لا أخفي تقديري الأولي لقناة ” روداو
” الكردية، ولعلها في نظري في واجهة القنوات التلفزيونية الكردية تلك التي
أتابع عبرها المستجدات على الساحة الكردية ليس ” في إقليم كردستان، حيث أقيم
” فحسب، وإنما حتى خارجه، إلى جانب غيرها في التنويع الخبري وللمقارنة كذلك،
وربما جاز لي اعتبارها قناة مهنية كأي قناة إخبارية معروفة في المنطقة، وحسبي أنني
أضم صوتي مبدئياً إلى الذين عبّروا عن رأيهم فيها من المعروفين على الساحة
السياسية الكردية، وما وجود مراسلين لها في أمكنة مختلفة من العالم إلا شهادة
مقدَّرة على ذلك.
دون أن يكون في هذا الاعتراف أو المكتوب
تقليلاً من دور القنوات التلفزيونية الكردية الأخرى، إنما هو تركيز على المسار
والإطار الخبريين .
للجانب الذي يعنيني جانب في الأخذ بعين الاعتبار !
من جانب آخر، لعلّي، ومن خلال المتابعة، أكون
في صورة أوسع، وهي وجود جمهور عريض من الذين يتلقون ما يهمهم من أخبار كردية من
خلالها، تخص عموم أجزاء كردستان، ومنها ” روجآفا “، وكما في تسقّط
توجهات مشاعر هذا الجمهور .
وعلى قدر الاهتمام والتقدير، كما هو معروف،
يكون ليس العتاب وحده فقط، إنما النقد المتعلق بحرَفية عمل القناة بالذات بالمقابل .
إذ يلاحَظ بين الحين والآخر، وفي الفترة
الأخيرة بشكل ملحوظ، وجود انزياح لافت في توجه القناة وما هو مطلوب منها، ومن خلال
العنوان/ الاسم ” روداو: الهدف، الغاية، المبتغى “، عبر الأخذ بأنظار
المشاهدين إلى جهات تكون على حساب الجهة الرئيسة لها، وهي أن تأتي أخبارها تغطية
لما يحيط بها ” في الإقليم، أولاً بأول، كما يقال “، وهو ما يهم الناس،
وما أكثرهم : تنويعاً ” تبعاً لأعداد اللاجئين من روجآفا وغيرها “، وشح
المعطيات الخبرية أو اختزالها، وفي أوقات منتظرَة بـ” اللهجة / اللغة ؟
” التي يستطيع متابعوها التقاط المعلومة بوضوح أكثر ” الكرمانجية :
روجآفا خصوصاً “، كما في أخبار الساعة السابعة مساء بصورة رئيسة .
ولعلّي حين أشير ضمناً إلى مدى انشغال القناة
بالخلافات الحزبية الكردية” في روجآفا بامتياز “، على طريقتنا ”
زعلت، أو حرْدت، وجارتنا رجعت إلى بيتها، وجارتنا تشاجرت مع جارتها الأخرى، أو
مع زوجها، وجارتنا ألبت الحارة على الحارة الأخرى، وجارتنا ليتها لم تكن جارتنا،
ولا كانت جارة، بما أن الجيرة استئناس، وتعاضد وتنامي علاقات ” !
لا بأس أن يشار إلى هذه الخلافات، ولكن عندما
تفصح الأحزاب التي يؤتى على ذكرها، في فترات، لا يشعر فيها المتابع، كما لو أنه في
ملعب لكرة القدم، وأن رياضة الكرة محصورة
في العالم هنا ” مع فارق المتعة والفائدة بالتأكيد “، بحيث نسمع صفارة
الحكم كل عدة دقائق، وكأن اللعبة تقتصر على نقل أو بث الأخطاء المرتكبة والتصادم
بين اللاعبين.
أي جدوى من هذه التغطية لقائمة الأحزاب التي تعيش ” خارج
التغطية ” زماناً ومكاناً ؟ ما هذا التوجه الاستراتيجي، بله حتى التكتيكي
لخاصية المعلومة الخبرية التي تقول مراراً، وإلى درجة الملل: خصومة بين المسئول
الحزبي ” X
“، وخلافه أو أكثر من خلافه في الحزب ” X “، أو أكثر من مسئول، ومن التصريح إلى
التجريح، ومن التجريح إلى التصريح المضاد، ومن المساعي ” الحميدة ” لرأب
الصدع العصي على الرأب، وسماع من يقول، على المستوى الحزبي الكردي الروجآفاوي
بجلاء: نزفُّ البشرى إلى جمهورنا الكردي الكريم، أننا، نحن جملة الأحزاب التي
…..الخ، قد اجتمعنا، واعترفنا بخطورة المرحلة التي يمر بها شعبنا في الجهات
الأربع، وجرت نقاشات في منتهى الشفافية والروح الرفاقية والأخوية، ولزوم التركيز
على ما هو جوهري ومنتظَر من قبَل جماهير أمتنا الكريمة…وفتاشات تعقب فتاشات..
لا أريد أن أحفر في المشهد الذي أتيت على
ذكره، لأنه في الأساس يفتقر إلى العمق، لأن ليس من تاريخ يشفع لكل هذا النوع
السائد والمخِل بما هو كردي ومهَني كردي، على صعيد العطاء الفعلي، ليكون هناك
تبرير مسجَّل ويحتكَم إليه في الحال .
أي إنني أتحدث عما يدخل في سياق : المردود السياسي والاجتماعي المثمر لما
تقدم، وما يبقي أي نشاط يجري التعريف به، من خلال مضمونه ونتائجه وخصوصاً في هذا
الظرف العصيب، فإذا كان أي حزب عاجزاً عن لملمة شتاته، فكيف يرتقي إلى مستوى
التحديات وما أكثرها؟
لذلك أسأل وأتساءل إزاء مخاض كل مشكل، وما
أكثرها من مخاضات نازفة: من يبشّر من، وعلى من ؟ وأي هدف هو الموضوع نصب أعين
هؤلاء المنقسمين على بعضهم بعضهم، في شقاقيات لا تنتهي، كما لو أنهم باتوا في صورة
فالقة مفلقة: حقيقتهم المميزة فيما باتوا يعرَفون به وعليه منذ عقود زمنية في
التخاصم والتراشق المبطن والغمز واللمز، والأعداء متجاوزون الحدود، ومتغلغلون إلى
مواقع تلامس عتبات بيوت هؤلاء، وثمة من يستميتون في الدفاع عن حدود كردستان
بدمائهم وليس بالكلمات التي ما سمّت بطولات ولا رجالات .
لهذا، لهذا فقط، إذا كانت روداو حريصة أن تكون في مستوى اسمها، وكما
هو المأمول باسمها، فحريٌّ بها أن تدع مثل هذه الزواريب التحزبية ومن يقيم فيها
وكونها مشاكل لذاتها بأكثر من معنى، لأن الفضاء الواسع وما يعكّر سلامة الفضاء
الواسع وصفوه كردستانياً هو الساحة .
ولا أعتقد أن روداو ومن وراء روداو ببعيدين
عن هذا ” الهدف ” الذي على أساسه المعتبَر كان الاسم ” روداو
“، إلا إذا كان هناك من يرى في وجود أمثال هذه الزواريب والظلال الخلبية التي
تتحرك داخلها، موضوعات تستحق تسليط الأضواء عليها، أي تنسى أنها مهنية، كما هي
اللقطات التي تعاد مراراً وتكراراً في اليوم الواحد، وهي دعائية للقناة.