الأنظمة العربية: نار داعش ولا جنة « كُردستان »

 ابراهيم محمود


   لنتحدث بلغة النثر لا الشعر، سعياً إلى الاعتماد على الوقائع، وتجنباً
لجيَشان المشاعر، ونقول مستفهَمين :
هل لنبيه في السياسة التي تصله ببنية العلاقات التي تميّز الأنظمة
” في غالبيتها الساحقة “، في غالبية الذين يشكّلون ” رعاياها
” لا مواطنيها هنا، أن يجيب على مثل هذا السؤال: لماذا لم يزُر مسئول عربي،
حتى على مستوى ما دون الرئيس إقليم كردستان منذ احتداد المعارك خارج حدوده
المرسومة وداخلها في الغزو الداعشي ومن معه عراقياً وأبعد منه ” كما نوهنا أكثر
من مرة “، ليكون صيف العراق الحار أكثر سخونة وحصاداً للضحايا، كما علِم،
باستثناء وزير الخارجية اللبناني” جبران باسيل، وبتاريخ 19- 8 / 2014″  الذي كانت زيارته للإقليم ذات طابع إنساني خاص وبخلفية
دينية، كاحتمال ضمني ” إثر النزوح المأسوي للأخوة الأثوريين من نينوى والجوار
“، وليس بروتوكولياً ومن خلال موقع لبنان بالذات ؟
حتى بالنسبة لدولة مثل الإمارات رغم تميزها بتقديم مساعدات للسوريين
عموماً، ومتابعة الوضع الإنساني في العراق عموماً كذلك، إلا أنه لم يزر مسئول
إماراتي، أي مسئول، إقليم كردستان، وهذا يعمق فجوة الخلاف القائمة، ويغلّب اليقين
المؤلم على الشك المقلق . 
 
طبعاً، أثبّت هنا- في السياق السالف-  حتى النظام العراقي المتمثل في حكومة المركز:
بغداد، ومنذ انفجار الحدث العراقي الداعشيّ المَقام في 10 حزيران 2014، ومع
الإقليم في مطلع آب من العام نفسه، والرعب الداعشي في شنكال، تأكيداً لمن يريد أن
يعلَم ” وعذراً عن استخدام هذه المفردة، فهي ليست توجيهية، وإنما تعجبية تعني
المشار إليهم في نطاق الأنظمة ” أنها أنظمة تردُّ على كل المدعين بأن العرب
ليسوا أمة واحدة وقابلة للتنوع والامتداد في التاريخ، وقومية واحدة، وإيمان واحد بالعروبة،
في أوقات الشدة، وتؤكد المغايِر، ليكون داعش ذا نسَب إلى حياض هذه الأمَة ”
أمة الأنظمة ” أما ما يُسمى بـ ” كردستان ” فتهديد لأمة العرب
منطقياً. 
 
ربما كان من قبيل الاستهلال الإعلامي إن قيل عن أن الأنظمة هذه تخشى
على نفسها، أو لا تريد توسيع رقعة التوترات مع بغداد وهي
المحسوبة في امتدادها العربي، سوى أن ذلك يقدم الصورة الصارخة لتكوين الأنظمة هذه
في المجمل، إذ إن الحديث/ المثل السائر” الناس على دين ملوكهم “، قابل
للتوسع ” الناس على دين حكامهم تبعيةً “، وبنوع من العقد الذي لا يتكافأ
طرفاه: الحكم مع بطانته، والآخرون: عموم الرعية باعتبارهم التابعين: 
 
جهة الحاكم الذي يسنِد إلى نفسه كل شيء، باعتباره المرجع: ولي الأمر،
حتى في تقرير مصائر الناس، واعتماداً
على طاقم عصي على الحصر من المريدين والداخلين في طاعة سلطته في أمور الدين قبل كل
شيء والاجتماع والسياسة والاقتصاد والدنيا والآخرة بالذات، وما هو أبعد من
المرئيات ” مفهوم خليفة الله مجسَّم هنا “. 
 
جهة الرعية الذين يسلسون القياد لحاكمهم بغضّ النظر عن نوع الحكم:
ملكي، ملكي، سلطاني، جمهوري…الخ، طالما
أن هناك مركزية في السلطة وإدارة أمور البلاد، وقد تمت تربيتهم على هذا الأساس من
التبعية القائمة على ثنائية لها مرجعية دينية ” ماورائية “: الثواب
والعقاب، وهما يصلان ما بين الأرض والسماء، وكأن معاناتهم محل ثواب، وأن التفكير
في المختلف دخول في دائرة العصيان، وما يترتب على ذلك من عقاب ليس له حد معين،
يتجاوز نطاق المرئي: الدنيوي . 
 
