حيث يرون عدم جدية الإدارة الاوباماوية في عمليات قصف مقرات وقوافل تنظيم الدولة الإسلامية، فإن ممارسة الضغط على كلٍ من إيران وإسرائيل من خلال السماح لهذا التنظيم بالنمو إلى حد إخافتهما وإجبارهما على التقارب بهدف بناء جبهة تشارك أو تنسيق ضد الإرهاب لا تفيد الولايات المتحدة في شيء، بل تزيد من خطر تمدد هذا التنظيم وانجذاب مختلف التنظيمات المتطرفة الأخرى إليه ومبايعتها لزعيمه الذي يعد أخطر من زعماء القاعدة التي تعتبر العدو الأوّل لأمريكا.
إن خطورة هذا التنظيم تكمن في أنه يتصرّف كدولة ذات إمكانات هائلة ويقاتل على عدة جبهاتٍ، تمتد من بوابات العاصمة العراقية بغداد إلى مدينة كوباني الكوردية – السورية على حدود تركيا العضو في حلف الناتو، ومن مدينة الحسكة السورية القريبة من منابع البترول إلى مقربة من هضبة الجولان السورية المحتلة من قبل إسرائيل، وإلى داخل الحدود اللبنانية حيث يكاد البرميل اللبناني يتفجر ويتسبب بحربٍ أهلية ثانيةٍ مدمّرة.
ومعلوم أن القصف الجوي وحده لا يكفي للقضاء على تمدد هذا التنظيم وتوسّع نطاق عملياته، كما وجدنا في هيت والأنبار وكوباني، وهذا القصف (ما يقارب ال 1600ضربة جوية) ذاته ضعيف وقليل للمساحة الواسعة التي تجري فيها العمليات القتالية وبالنسبة إلى مساحة غزة الفلسطينية الصغيرة التي تم قصفها في فترة قصيرة بما يزيد عن (5500 ضربة جوية)، كما هو مثبت. ولذا فإن الإدارة الأمريكية بحاجةٍ ماسة إلى قوات أرضية كبيرة تقوم بالعمل على الأرض لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية بشكلٍ فعّال وهذا يتطلّب مزيداً من التفاعل ضمن التحالف الدولي الذي سيتضاءل مع الأيام لاختلاف المصالح القومية لشعوب البلدان المنضمة إليه، فالموقف التركي المتقلّب حيال القيام بعملٍ عسكري ما في سوريا يصطدم بالمصالح القومية للعرب والكورد على حدٍ سواء، في حين أن تركيا والسعودية من الدول التي بإمكانهما تقديم القوات الأرضية للتحالف، ولكن الهدف الكبير والاوّل الذي يحرّك الإدارة الأمريكية، وهو كما ذكرنا التقريب بين إيران وإسرائيل، ليس في مصلحة السعودية وتركيا، حيث الدولتان تسعيان للقضاء على نظام بشار الأسد بسرعة ودون تردد، وتريدان لكل من إيران أن تبقيا معزولتين وضعيفتين في المنطقة، وتنظران بعين الريبة للاستراتيجية الامريكية غير الفعّالة لتنظيم الدولة الإسلامية.
وإن السماح لقوات البيشمركه للتدخّل عبر تركيا في المعركة الحامية الوطيس في مدينة كوبانى لا يعني أبداً أن الإدارة الأمريكية ستقبل ببقاء البيشمركة هناك أمداً طويلاً، لأن حليفتها في الناتو تركيا وكذلك المعارضة السورية “المعتدلة” لن ترضى بذلك، على الرغم من أن أفراد هذه القوة في غالبيتهم من الكورد السوريين الذين تلقوا تدريباتهم لدى قوات البيشمركه الخاصة بإقليم جنوب كوردستان.
إن الخطر يحدّق بهذه الاستراتيجية الأوباماوية من عدة جهات، فهي لا تأخذ المشكلة السورية الكبرى بعين الاعتبار، بل الحد من نشاط تنظيم الدولة فقط، في حين أن المنظمات الإرهابية التابعة لإيران تعيث في سوريا فساداً وتقوم بتقليل السوريين يومياً ومن أبرزها حزب الله اللبناني الذي يخوض المعارك الصغرى والكبرى كل يوم إلى جانب نظام الأسد ومليشيات الشيعة من شتى البلدان في العالم، وهذا ما يزعزع أمن واستقرار لبنان أيضاً، ويطيل أمد الحرب السورية الرهيبة المنتجة للإرهاب، وليس في استراتيجية أوباما شيء عما يجري في غرب وشمال لبنان من صراعاتٍ دموية يومية بين حزب الله وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية.
والخطر يحدّق بهذه الاستراتيجية لأن النظام الأسدي الذي كان السبب المباشر في انتاج ونمو هذه المنظمات المتطرّفة الإرهابية يستفيد على الساحة السورية في حين أن المعارضة المعتدلة لا تستطيع السيطرة على الأمور في الساحة السورية، لأن الإدارة الأمريكية لا تمنحها الدور الذي يجب أن تقوم به في محاربة الإرهاب واقتلاع جذوره.
الخطر محدّق لأن بعض الدول في المنطقة غير مستعدة كالأردن مثلاً لتعريض أمنها واستقرارها الوطني للخطر، فهي متأكدة من أن الإدارة الأمريكية تضع التقارب الإسرائيلي – الإيراني من خلال ترويعهما في سلّم الأولويات وليس القضاء على الإرهاب وجذروه في المنطقة، وبقاء هذه المنظمات دون علاجٍ حقيقي يهدد المصالح الأردنية، والحكومة التركية تقول لشعبها: “لماذا علينا نحن الأتراك أن نرسل أولادنا إلى ساحات القتال والأوروبيون والأمريكيون لا يفعلون ذلك؟”، ولذك يمكن القول بأن التحالف هش لأن أمريكا لم تضع تردد بعض دول التحالف في الحسبان. كما أن القترة الزمنية القصيرة الباقية من حكم الرئيس أوباما غير كافية لمعالجة غير حاسمة للمسألة السورية بشكل عام، حيث الأوضاع السياسية السورية هي التي تمد النار بالحطب، ولا إرهاب في سوريا في حال حل المسألة سياسياً والتخلّص من نظام الأسد لأن الإرهاب ليس من طبيعة الشعب السوري الذي يريد الحرية والأمن والاستقرار ليتابع مسيرة الإنتاج والعمران.
بالتأكيد، إن لمعارضي أوباما الجمهوريين استراتيجية أشد حزماً تجاه الإرهاب ومصادره، ولكن بوصولهم إلى الحكم ستنتهي استراتيجية أوباما غير المجدية هذه، ولذلك فإنها في خطر الآن.