تحييد السلطة وتكريد الصراع في الانتخابات السورية

محي الدين عيسو


قررت أغلبية الأحزاب الكردية في سوريا من خلال التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية بالإضافة إلى حزب آزادي الكردي (خارج الإطارين) مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في نيسان القادم لأسباب عديدة منها حسب البيان الذي أصدره حزب آزادي الكردي استمرار النظام في إدامة الوضع الداخلي العام دون تغيير والإبقاء على قانون الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية ، وعدم إطلاق سراح السجناء السياسيين وسجناء الرأي والموقف السياسي ، والإبقاء على المادة 8 من الدستور الذي ينص على أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع والذي يتنافى مع أبسط المبادئ الديمقراطية وكذلك الإبقاء على قانون الانتخابات السابق الذي لا يخدم التحول الديمقراطي وإنما يخدم حزب البعث و”الجبهة الوطنية.” وعدم صدور قانون ينظم الحياة السياسية في البلاد ، ويقر بوجود الأحزاب السياسية ، والتعددية السياسية الحقيقية وعدم حل مشكلة الإحصاء الاستثنائي الخاص ونتائجه الكارثية بمحافظة الجزيرة والذي يغيب مئات الآلاف من الأصوات الكردية ، وكذلك الاستمرار في النهج العنصري وعدم الاعتراف بالتعددية القومية ، وعدم الاعتراف الرسمي بالشعب الكردي كقومية ثانية في البلاد.

وقد تساءلت جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا؟ لماذا قاطعت الحركة الكردية الانتخابات هذه الدورة ، في حين كانت تشارك رغم أن نفس القوانين والإجراءات كانت تمارس في الدورات السابقة؟…

والحقيقة أن هناك مستجدات هامة حصلت وتركت آثارا إيجابية على الوضع الكردي في سوريا ، ففي حين أن الحملات الانتخابية كانت تشكل فرصة لا بأس بها لطرح القضية الكردية وشرحها بشكل شبه علني ، وكان يمكن عبرها التواصل مع الجمهور الكردي من جهة ومع الرأي العام السوري من جهة أخرى .أما اليوم فقد تخطت الحركة هذه الدائرة واستطاعت الوصول إلى الرأي العام بمختلف اتجاهاته وفي مختلف المناطق السورية عبر الأطر السياسية الناشئة مثل (إعلان دمشق) الذي تبنى القضية الكردية واعتبرها قضية وطنية على مجمل الساحة السورية ، ناهيك عن أن هذه القضية حققت تقدما هاما لدى الرأي العام بفضل المتغيرات والتطورات التي تشهدها المنطقة .

فالقضية الكردية في سوريا كانت مدار بحث في مؤتمرين خلال أقل من أسبوعين (مؤتمري بروكسل ، وباريس) ، ومن جانب آخر فقد كانت الحركة الكردية شبه معزولة عن القوى السياسية السورية في السابق ، أما اليوم فهي باتت جزءا هاما من الحركة الوطنية السورية ،و نتيجة لهذا التواصل فان القضية الكردية تكتسب قدرا كبيرا من الأهمية ، وكذلك فأن الحركة الكردية في السنوات الماضية لم تكن تجد نفسها أحزاب معارضة  وكانت تطالب السلطة السورية بالإصلاح ، أما في الوقت الحالي وبعد تشكيل المعارضة الوطنية عبر قوى إعلان دمشق وغيرها والتي طرحت موضوع التغيير الديمقراطي السلمي فنحن بحاجة إلى معارضة حقيقية وسلطة تحترم إرادة المواطن في هذا التغيير المنشود .

بالمقابل هناك أحزاب كردية أخرى مثل (حزب يكيتي) وحزب الاتحاد الديمقراطي وتيار المستقبل الكردي الذين قدموا أسماء المرشحين الذي سيشاركون في الانتخابات البرلمانية لهذا العام ، وقال السيد مشعل التمو الناطق الرسمي باسم تيار المستقبل الكردي في ندوة أقامها بإحدى مناطق محافظة الحسكة لدينا خيارين الأول المشاركة ستكون بقائمة كاملة أي بـ 14مرشح ولن نعترف بقوانين الحزب الحاكم من حيث التنافس على المقاعد الأربعة المخصصة للمستقلين في محافظة الحسكة ، وستكون مشاركتنا قوية مع بقية القوى الوطنية والمستقلين في محافظة الحسكة ، أما الخيار الثاني فهو المقاطعة الفعالة والقوية من خلال الخطابات الندوات التي تدعوا الجماهير إلى المقاطعة وعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع .

من هنا يبدو أن الشارع الكردي منقسم إلى قسمين الأول يدعوا إلى المقاطعة والآخر يدعوا إلى المشاركة ، والمستفيد الوحيد من حالة عدم التوافق بين أطراف الحركة الكردية حول المشاركة أو المقاطعة هي السلطة مما يؤدي إلى تكريد الصراع داخل الشارع الكردي في ظروف نحن بحاجة إلى التوافق بين أطراف الحركة الكردية التي تدعوا إلى مؤتمر كردي موحد يجمع بين أطراف الحركة السياسية المنقسمة إلى أقسام متناحرة.

الصراع الكردي حول انتخابات لا فائدة منها  ومحسومة النتائج سلفا ، هذا الصراع الذي سيزيد الشرخ بين أطراف الحركة الكردية وسيقسم الأكراد إلى قسمين أو أكثر من ذلك ليس من مصلحة المعارضة السورية التي رفعت شعار التغيير الديمقراطي السلمي كخيار نهائي للتخلص من الظلم والاستبداد والفساد الذي يحيط بكافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في وقت نحن بحاجة إلى التكاتف وتوحيد الخطاب السياسي في مواجهة آلة القمع المستخدمة ضد المواطن السوري ، وتزييف إرادته في انتخابات وهمية شكلية ليس فيها الجديد سوى الحبر السري والصناديق الشفافة وهاتف لخدمة الزبائن وهو معطل لا يستقبل مكالمات الزبائن

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…