ابراهيم محمود
لا بد من التفاصيل ” ممدوح عدوان “
ليس من شر مطلق، ولا خير مطلق، فالأول بقدر ما يؤلم ويستفز، يوجّه النظر إلى الجهة التي تسمّي الخير وتنشده، مثلما أن الثاني، بقدر ما يفرح ويوسع دائرة التحرك، يوجه النظر إلى الجهة التي تتطلب الحذر. مثال ذلك : أليس التمادي في الحرية أول الطغيان ؟
إزاء ذلك، مهما أفصحنا عن الفظائع التي جلبها كما ارتكبها الدواعش بإرهابهم المروّع في المنطقة عموماً، وبالنسبة للكرد خصوصاً، إلا أن أخلاقية المعرفة تلزمنا بتسمية الحقيقة والتي تتمثل في أن الفظائع هذه نبّهت ساسة الكرد، لا بل وعامتهم في محيطهم، قبل كل شيء إلى سلبيات ما هم عليه، سلبيات تجمع بين الجانبين العسكري ومستوى التدريب والتأهيل في مواجهة غزو الأعداء، والسياسي الإداري على مستوى السلطة بالذات، وبالمقابل، نبّهت العالم أجمع، والقوى العظمى في الصدارة إلى ما يجري، كما لو أن هناك تقابلاً بين أوج الرعب المتمثل في الجاري كارثياً، وأوج الاهتمام بالكرد عالمياً في التركيز الإعلامي وفتح قنوات الدعم والإمداد بالسلاح والخبرات العسكرية،
وإذا كان هناك من إمكان قول، بوجود مشاهد عبث وضحايا تروّع البلاد والعباد لا معقولة، من الصعب إن لم يكن مستحيلاً، تبريرها، ونسيانها ثمئذ، فإن قولاً كهذا يوضع نظير القول السالف الذكر وهو بصيغة مكثفة وهي: إن هذا التركيز الإعلامي والدولي وعلى أعلى مستوى يقرب أو يكاد يقرب من اللامعقول كذلك. ولو أننا استعنّا بمنطق السوق حسابياً، لقلنا: تلك هي عملية المقايضة، بغضّ النظر عن التوقيت ونقطة التركيز، إذ على مستوى الأمة، الشعب، البلد، وبقدر ما تكون الحاجة ماسة إلى دعم من قبل الآخرين، تقدَّم الضحايا أولاً، لتكون صفة ” الأخلاق ” محل أخذ ورد، أعني قابلة للتلوين إلى درجة التوقف نظراً لوساعة المساحة ولاتناهي المواقف .
في الضارة الداعشية، يمكن مكاشفة أوجه الخلل في الذهنية الكردية السياسية والقاعدة العسكرية الدفاعية والهجومية وفساد المقدّرات والمقدّرين إدارياً، وكيف تتالت المشاهد، وتنوعت العلاقات، وتحديداً، بعد كم وافر من المشادات الكلامية المتلفزة والأرضية، والتصعيد في الإعلام الساخن العائد إلى الأطراف الكردية على الساحة الكردستانية وفي مجابهة داعش وداعمي داعمي في سياقات مختلفة.
ينوَّه هنا إلى المحقق على الأرض وبسرعات متباينة، أي إلى التنادي الكردي- الكردي، ولزوم الدخول في عمل جبهوي مشترك، لأن الخطر المحدق والمهلِك طبعاً وهو بامتداده الجغرافي والجبهوي المتعدد الجهات واحد، وفقاً لمنطق ” الثالث المرفوع : إما- أو “!
نعم، يمكن الحديث عن ” باشوري كردستان ” وعن ” روجآفا كردستان “، إنما هذه التسمية أيضاً لا تحول دون معاينة الجهتين الأخريين، كما هو التوتر القاعدي البحري الذي يرتسم دائرياً، أي : ” روجهلات كردستان ” و” باكوري كردستان “، وما في ذلك من تأكيد على قوة الدفع الاعتبارية التاريخية لوحدة الاسم ” كردستان ” لتكون الجهات الأربع طارئة ” عرَضية “، أي ليكون عمل التأريخ المحظور والمعتَّم عليه رسمياً، كما هو جهاد ” الذاكرة الجمعية الكردية ” بالمعنى الشعبي العام، أكثر نفاذ فعل ومقاومة من التأريخ الرسمي والمفروض على الكرد.
ربما ذلكم هو الدرس الأكثر نباهة ووجاهة وانبثاق قيمة معيارية استثنائية لماحة، كما هو الحدث الاستثنائي الموجع والملهم معاً، والمجسَّد في الضارة الداعشية، وما ترتَّب عليها من ” نافعة ” كردستانية، وليس كردية مؤطرة هنا أو هناك .
والحديث يتوجه إلى اجتماع الفرقاء والدخول في حوار مصيري غرباً- غرباً ” روجآفا ” و: شمالاً – جنوباً ” بالنسبة لـ” باشوري كردستان “، أي بين الحزبيين المعروفين تاريخياً ” حدك- أوك “، كان بفضيلة داعشية، لم يكن الداعشي يتمناها طبعاً .
هنا، وما بعد ” هنا ” يكون الرهان الأكبر على التالي وهو الأصعب والأخطر في حياة المعنيين بالمصير الكردي، استناداً إلى الحساسية الفائقة في الواقع الكردي، ولأن أنظار، ليس عموم الكرد وحدهم فحسب، وإنما كل الذين يتابعون ما يجري في المنطقة، وبالنسبة للقوى العظمى في العالم أيضاً، تركّز على ما يمكن أن يحدث كردياً كردياً. ولكي نكون متجاوبين مع منطق تاريخ يفرض سلطته علينا، ككرد، يجب التذكير بالذاكرة الكردية القائمة تلك المثقوبة والتي لا تتعظ كثيراً من ويلاتها، وتنسى سريعاً ضحاياها، أو تتناساها، لئلا نتَّهم بالاسترسال وراء ما هو خيالي أو توهمي، سوى أن الممكن قوله هو أن ما جرى وما زلنا نعيش وطأته وعنفه القاعدي، يبزّان كل ما كشف لنا التاريخ عنه، وهو تحدِّ موجه إلى الكرد جميعاً، والذين يتحدثون باسمهم ساسة أو أولي أمر في الواجهة .
فهل حقاً أن الضارة الداعشية ستثمر النافعة الكردية التي تؤجَّل كرهاً أو قسراً تاريخياً، بحيث تحول دون استمرار ما هو داعشي وأكثر كارثية مما جاء به إلى ساحة الكردي، لا بل وحتى عقر داره، وأكثر من هذا وذاك، بجعْله لاجئاً وبمئات الألوف الذين يترقبون ساعة الإيذان بالعودة إلى بيوتهم؟ لنرَ..!
