حزم الرئيس البارزاني وابتسامة الوزير الإيراني

ابراهيم محمود

 

في المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس مسعود البارزاني
ووزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف أثناء زيارته الرسمية الأخيرة واللافتة
إلى إقليم كردستان بتاريخ 26 آب/ أغسطس 2014، لفت نظري خلال المؤتمر مشهد على أتم
صلة بما هو دبلوماسي: 

 
حزْم الرئيس مسعود البارزاني وهو يتحدث عن
المستجدات، وحصراً: التحديات التي يواجهها الإقليم، بله والمنطقة والعالم كذلك، تتمثل
في التهديد الداعشي ومخلفاته الكارثية، وهو بلباسه الكردي المعتاد، وبالقرب منه
وزير الخارجية الإيراني وهو يلتفت إليه بين الحين والآخر ، كما تقتضي آداب
الدبلوماسية، دون أن يخفي ابتسامته .
الوزير معروف بابتسامته تلك، والرئيس البارزاني
معروف في المجمل بحزمه، ولا تعارض بين الهيئتين، ولا يعني كذلك أن الرئيس لا يبتسم
أو لا يضحك طبعاً، أو أن الوزير ليس لديه حزم وجهامة أو استعداد لتجاوز الابتسامة
إلى الضحك، إنما ثمة ما يجعل لكل هيئة اعتبارها السياسي، خطابها البلاغي على مستوى
النظر، وتحديداً في مثل هذا الوضع الذي يعيشه الإقليم، هيئة تتجاوب مع المنطوق
مثلما أن المنطوق يتناغم مع سيماء الوجه. 
 
ليس كيل مديح، إن أشرت مباشرة إلى أن حزم
الرئيس البارزاني يترجم صعوبة وضع الإقليم، إنما في الواجهة: تلك المقدرة على المواجهة،
إنما كذلك: تلك الإرادة الواعية لما جرى التخطيط له وعلى أعلى مستوى سياسياً، وهو
حزم لم يكن يخفي تفاؤلاً، وربما كان في الوسع إبراز ابتسامة ولو خاطفة، ولكن
المستجد أبقى الحزم علامة فارقة في المكاشفة. 
 
ولمن يعلم، بصدد مفهوم الحزم النفسي وتأويله،
فإنه يخفي المشاعر، إنه وضع يستدعي اختيار المطلوب ما أمكن، ونقل المفكَّر فيه قدر
الإمكان إلى الآخر، وخصوصاً حين يكون مسئولاً عالي المستوى ومن قبل دولة جارة،
وأكثر من ذلك حين يكون لكردستان سهم جغرافي فيها وامتداد ديموغرافي كردي وتاريخ
قائم، الحزم إعلام الضيف، السياسي، الزائر المعتبَر بحقيقة ما يجري، وهو في موضع
ثقة بالذات استناداً إلى المحقَّق على الأرض، ولا أعتقد أن هناك من يمكنه تجاهل
خاصية الحزم وبعده النفسي والنتائج المحققة وهي مبعث الفخر لكل كردي. تصوروا لو أن
الرئيس البارزاني يبتسم وهو يستعرض المنجز في الانتصار العسكري على داعش ومن وراء
داعش، ذلك يضفي على الكلام قيمة أخرى، وكأن هناك تفاخراً أو تباهياً، أي حين أشار
إلى تمكن البيشمركة من دحر داعش، واستخدام عبارة ” الحمد لله ” وأن
نهاية داعش ستكون على أيدي البيشمركة.. تلك رسالة واضحة، بقدر ما كان القول
إشعاراً بأن مجابهة داعش تتجاوز حدود الإقليم، وما هو أكثر من ذلك، وهو يستنتَج من
كلام الرئيس: ما عجز عنه الآخرون، نحن قادرون عليه . 
 
