كما بات معروفاً لكل الناس المهتمين بهذه المسألة المطروحة للبحث والنقاش أن القوى البرية الأمريكية والأوروبية لن تستخدم في القتال على الأرض، لا في العراق ولا في سوريا، لأن الإدارة الأمريكية وقيادة حلف الناتو على علمٍ تام بأن إرسالها للقوات البرية يعني تلبية رغبةٍ ملّحة للتنظيمات الإرهابية في استدراج الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى إلى حربٍ برّية يمكن فيها إلحاق الأذى بجنودها وبالتالي فتح معركة برّية واسعة تشمل مختلف الدول العربية والإسلامية وتأليب الشعوب الإسلامية كلها وكذلك الجاليات المسلمة في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على حكوماتها. لذا فإن الاحتمال الوحيد في هذا المجال هو الاستعانة بقوى شعوب المنطقة، وبخاصة في العراق وسوريا، ومنها قوى شعبنا الكوردي الذي يتعرّض لحملاتٍ شرسة لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية الذي تعشعش في طبقاته العليا عناصر بعثية شرسة من نظامي صدام حسين البائد وبشار الأسد الضعيف، مشهورة بعدائها التاريخي للكورد وكوردستان. ومن هذه الهجمات الرهيبة ما قام به التنظيم من فظائعَ ضد الكورد اليزيديين في منطقة شنكال “سنجار” وأطراف الموصل في العراق، وما يقوم به الآن من هجماتٍ ضد الكورد المسلمين في منطقة كوباني في سوريا.
وحيث أن الدول العربية عاجزة عن تقديم العون المطلوب لقوات التحالف لأسباب عديدة، وتركيا الأقرب إلى ساحات القتال الحالية تسعى بشتى الوسائل إلى أن تحافظ على مصالحها القومية الضيّقة في حال إقدامها على المساهمة في التحالف الدولي، ولن ترسل قواتها البرّية إلى ساحات الوغى بدون شرط القضاء على المقاومة المسلّحة الكوردية في سوريا، فإن الرئيس الأمريكي أوباما قد اعترف أمام الاجتماع الأخير لأكثر من 20 دولة مشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية أنه قلق بصدد الأحداث في منطقة الأنبار العراقية وكوباني الكوردية في سوريا، وعليه يجب التباحث بين الحلفاء حول حلٍ يضمن قهر الإرهابيين على الساحتين العراقية والسورية، وهذا الحل لن يتم بالقصف الجوي وحده، وإنما بدعم قوات البيشمركه الكوردية والمعارضة السورية “المعتدلة” والجيش السوري الحر، وكذلك الجيش العراقي والقوى العشائرية المناوئة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
ولأن طرفاً هاماً من القوى التي يمكن للتحالف الدولي الاعتماد عليها بقوة في كل من العراق وسوريا هو الطرف الكوردي، لذلك فإن اتفاق الكورد فيما بينهم على خطوط أساسية لمساهمتهم في هذه الحرب الشرسة التي قد تطول أعواماً، بعد اتخاذهم، طوعاً أوكرهاً، قرارهم بالتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، سواءً قي العراق أو في سوريا.
وعلى الرغم من كل المشاكل والتناقضات التي بين فصائل الحركة السياسية الكوردية في غرب كوردستان، والتنافس الشديد بين حزب العمال الكوردستاني المتهم بالانضمام إلى حلف (دمشق – طهران – موسكو) والحزب الديموقراطي الكوردستاني المعروف بتحالفه الطويل الأمد مع العالم الحر الديموقراطي وعلاقاته الجيدة مع تركيا بحكم الضرورة الاقتصادية، فإن الرئيس مسعود البارزاني قد تغاضى عن كثيرٍ من هفوات خصومه السياسيين، لأنه يضع المصلحة القومية فوق كل مصلحةٍ أخرى، كما يبدو واضحاً وظاهراً من استقباله مسؤولي حزب الاتحاد الديموقراطي، رغم قساوة وشدة لهجة إعلام هذا الحزب على شخصه الكريم ومكانته وقدراته، فأشرف بنفسه على الاجتماع الأخير الذي بدأ البارحة في مدينة دهوك في جنوب كوردستان، ويستمر اليوم أيضاً، وذلك بهدف توحيد الجهود الكوردية السورية والعمل المشترك بين إقليم جنوب كوردستان وأحزاب غرب كوردستان مجتمعةً لتوسيع دائرة المساهمة الكوردية في التصدي لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية وتعزيز مقاومة “طروادة كوردستان: كوباني)، ومساعدة الأعداد الكبيرة من اللاجئين الكورد الذين يريدون العودة في أسرع وقتٍ ممكن إلى مساكنهم قبل حلول فصل الشتاء، وبناء القوة الكوردية الرادعة المشتركة للدفاع عن غرب كوردستان اليوم ومستقبلاً في وجه كل المعتدين الذين يبغون السيطرة على شعبنا ونهب ثرواته وتحطيم ذاته القومية.
أعتقد أن مواقف تركيا ونظام الأسد وإيران وكثيرين ممن كنا نعتبرهم أعداءً أو أصدقاء قد اتضحت لشعبنا تمام الوضوح أثناء “غزوة كوباني” الأخيرة ومن قبل في “غزوة شنكال” ولا حاجة لنا بأن نذكر بالتفصيل هنا من هو العدو ومن هو الصديق لأن المشهد واضح. وعليه يجب أن يضع هذا الاجتماع الهام حجر الأساس لمرحلةٍ كوردستانية جديدة، تتسم بجعل القضبة الكوردية وأمن شعبنا واستقراره فوق المصالح الحزبية الضيقة، وأن يتحوّل الإعلام الكوردي إلى أداةٍ فعّالة في خدمة شعبنا وليس لتكون صبغةً لتلميع الأحزاب والقيادات والزعامات، وأن يتجرّأ البعض على الاعتراف علناً أمام شعبنا في وسائل الإعلام بالأخطاء التي وقع فيها، فالجميع يدركون الآن أن شعبنا بأسره مستهدف وأن جبهة أعداء الكورد وكوردستان أقوى مما كنّا نتصوّر وأن مقاومة طرفٍ كوردي دون دعم الأطراف الكوردية الأخرى ودون دعم الأصدقاء والحلفاء الحقيقيين في العالم لا يكفي لدحر المعتدين الظالمين، كما أن بعض الآيديولوجيات العتيقة ما عادت تفيد شعبنا بقدر الوحدة القومية والتضامن الوطني بين سائر القوى السياسية والمجتمعية في كوردستان، وليعلم الجميع في بداية المرحلة التي آمل أن يكون اجتماع أحزابنا هذا تدشيناً لها، أن مصيرنا واحد كما أننا شعب واحد، ولا يظن أحد أنه قادر لوحده على تمثيل شعبنا أو قيادته، فلتكن رايتنا واحدة وهدفنا واحد وطريقنا واحد وموقفنا واحد وقوتنا واحدة، وهكذا فقط سيحترمنا العالم ويهابنا الأعداء، وهم كثيرون، وإلاً فإن شعبنا سيعيش باستمرار في المهاجر عوضاً عن العيش على تراب وطنه.
15. Oktober 2014