طبول المهتران و«دعشنة» كرد سوريا


ريبر
يوسف

(كوباني رحلت في اللحظة التي تخلت فيها قيادة
العمال الكردستاني عن تل أبيض)  
في دراسة العمق الذي استند
إليه حزب العمال الكردستاني، لإشباع غريزة تحالفاته السيارة، كانت جنباً إلى جنب
مع القطب الذي خسر العالم برمّتهِ سياسياً ونفسياً – الاتحاد السوفييتي – وشركاء
رحمِهِ حملاً وولادةً مثل كوريا الشمالية، إيران، وسوريا. نلحظ أن حزب العمال قد
نالت منه الخسارة العظيمة، الخسارة الناجمة عن عدم امتلاك المقدرة على قراءة
المستقبل، والغوص والاندماج في المجتمع الدولي الذي لم يتردد في إدراجه – حزب
العمال الكردستاني، على لائحة الإرهاب، حاله حال المنظمات والحركات التي أدلت
بدلوها في البئر السورية /الإيرانية. إدراج حزب العمال على لائحة الإرهاب لم يكن
محض مفاجأة له، بل كانت نتيجة متفق عليها لمعادلة معينة هي سليلة ممارسات وسياسات
معينة.
 إذاً، فشل حزبُ العمال الكردستاني في أن يكون الممثل الوحيد والشرعي – كما رغب – لشعب مطالب بحقوقه المشروعة ضمن السياق الإنساني الحقوقي عالمياً، كان حريّاً به أن يشتغل هو على إدراج الدولة التركية على لائحة الإرهاب عالمياً؛ سيما وأن هذه الأخيرة هي من أحرقت قرى كردية بأكملها، وعزلت أكثر من 20 مليون كردي – كما تشير إحصائيات مختلفة – عزلتهم ثقافياً واجتماعياً وسياسياً نتيجة سياسات مارستها “طبول المهتران” التركية ضد الكرد في تركيا. إذاً، فشل حزبُ العمال الكردستاني في قراءة الواقع العالمي؛ إذ إنه، وبعد توسُّد الوسادة ذاتها مع النظامين السوري والإيراني، وهو المستند إلى الفكر اليساري، فشلَ في إيقاف المدّ الإسلامي التشددي لدى كرد تركيا، هذا المدّ الذي انوجد كبديل عن القومي، المدّ الذي أسهم وبقوة في إيصال حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا؛ وذلك عبر دعم مباشر من الغالبية العظمى لدى كرد تركيا وبذريعة أنه “حزب مُسلم” أو أنه “بِسِلْمان” كما يُلفظ باللكنة الكردية داخل تركيا. تجلى المدّ ذاك في المظاهرات الضخمة، التي خرجت نصرةً للرئيس المصري الإخواني المخلوع محمد مرسي في (ديار بكر) كبرى المدن الكردية في تركيا. فشلَ حزب العمال الكردستاني إذ فشل في خلق حاضنة سليمة لقائده عبد الله أوجلان، والذي اعتقل واقتيدَ إلى تركيا، محكوماً بالسجن مدى الحياة، إثر طرده من سوريا – حليفة الحزب الرئيسة.
إذاً، ثمة ثلاثة عناصر رئيسة وهي:
1- إدراج القضية الكردية في تركيا على لائحة الإرهاب
2 – عدم استيعاب كرد تركيا الذين استُدرجوا نحو الإسلام المتشدد.
3 – اعتقال قائد الحزب. هذه العناصر الثلاث، والخاسرة، كانت كفيلة بإعادة قراءة الواقع وتغيير مسار سفينة الحزب؛ عبر إعادة بناء الأفكار والتحالفات، وذلك لعدم المغامرة مجدداً بمصير شعب. هذه العناصر /الخسائر كانت كفيلة بأن يحلّ الحزب نفسه، ويفسحَ المجال أمام رؤى جديدة تتكفل بحلّ القضية الكردية داخل تركيا. أقول تركيا وحسب، سيما أن الجزء السوري كان، ولم يزل، مستودعاً لحزب العمال الكردستاني.