ابتسامة الوزير الإيرانية لم تكن تعني مديحاً
مباشراً بمناخها البروتوكولي، بقدر ما كانت تعبيراً دبلوماسياً عن علاقة دبلوماسية لها صلة بطرق
التعامل مع الآخر تبعاً لمقامه وظرفه، لعلها كانت موافقة في الحال، بعد الذي تحقق
بيشمركياً من انتصار على الأرض، وهو الذي ترجم زيارته في المحصلة، لعلها كذلك
التأكيد على ما نطق به، وثمة أمر آخر في خاصية ابتسامة كهذه، وهو اعتبارها تجاوباً
مع المنطوق وترجمان الزيارة، وربما نقل الحدث النفسي إلى المرئي وإيجازه، خصوصاً
بالنسبة لزيارة ليست عادية وفي وضع غير عادي وبالنسبة للكرد عموماً، وللإقليم
خصوصاً، فالابتسامة لها معاني تصل بالزمان والمكان. 
 
تصوروا بالمقابل لو أن الوزير أبدى الحزم
نفسه، لبدا المشهد في وضع مغاير، ولعل من أولى أولويات التعبير الهيئاتي ومن جهة الضيف
ترجمة لود وانفتاح هي هذه الابتسامة معبراً إلى إقامة علاقة، والضحك لا مكان له في
الإعراب السياسي المفتوح وفي مناخ من هذا القبيل، إنها مغايرة تامة لما أتي على
ذكره . 
 
هذا المشهد ينوّه إلى سلسلة من المشاهد/
المواقف التي تجمع بين سياسيين وفي مناصب مختلفة، لحظة تبادل الزيارات، وبصورة خاصة عند
انعقاد مؤتمر صحفي الذي يتطلب وضعاً نفسياً وقيافاتياً خاصاً، ولكَم جرى تعليق
وتعليق على ذلك من خلال معنيين بعلوم الهيئة النفسية، وإعلاميين، وكتاب: ملامح
الوجه عموماً وهي تتنوع في مكوناتها، وحركة اليدين، إلى جانب حركة الرأس
والتفاتته، وطبيعة النظرات، وحركة اليدين ، دون نسيان حركة الجسم…الخ.

لا أنتهي إلى حكم قيمة، أو إفصاح عما هو
تذوقي، جمالي في المشار إليه، رغم وجود تذوق ما، جمالية مشهد لماحة، بقدر ما حفّزني المشهد
الموسوم ذاك على نقل بعض مما استدعي إلى ذاكرتي واستحال كتابة هنا، وأنا أحاول
الحزم ليكون كلامي أكثر ضبطاً ووضوح رؤية، والابتسامة شعوراً مني أن ثمة ما ينبغي
النظر فيه، ويبعث على التفاؤل خارجاً، وينعِش داخلاً!

 

 

ملاحظة: للتنويه وللتوضيح: لا علاقة لما ورد في المقال، لا من قريب
ولا من بعيد، بما نتابعه عن قرب، من حزم يجلو ” حزبينا ” الكردي،
المعتبَر سياسياً، وفي روجآفا كردستان تحديداً، أو ابتسامته، على خلفية حدث أزمة
تحزبية كردية تلي أخرى، وهو بأناقة معَدٍّ لها في هذه القناة التلفزيونية الكردية
أو غيرها، تأكيداً على أن الجاري ” تحت السيطرة ” أو ” كل
شيء تمام
“، ليكون التناوب حينئذ بين الحزم والابتسامة، إذ الحزم لا يعدو
أن يكون محاولة يُشفَق عليها لضبط النفس المأزومة في العمق، والابتسامة بدورها، لا
تعدو أن تكون طمأنة مزيفة لما هو قائم باسم الحزبي الكردي المعني وهيئته، لأن من
أولى سمات ” الجدّي – النشط ” قلة ظهوره ودخوله في غمار: نحن، لأن، لكن،
سوى أن، حيث إن، بما أن، كون، إنما، ورغم أن…الخ، لأن عمله هو الذي يتكلم
بالنيابة عنه دون حزم مفبرك وابتسامة عاجزة عن التغطية…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…