أكرم الملا
إن الغزو الهمجي لتنظيم “داعش” الإرهابي على العراق وخاصة إقليم كوردستان، يجعلنا أن نعود بالزمن قليلا إلى الوراء وقراءة الأحداث والمستجدات التي سبقت الغزو الداعشي، التي يمكن أن تساعدنا على كشف خيوط اللعبة-المؤامرة المنسوجة بدقة مخابراتية مع نكهة سبق الإصرار والتصميم بمحاربة إقليم كوردستان والنيل من منجزاته ونموه ومكتسباته في المجالات السياسية والاقتصادية والأهم استتباب الأمن المحسود عليه من قبل أعداء الطموح الكوردي المشروع .
قام المالكي المخلوع ومنذ قرابة السنة باختلاق المشاكل مع إقليم كوردستان، إن كان في مسالة النفط أو الميزانية المخصصة للإقليم وخلق جواً من عدم الارتياح بين الحكومة الفدرالية وإقليم كوردستان وبشكل مقصود،
حيث كان القصد من سياسة المالكي ومن ورائه إيران ومعه بقايا النظام السوري بإثارة البلبلة والتوتر في الداخل الكوردستاني، من خلال توقيف صرف رواتب الموظفين وبشكل خاص بيشمركه كوردستان، متمنيا حدوث تمردات أو ردود فعل تجاه قيادة الإقليم وإحراجها أمام الشعب، لكن القيادة السياسية في الإقليم وبموقف جريء وشجاع من الرئيس مسعود البارزاني قررت بيع النفط الكوردي بشكل منفرد ولصالح إقليم كوردستان وذلك للتعويض عن ما سببه موقف المالكي وشلته المشبوهة للإقليم من أزمة مالية وتراكم في المدفوعات المستحقة عليها تجاه رعاياها .
ولما توضحت الأمور بالنسبة لأعداء كوردستان، بأن كل التدابير الحاقدة المتخذة بحق الإقليم لم تؤتى أكلها، بل على العكس من ذلك قد أدت إلى تصلب موقف قيادة الإقليم والتي بدأت من التصريحات الجريئة والشجاعة للرئيس مسعود البارزاني وهذا، أقل ما تتحلى به سيادته، بالدعوة إلى استقلال كوردستان العراق من خلال استفتاء شعبي كحق مشروع تضمنه القوانين والشرعات الدولية، حيث لاقت هذه الدعوات صداها الايجابي الواسع لدى أبناء الشعب الكوردي بمختلف شرائحه وطوائفه، وكذلك صداها الدولي وعلى أعلى المستويات الرسمية والدبلوماسية للاعتراف بدولة المستقبل، حينئذٍ قرر الأعداء ووفق تخطيط مخابراتي مسبق باعتماد خطة ضرب كوردستان عن طريق الدواعش الذين كانوا قد حصلوا على العدة والعتاد من الجيش العراقي المنسحب بشكل مشبوه ومقصود، فجأة، وبقدرة قادر، غيرت “داعش” الواقفة على أبواب بغداد مسارها العسكري باتجاه إقليم كوردستان وبالأخص منطقة شنكال، ذات الوضع الاستثنائي، بحكم موقعها الجغرافي البعيد نوعا ما والمحاطة بطوق من القرى والبلدات العربية والتي للأسف تبين أنها كانت موالية للتنظيم الإرهابي، وبعد سيطرة الدواعش الهمج على شنكال وقاموا ما قاموا به من قتل وذبح وتدمير أرادو التوجه نحو هولير العاصمة “لإسقاطها” كما تراءى لهم وخاصة بعد الاستيلاء على مناطق زمار ومخمور القريبة من العاصمة هولير، في هذه الأثناء كانت وسائل الإعلام التابعة للمالكي وعصابته وأسياده لا تخفي غبطتها بما حققه الدواعش من “انتصارات” مشاركة مع بعض الوسائل الإعلامية التابعة لبعض الأحزاب الكوردستانية وخاصة دور الأخيرة في إحباط المعنويات لدى الكورد والتركيز على قيادة الإقليم السياسية والعسكرية متهمة إياها “بالتآمر” و”الخيانة”وكما بدا وفق خطة موضوعة مسبقا للقصف الإعلامي وتحريك الطابور الخامس في الداخل للإسراع في عملية الانهيار المتوقع .
ان الرياح لم تجرِ بما اشتهته سفن المتآمرين، حيث فاجأهم التدخل الأميركي غير الوارد في “حساباتهم الدقيقة” التي اشتهر بها معلمهم المقبور صدام حسين، حيث قلب هذا التدخل الطاولة على رؤوسهم وبعثر أوراقهم السوداء، وبدأ بيشمركة كوردستان بالهجوم المضاد على الدواعش وتحرير المناطق والبلدات والنواحي من براثنها، وتكشفت خيوط المؤامرة القذرة ولاعبيها الأساسيين وبعض المتخاذلين من الكورد المشتركين بها.
هذه الأحداث المتسارعة بالتأكيد تحتاج لقراءة متأنية حول ما حدث، إن المؤامرة كانت كبيرة بكبر الحق والمكتسبات الكوردية التي كان يُراد لها أن تضيع وتُسحق، هذا من جانب، ومن جانب آخر القصد هو الضغط على القيادة السياسية للإقليم وعلى رأسها الرئيس مسعود البارزاني بالتراجع عن المطالبة بالحق الكوردي المشروع، ولكنهم اختاروا الشخص الخطأ للضغط عليه .
إن القراءة الموضوعية المتأنية لمجمل هذه الأحداث تقودنا إلى استنتاج غير محبذ إلى حد ما، صحيح أن الأعداء لم يفلحوا بتحقيق مآربهم الاستراتيجية البعيدة المدى، بضرب المنجزات والمكتسبات العائدة لشعب كوردستان وإرضاخ الإقليم وابتزازه سياسيا للتراجع عن مواقفه الصلبة تجاه حقوق الكورد القومية المشروعة، ولكن من جانب آخر أصبحت كوردستان على حدود جغرافية مع الإرهاب لمسافة لا تقل عن 1000كم، وهذا يعني بأن إقليم كوردستان سيكون في حرب طويلة وشبه دائمة مع الإرهاب التي تتطلب اليقظة والحذر الدائمين وهذا بدوره سيؤثر ولو بشكل محدد على عملية الإنماء والتطور وربما إبطاء في تنفيذ بعض المشاريع الحيوية، وإن قرءاتنا هذه تأتي من الحرص على تكاتف أبناء الإقليم وتماسكهم في وجه هذه الهجمة المشبوهة التي تريد النيل من كوردستان وما حققته من إنجازات بتجربتها الديمقراطية الفتية والحذر المتفاني من أعداء الداخل إن وجدوا .