ثلاثة عقود، استوقدَ خلالها حزبُ العمال الكردستاني الآلاف من كرد سوريا وتركيا، في سبيل تلك العناصر الثلاث الخاسرة. الآن، يعيد الحزب إنتاج السيناريو نفسه، لكن تغيرت أرض المعركة وتحولت عن جبال قنديل صوب الأرض السورية، مستنداُ إلى تفريغ المناطق الكردية السورية من كردها؛ إثر ضرب البنية الاجتماعية والنفسية والثقاقية والسياسية  لكرد سوريا، عبر إلغاء حزب العمال متمثلاً بشطره PYD  أيَّ نشاط وإعلام وثقافة ونداء، بل وحتى أيَّ شهادةٍ في سبيل الحق خارج سلطانهم. ألغى حزب العمال الكردستاني جميع أحزاب الحركة الكردية السورية، على الإطلاق، أحزاب الحركة الكردية التي فشلت هي الأخرى في قراءة الواقع الكردي؛ إثر انشغالها بالانشقاقات فيما بينها، وترتيل الفكر العشائري والحزبوي، وتغليب المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة العامة، وانشغالها بخلق وبلورة مافيَوات اجتماعية وثقافية في “كردستان سوريا”.
سيطر حزب العمال الكردستاني على كرد سوريا، عبر قائد مودَع في سجون تركية. تُرى، أيّ حكمة تركلُ الفكر من مؤخرته؛ إذ يتلقى حزب كامل أوامره من قائد مودَع في سجون أعدائه؟ هذا القائد الذي استدرج القضية الكردية في تركيا من فكرة (تحرير وتوحيد كردستان) إلى الكونفدرالية، ثم إلى الحلول السلمية، ومن ثم الإيعاز إلى الشباب الكرد، في تركيا، بضرورة المضيّ إلى سوريا؛ لحماية المدن الكردية فيها والمساهمة في بسط سيطرة الحزب على “كردستان سوريا”. هو ذاته القائد الذي أوعز إلى الشباب الكرد في سوريا للمضيّ إلى تركيا وقتال الدولة التركية؛ لتحرير كردستان، حين كان مقيماً في دمشق. تُرى، إلى متى سيدفع الكرد ثمن إقامة عبد الله أوجلان؟.
إن حزب العمال الكردستاني هو الجهة الوحيدة التي تحكم كرد سوريا، على الإطلاق، سياسياً وعسكرياً وثقافياً واجتماعياً ونفسياً، خلال ممارسات وصلت إلى حدودها القصوى من التعسف والطغيان بحق كرد سوريا؛ كالانقضاض على المظاهرات السلمية، وإغلاق مكاتب الأحزاب الكردية السورية، وارتكاب اغتيالات سياسية، وطرد وسجن وتصفية نشطاء سياسيين كرد، ونفي نشطاء وقيادات كردية إلى إقليم كردستان العراق، وذلك بعد دهم بيوتهم واقتيادهم بالسيارات نحو الحدود الفاصلة ما بين سوريا والعراق، وهم في ملابس نومهم.. ومن ثم ركلِهم إلى جهة الحدود الأخرى. ركلةٌ واحدةٌ، قلمٌ واحد، سوطٌ واحد، طلقةٌ واحدة، قائدٌ واحد، سياسةٌ واحدة، رؤيةٌ واحدة..إلخ وأجيال كثيرة هي بنود صياغة قديمة – جديدة، في سلب شعب بأكمله. أجل، ممارسات وصلت إلى محاولة السيطرة على بيوت الكرد الشاغرة، الذين لجأوا إلى إقليم كردستان العراق، وضمِّها إلى أملاك حزب العمال الكردستاني؛ بحجة أن أصحابها غير موجودين في سوريا. إذاً، لهوَ محوٌ تام لبنيةٍ يسعى القائد أوجلان خلالها إلى تغيير الواقع على الأرض الكردية السورية، بشراً وحجراً وتاريخاً ومستقبلاً. يفعل حزب العمال الكردستاني ما لم تفعله كوريا الشمالية بحق شعبها.
إذاً، يفشل حزب العمال مرة أخرى، في غضون ثلاث سنوات، في قراءة الواقع الكردي، وبعناصر عديدة موثقة، منها:
1 – تفريغ المناطق الكردية السورية من كردها المختلفين معه سياسياً واجتماعياً وثقافياً، ما يؤدي إلى مسح التنوع الثقافي الكردي – الكردي، داخل سوريا، إلى جانب دعواته المتكررة لعدم مغادرة بيوتهم والهجرة إلى إقليم كردستان العراق، في لعبةٍ باديةٍ للعيان.
2 – عزل كرد سوريا عن الحراك العالمي المتمثل بمساعدات عسكرية وإنسانية وثقافية، من قبل المجتمع الدولي، للشعب السوري المطالب بالتغيير.
3 – فشل حزب العمال الكردستاني في الدفاع عن المدن الكردية التي بُترت بنيتُها الثقافية والسياسية والعسكرية، وليجعل من نفسه الحامي الوحيد لكرد سوريا غصباً، فشل حزب العمال الكردستاني في إيقاف سقوط القذائف والهجمات على المدن والأحياء الكردية؛ متجلياً ذلك بنزوح ما يقارب من مئتي ألف كردي من مدينة كوباني الكردية نحو أراضي القمع التركية، وسقوط أكثر من 350 قرية كردية بيد تنظيم داعش الإرهابي، بعد انسحاب عناصر حزب العمال الكردستاني منها وتركِ أهلها عرضةً لإرهاب داعش.