بصدد الأنظمة العربية، ثمة إدراك على إشكالية رهيبة تعيشها وهي
اعتبارها في غاية التنوع في الحكم، النظام،
وتلتقي معاً جهة اعتبارات تقوم على حدودها، كما لو أن في ذلك عصا سحرية لإيهام
الرعايا بأنهم مواطنون، وأن الشعور المبثوث أو الجارية تنميته في نفوسهم عن وحدة
العرب وخاصية العروبة، والأهداف المشتركة، شعور محفوظ ومقدَّر. 
 
في جل الخلافات العربية، تتسارع أنظمة منها لتدارك أوجه الخلاف،
والتخفيف ما أمكن من شدتها أو وطأتها،
وتبقي العنف محولاَ إلى الخارج، وهي سياسة تليدة: العدو دائماً من الخارج، ويكمن
خطره في الخارج، والخارج، وكونه خارجاً فهو مكمن الخطر المهدد للبلاد، لأن الخارج
يهدد ويتوعد الذاكرة الجمعية للأمة ذاتها، بقدر ما يعدها بالتفكك والخراب، من خلال
مجموعة من التصورات المركَّبة ذات الصلة بمفهوم ” الغريب : الغرب بالمعنى
الجهوي، أي ما غادرته الشمس وأبقته في وضعية غموض، ومحل خشية، أي ليلي السمات،
خلال المقيم في الشمس..”، وهذا يشمل الهيئة والصوت بالمقابل، أما الداخل فهما
شهد من انقسامات أو توترات أو خلافات…الخ، فإن ذلك يجب ألا يحوّل الأنظار إلى
الخارج طلباً لنجاة ما، خوفاً من ضياع ما لا يعوَّض ويعرض كل ما ينتمي إلى الأمة
إلى التلاشي. 
 
رب سائل يستفسر – وفي الحال- عن طبيعة الأنظمة العربية التي استنجدت
بالولايات المتحدة الأميركية وحلفائها،
في الحرب على نظام صدام حسين، إذ كانت تلك أيضاً داخلة في نطاق هذه الإشكالية :
استدعاء الخارج كرمى الداخل الذي يلوّن اسم الخارج كما يهوى ؟! 
 
أعتقده مثالاً في غاية الوجاهة، ولكن التدقيق في أمره/ مضمونه، سرعان
ما يرجعنا إلى حكمة الداخل ولزوم الحرص
عليه مهما كانت التضحيات، وهو أن استدعاء قوى أجنبية لم يكن إلا من باب ردع من خرج
عن إرادة ” الأمة “، وأثار الأعداء في الخارج، لا بل انخرط في لعبة
خارجية ” فتنوية ” كما يظهر، من ناحية صدام حسين، وما في ذلك من فعل
مضاد لما كان، على طريقة ” وداو بالتي كانت هي الداء “، فطلب الخارج
مرهون باللائذ به وهذا مرفوض.

وعود على بدء سريعاً، ولمن يتذكر، لكم كان هناك تجاوب مع ” حرب
” صدام الممسرحة على إيران من قبل غالبية
الأنظمة العربية لأكثر من سبب، وعلى وقع انهيار نظام صدام حسين لم تتحرك هذه
الأنظمة، إنما منحت فرصة مسّاج” تدليك نفسي” لأولئك المأخوذين بجرعة
العروبة المسكِرة، تنفيساً عما هو مكبوت فيهم، في مظاهرات محدودة، وعروض شعارات،
إلى جانب ندوات وكرم معتبَر في إخراج صور وطباعة كتب تندد بالامبريالية الأميركية
قبل كل شيء، ولينتهي كل شيء. 

 
بالنسبة لإقليم كردستان، يظهر أن كل العرب ودون استثناء: ساسة ومنظري
ثقافة وأهل فكر ما بعد حداثيين وسلفيين
وجهاديين وتكفيريين ومعتدلين، في دائرة وحدة المصير، طالما أن كردستان مرسومة خارج
سياق المعتمد عروبياً، وأن ما هو مرسوم يصل بالخارج أكثر، وأن هذا التصور يمنح
الأنظمة أكثر من مسوّغ لأن يستبد برعاياها، ويبقى أهل الفكر والنقد المسكونون بهذا
التصور مجرد حكام صغار  وحولهم يكونون من
هم أصغر منهم. 
 
لا بأس أن تشتعل الساحة الجغرافية العربية وما في عِدادها بصراعات
دموية، سوى أن الحدود تبقى هي هي، وهذا
خلاف العلاقة مع كردستان حيث إن مجرد التفكير في زيارة ما، يعني فتح أبواب على هذه
الأنظمة، لوجود أكثر من صوت يطالب ليس بتهوية الداخل فحسب، وإنما بإعادة رسم خارطة
سياسية لهذا الداخل ” العربي ” من العراق إلى مصر، ومن لبنان إلى
الجزائر والمغرب وليبيا …الخ، وكأن تحقيق كردستان سياسياً يعني تضييق الخناق
عليها؟!

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…