«ثورة روجافا»

محمد رشو 

 

تُعرّف الثورة بمفهومها السياسي المعاصر بأنها الرغبة العارمة في التغيير الشامل،
وتشمل جميع المؤسسات والسلطات في النظام السابق، بما يحقق طموحات التغيير نحو نظام
نزيه وعادل ويوفّر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة المجتمعية.

إنطلاقاً من هذا التعريف سأقوم بتحليل ما أُصطلح على تسميته بـ”ثورة
روجافا” في المناطق الكردية في سوريا بقيادة حزب الإتحاد الديمقراطي.
“روجافا”
كلمة كردية تعني الغرب، وهي بوصفها المجرّد ليس لها أي دلالة مكانية أو زمانية،
وكان إعتماد هذه اللفظة لإرضاء النظام السوري بالابتعاد عن أي وصف قومي قد يزعج
النظام، و من هنا بدأ إنحراف ثورة روجافا، فكيف هي ثورة وفي نفس الوقت تخشى من
إزعاج عروبة النظام؟!. 
بدأت هذه الثورة بعملية
استلام وتسليم في منطقة “كوباني- عين العرب” في 19 تموز 2012، و إمتدت
لتشمل كل المناطق ذات الغالبية الكردية. مع إحتفاظ النظام بقواعده الاساسية بشكل
ظاهر كما في المربع الأمني في قامشلو ومطارها، و بشكل مستتر (استبدال الزي العسكري
بالمدني) في باقي المناطق، ودون حصول أي عمل عسكري ضد النظام.
ولإضفاء شرعية على هذه الثورة تمت أدلجتها بفكر شمولي- ماركسي ماوي- لاسلطوي
(فوضوي)، عن طريق كتابة عقد إجتماعي بمثابة الدستور، و تبنّي مفاهيم غريبة كـ
“الأمة الديمقراطية” التي تم طرحها كحل لمشاكل سوريا والشرق الاوسط بل
والعالم على حد قول قياديين في حزب الإتحاد الديمقراطي. وفي هذا الصدد يقول الكاتب
التركي أورهان مير أوغلو في صحيفة star “بشكلٍ مماثلٍ لما حدث في تركيا, يريد حزب الاتحاد
الديمقراطي من كرد سوريا اليوم تصديقَ أنهم يقومون بثورة اشتراكية باسم فقراء
روجآفا “.
من غير الواضح ضدَّ مَن قامت ” ثورة روجآفا”, فنظام البعث يغض الطرف
عنها, كحال غض طرفه عن داعش في إمارتها الرقّاوية، أما ” ثوار روجآفا ”
المتمثلين في قوات الحماية الشعبية (YPG/J) لم يواجهوا النظام عسكرياً وإن لمرة واحدة, بل تم استثمار
تضحياتهم الشريفة أثناء مواجهتهم لداعش في قمع كل من يشكك بالمعارك بحجة طهارة
دماء الشهداء, كما أن نفط النظام ما زال يتدفق إليه، ولوسائل إعلامه حرية التنقل
ضمن الإدارة الذاتية، و سلطته الأمنية ما زالت تمارس عملها في اعتقال الناشطين.
بالتالي بكل تأكيد فإن هذه الثورة ليست ضد النظام البعثي، إذاً كيف من الممكن أن
يُطلق عليها مصطلح “ثورة” إن لم تكن ضد النظام؟ و ضد مَن هي إذاً؟
و كَرَد على هذا السؤال يقول الناشطون الكرد أن هذه الثورة ليست سوى من تدبير
النظام من أجل تحييد كرد سوريا عن الثورة السورية، ولعب حزب الإتحاد الديمقراطي
دور العصا الغليظة للنظام بما يتيح لمليشيات النظام أن تتفرّغ لقمع الثورة في باقي
المناطق السورية.
و يمكننا الإستدلال على شعبية هذه الثورة من خلال القبول الشعبي لها، فلو كانت
معبرة بشكل ما عن طموحات الشعب – كما هو حال الثورات عادةً- لما لجأت إلى استجلاب
عناصر مقاتلة من الخارج، ولما فرضت التجنيد الإجباري على السكان، ولما ضيّقت
الحريات على كل من يخالفها فكرياً – و هم كثر-.
هنا يجب التفريق تماماً بين الثورة السورية المباركة، و مابين ثورة روجافا، حتى إن
اتفقتا في الإطار الزماني و المكاني، فثورة الشعب الكردي ضد النظام اشتعلت شرارتها
في 2004 (الانتفاضة الكردية) وأُعيد إحياؤها بإنخراط الشباب الكردي الثائر في
الثورة السورية 2011 منذ بدايتها، حتى تم القضاء عليها من قبل حزب الإتحاد
الديمقراطي ضمن ثورته المضادة التي من أهم إنجازاتها “الثورية” اعتقال
الناشطين، وحل أغلب الكتائب الكردية التي إنخرطت في الجيش الحر، وإعلان العداء
العلني للثورة السورية بكل رموزها وأشخاصها، و استبدال الاستبداد البعثي بإستبداد
كردي، وفرض سلطة أمر واقع على الشعب، بالاضافة إلى إفراغ المناطق الكردية
باستعماله القوة المفرطة والتصفيات بحق كل من يخالفها. فيكفي أن نعلم أن رفع علم
الثورة السورية يعتبراً جرماً تعاقب عليه الإدارة الذاتية المؤقتة حتى نعلم
ماهيتها و لخدمة مَن تم تشكيلها، بالتالي لا يمكن وصف هذه “الثورة” إلا
بأنها ثورة من شأنها القضاء على كل ما من شأنه خلق ثورة فعلية في المناطق الكردية
في سوريا.
بالعودة إلى تعريف الثورة، يمكننا ببساطة أن ندرك أن “ثورة روجافا” لم
تلبي الرغبة العارمة بالتغيير لأنها أعادت طرح نفس النظام التي تدّعي أنها قامت
ضدّه، ولم تشمل جميع المؤسسات والسلطات في النظام السابق لأن النظام لا يزال
قائماً و فاعلاً في المناطق التي شملتها هذه الثورة، ولم تحقق طموحات التغيير نحو
نظام نزيه وعادل بل خلقت حالة من الفوضى والمحسوبيات على أساس الولاء الحزبي، ولم
توفّر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة المجتمعية بل صادرت الحقوق وكبتت الحريات
ولاحقت الأحزاب واعتقلت وطردت الناشطين وجعلت من المجتمع التي قامت فيه حقل تجارب
إيديولوجي وتنافر عرقي بين المكونات.
بعد كل ما سبق، هل هذه “ثورة”؟ و إن كانت ثورة فلماذا لا يوجد لـ
“ثورة روجآفا” أصدقاء؟ وإن وجدوا فأين هم في هذه الأوقات العصيبة؟.
ويبقى صدى تصريح رئيس قوى الأمن في الإدارة الذاتية، وكلام الرئيسة المشتركة لحزب
الإتحاد الديمقراطي صادحاً على إمتداد مناطق سلطتهم (( هذه ثورتنا، وهذه قوانيننا،
من لم تعجبه فلينقلع إلى مخيمات اللجوء)). 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…