إذاً، هو فرزٌ آخرُ جارٌّ بحق كرد سوريا، وتفريغٌ آخرُ لقرى كردية سورية – تفريغ يشتغل عليه حزب العمال الكردستاني منذ عقود، تفريغ ما تبقى من القرى والمدن الكردية التي لا تقدم الولاء إلى العمال الكردستاني. تفريغ سيلتهم كل من (رأس العين وتل تمر والحسكة) هذه المدن الثلاث المفتوحة على رياح داعش، تفريغ يليه تعبئة المناطق تلك بالشابات والشبان الكرد، وعسكرتهم بغرض الدفاع عن الأرض الكردية، تفريغ وحماية أرض بدون سكانها، لتتمحور بعدها معادلة المنطقة العازلة التي تصرخ بها تركيا مع أراضي الشمال السوري الممتلئ بذاكرةٍ كرديةٍ منذ بداية “الثورة”. هو تفريغ من شأنه أن يضع كرد سوريا في قائمة الإرهاب يوماً ما؛ إذ تعود كتائب الجيش الحر من تدريباتها على الأرض السعودية، ولتحركها فيما بعد قوى الشطرنج نحو خط التماس مع حزب العمال الكردستاني؛ إذا ما بقي الفرز الكردي على حاله وإذا ما بقيت القوى الكردية الأخرى خارج معادلة المصير في كرد سوريا وإذا بقيت قيادة العمال الكردستاني خارج التحالف مع  حكومة “كردستان العراق” التي كسرت  ألمانيا في سبيلها قانون عدم إرسال السلاح إلى مناطق النزاع وذلك نتيجة متغيرات ومعادلات طارئة، تفريغ من شأنه أن يضع القضية الإنسانية لكرد سوريا في قائمة الإرهاب، ولينتهي بعدها دور حزب العمال الكردستاني نهائياً، ولتتلاشى قيادة الحزب مثل سحابة، تفريغ يجعلنا مقيمين في السؤال/ الجوهر عن الشابات والشبان الكرد المقاتلين في صفوف الحزب بنبل وبسالة وبدون حماية سياسية وعسكرية وفكرية لهم لصدّ هجمات دولة الهواء الإرهابية، والممتلئة بأسلحة موصل الأمريكية الصنع، أولئك الشابات والشبان المعزولون عن الواقع العالمي والمواظبون فقط على النظر إلى النقطة التي تفصل محارسهم عن محارس تنظيم هو صنيع (العثمانيين الجدد). تفريغ يجعل من حزب العمال الكردستاني طالباً فيه بالدعم الكردي، لصدّ هجمات داعش عن مدينة كوباني التي سقطت إذ أُفرِغت من أهلها.
أجل، فشل العمال الكردستاني في قراءة الحاضر أيضاً، كيف يطلب الدعم من كرد مسحَهم هو ثقافياً وسياسياً وعسكرياً؟ كان حرياً به قراءة الواقع الكردي بعيون وطنية وليست تحالفية، وذلك عبر إيجاد صيغ جديدة تجعلها منخرطة في لم الشمل الكردي لا الخروج عليه؛ وهو الذي منع القوات الكردية السورية من العودة إلى بلدهم بغرض الدفاع عن مدنهم وقراهم، هؤلاء الذين تدربوا في “كردستان العراق” كان أغلبهم جنوداً كرداً، قد انشقوا عن الجيش السوري أثناء أدائهم للخدمة الإلزامية (العسكرية) وهربوا إثرها إلى “كردستان العراق”. هؤلاء مُنعوا من العودة إلى مدنهم، وكانت عودتهم مشروطة بالقتال تحت راية حزب العمال الكردستاني أو البقاء هناك في “كردستان العراق”.
أجل، حزب العمال الكردستاني سيّار في سيرته السريالية قمعاً، بدءاً من اعتقال يافطات الأحزاب الكردية السورية وليس انتهاءً بتحريم الكرد في الموت تحت راية الحرية وحسب. هو اعتقال لرغبة الكردي في الموت خارج راية حزب العمال الكردستاني المنهمك في فحوى معادلة التفريغ والتعبئة، التفريغ والتعبئة، التفريغ والتعبئة؛ ما جعل الحزب يفشل نهائياً في التعاطي مع ذاته المعتقلة في السجون التركية. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…